الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
زعمهم: أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة، لزعمهم أن الله قد غفر لهم ذنوبهم إلا ذنباً واحداً، وهو عبادة العجل، الذي سيعاقبهم الله عليه في كل أجيالهم، وذلك بتعذيبهم في النار أياماً حددوها بأنفسهم.
2 -
زعمهم: أن الجنة لن يدخلها إلا اليهود، فرد الله تعالى عليهم هذا الزعم الباطل فقال:{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)} {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)} [البقرة 111 - 112].
فاليهود أخلوا بركن الإيمان باليوم الآخر
(1)
.
المطلب الثاني عقيدة الآخر في العهد القديم والأسفار:
بعد دخول التحريف في كتب اليهود، ظهر بوضوح خلوها إلا إشارات يسيرة عن الحديث عن اليوم الآخر، وما فيه من أحداث، ولذا ذكر الإمام ابن حزم أن مذهب اليهود فيه ميل وقرب من مذهب الدهرية، فيقول:" وإن دين اليهود ليميل إلى هذا ميلاً شديداً، لأنه ليس في توراتهم ذكر المعاد أصلا، ولا الجزاء بعد الموت، وهذا مذهب الدهرية بلا كلفة "
(2)
.
فالتحريف سمة من سمات اليهود، فقد حرفوا التوراة، فأخفوا بعض النصوص، وحذفوا البعض الآخر، ولذا فإن أسفارهم المقدسة لديهم تكاد تكون خالية منها
(3)
.
(1)
الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 1420 هـ (5/ 213).
(2)
ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 155).
(3)
محمود قدح: الأسفار المقدسة عند اليهود ضمن مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، السنة: 33 العدد: 111، بتاريخ: 1421 (371).
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: " وليس في التوراة التي في أيدي اليهود والنصارى بيان صريح للبعث والجزاء بعد الموت، وإما فيها وفي مزامير داود إشارات غير صريحة"
(1)
.
وبعد حدوث التغيير والتبديل في العقيدة اليهودية التوراتية، التي كانت في أساسها تؤمن بالبعث الجسماني يوم القيامة، اختلفت فرق اليهود في عقائدها بشأن البعث، فانقسمت إلى طائفتين:
الطائفة الأولى:
وهي التي تنكر فكرة البعث والحساب والجنة والنار، ولا ترى حياة سوى هذه الحياة الدنيا، ومن طوائفهم التي تنكر البعث والمعاد، طائفة الصدوقيين وهي الطائفة التي اشتهرت بالإنكار، فأنكرت المعاد والملائكة والمسيح المنتظر، وغيرها، "ويبدو أن الأسينين أيضاً لم يكونوا يؤمنون بالبعث وبعض المفكرين من اليهود ينكرون حتى الآن عقيدة البعث، وتنكر اليهودية الإصلاحية فكرة أن البعث هو عودة الروح إلى الجسد وحسابها"
(2)
الطائفة الثانية: الفريسيون، وبقية الطوائف اليهودية على وجه الإجمال يؤمنون باليوم الآخر، لكنه إيمان متذبذب؛ لقلة النصوص المتعلقة باليوم الآخر، والتي لا تعدو أن تكون إشارات عابرة
(3)
.
في حين يرى البعض أن فرقة الفريسيين، تعتقد أن الصالحين من الأموات سينشرون في هذه الأرض، ليشتركوا في ملك المسيح الذي يأتي آخر الزمان فهم ينكرون على هذا البعث يوم القيامة
(4)
.
(1)
محمد رشيد رضا: تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م (10/ 252).
(2)
المسيري: موسوعة اليهود واليهودية، الباب التسع عشر: الفكر الأخروي، (5/ 273).
(3)
مانع الجهني: الموسوعة الميسرة: (1/ 499)، أحمد الزغيبي: العنصرية اليهودية (2/ 278).
(4)
اليهودية واليهود: على وافي ص (49)، اليهودية: أحمد شلبي ص (195)، سعود الخلف: دراسات في الأديان ص (120)، عمر الأشقر: القيامة الكبرى، ص (94)، أحمد عبد الوهاب: النبوة والأنبياء، ص (106)، غالب عواجي: الحياة (1/ 116)
يقول د. دراز:" لا نصادف منذ آدم حتى موسى إلى آخر عهده أية إشارة في أي مكان إلى حياة بعد الموت كأن الم يكن العقيدة الحياة الأخرى مكان في أديانهم"
(1)
.
وقد أرجع بعض الباحثين خلو التوراة إلا إشارات عن اليوم الآخر لعدة أسباب منها:
1 -
معرفة بني إسرائيل لهذه العقيدة التي لا تحتاج إلى تكرار، وصرح بهذا ابن كمونة اليهودي
(2)
2 -
أن ثواب الآخرة مما يستدل عليه بالعقل، فاختصرت التوراة الحديث عنه، اتكالاً على العقل.
3 -
أن النبوة من شأنها الكلام عن الحوادث والقريبة للحاجة إليها وتختصر في الحوادث البعيدة، وهذا السببان أشار إليهما سعد الفيومي
(3)
.
في حين أرجع بعض الباحثين إهمال اليهود لعقيدة الإيمان باليوم الآخر لمجموعة من الأسباب منها:
1 -
الرغبة في التسلط على الشعوب الأخرى.
2 -
اهتمامهم البالغ بأمور الحياة الدنيا.
3 -
التطلع إلى الخلاص من الاضطهاد.
أما الأسباب التي ذكرت لخلو التوراة من الحديث عن اليوم الآخر إلا إشارات، فهي أسباب غير مقبولة، بل إن خفاء مثل هذه الحقائق الأساسية التي اتفقت عليها الشرائع السماوية، دليل واضح وبرهان بيّن على دخول يد التحريف في صياغة عبارات التوراة، التي كتبت بعد موسى عليه السلام، في حين ما ذكره ابن كمونة اليهودي غير مُسَلّم، إذ لا يصح الاعتماد على معرفة الناس، فضلاً عن عقولهم كما يقول الفيومي، خاصة في أمر البعث والمعاد.
وهنا ينبغي أن يُعلم أن النصوص القليلة، والإشارات النادرة، التي وردت في العهد القديم والأسفار، ويُعبر عنها بيوم القيامة ضمناً، يراد بها أحد أمرين:
(1)
محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق في القرآن، مؤسسة الرسالة، ط 10 1418 هـ، ص (28)
(2)
ابن كمونة: تنقيح الأبحاث في الملل الثلاث، ص (26).
(3)
سعديا الفيومي: كتاب الأمانات والاعتقادات ص (258)، انظر: زاهر الشهري: الإيمان باليوم الآخر عند اليهود، مقال منقول من صفحة المؤلف من موقع صيد الفوائد، ص (2).
الأول: هو البعث على حقيقته، وهو المعاد والبعث بعد الموت للحساب والجزاء، وهذا ورد عن جماعة من علماء اليهود ومفكريهم، كما جاء على لسان سعد الفيومي:" إن إحياء الموتى الذي عرفنا ربنا أنه يكون في دار الآخرة للمجازاة، فذلك مما أمتنا مجمعة عليه
…
إلى أن قال: لأن المقصود من جميع المخلوقين هو الإنسان، بسبب تشريفه بالطاعة وثمراتها الحياة في دار الجزاء"
(1)
.
ومع الخلاف الذي ذكرناه في طوائف اليهود في تصور اليوم الآخر، ينتقض الإجماع الذي حكاه الفيومي، من أن أمته اليهودية مجمعة على الإيمان باليوم الآخر، وهذا يتبين بالمراد الثاني من التعبير الوارد في نصوصهم المضمن ليوم القيامة.
الثاني: أنه بعث قومي لشعب اليهود يكون في الدنيا، فيفسرون الآخرة والبعث بهذا المعنى، ويصرحون بإنكار البعث الحقيقي يوم القيامة، وذكرنا أنهم الصدوقيون والإصلاحيون، وقد ذكر إنجيل (متّى) أن الطائفة المكذبة بالقيامة، في ذلك اليوم جاء إليه صادوقيون، الذين يقولون لا قيامة وأجاب عيسى عن سؤال أحد تلامذته القائل: أيذهب جسدنا الذي لنا إلى الجنة؟ فقال له عيسى عليه السلام:" احذر يا بطرس من أن تصير صدوقيا فإن الصدوقيين يقولون: إن الجسد لا يقوم أيضاً، وإنه لا توجد ملائكة لذلك حرم على جسدهم وروحهم الدخول في الجنة"
(2)
.
ومع هذا الخلاف في البعث إلا أن غالب طوائف اليهود على الإيمان بالبعث وإن اختلفت في بعض تفاصيله ولذا يقول الإمام الشوكاني:" وأهل الكتاب إلى عصرنا هذا يقرون بالمعاد والجنة والنار والحساب والعقاب والنعيم والثواب، ولا ينكر ذلك منهم منكر، ولا يخالف فيه مخالف"
(3)
.
(1)
سعد الفيومي: كتاب الأمانات والاعتقادات، طبع سنة 1880 م ص (211)، شاكر الساعدي: المعاد الجسماني، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، 1426 هـ، ص (43).
(2)
عمر الأشقر: القيامة الكبرى، دار النفائس - الأردن، ط 6 1416 هـ، ص (94).
(3)
الشوكاني: إرشاد الثقات، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1404 هـ، ص (24).
وأما تلمود اليهود: وهو القانون أو الشريعة الشفهية التي كان يتناقلها الحاخامات الفريسيون من اليهود سراً جيلاً بعد جيل، ثم دونت بعد ذلك خوف الضياع، فأصبحت تعبر عن ديانة وآداب اليهود
(1)
.
والتلمود اليهودي الذي واجه الإحراق والإعدام لاعتباره أهم مصدر من المصادر اليهودية التي أدت إلى مقاومة اليهود للسلطة والدين المسيحي سرا وعلانية، فقامت حملات الملوك والباباوات ضد التلمود لاعتباره مصدر الشر الكامن في اليهود، وأصدرت الأوامر بإتلافه وإحراقه، وفي أواخر العصر الوسطى اكتفت السلطات الحاكمة والكنيسة بالرقابة على طبعه دون حرقه، فأجازت تداول نسخ محدودة بعد حذف فصول عديدة
(2)
.
والتلمود وردت فيه إشارة غير صريحة باليوم الآخر، فقد ورد فيه:) أن الجنة مأوى الأرواح الزكية، لا يدخلها إلا اليهود، والجحيم مأوى الكفار ولا نصيب لهم فيه سوى البكاء)
(3)
، فهذا النص محتمل أن يقصد به: البعث الدنيوي على ما تعتقده بعض فرق اليهود
(4)
.
وفي نصوص التلمود: "أن اليهود الذين يرتدون عن دينهم، بقتلهم يهودياً آخر، لا يدخلون الجنة، وإنما تدخل أرواحهم في الحيوانات والنباتات، ثم تذهب إلى الجحيم وتعذب عذاباً أليماً مدة اثني عشر شهراً، ثم تعود ثانية لتدخل في الجمادات ثم في الحيوانات ثم في الوثنيين، حتى ترجع إلى جسد يهودي بعد تطهيرها"
(5)
.
(1)
الخلف: دراسات في الأديان، ص (122)، ظفر الإسلام خان: التلمود تاريخه وتعاليمه (11).
(2)
ظفر الإسلام خان: التلمود تاريخه ومعالمه، دار النفائس - الأردن، ط 8 1423 هـ، (40).
(3)
روهلنج: الكنز الموصود في قواعد التلمود ترجمة (يوسف نصر الله): (68).
(4)
الخلف: دراسات في الأديان، مكتبة أضواء السلف - الرياض، ط 4 1425 هـ، ص (121)
(5)
ظفر خان: التلمود، دار النفائس - الأردن، ط 8 1423 هـ، (71).
وهذا هو التناسخ الباطل الذي يقوله أعداء الرسل من الملاحدة وغيرهم الذين ينكرون المعاد، ويزعمون أن الأرواح تصير بعد مفارقة الأبدان إلى أجناس الحيوانات والحشرات والطيور التي كانت تناسبها وتشاكلها، فإذا فارقت هذه الأبدان، انتلقت إلى أبدان الحيوانات، فتنعم فيها وتعذب، ثم تفارقها وتحل في بدن آخر تناسب أعمالها وأخلاقها وهلم جرا، فهذا معادها عندهم، ونعيمها وعذابها، لا معاد لها عندهم غير ذلك فهذا هو التناسخ الباطل المخالف لما اتفق عليه الرسل والأنبياء من أولهم إلى آخرهم، وهو كفر بالله وباليوم الآخر
(1)
.
(1)
السفاريني: لوامع الأنوار البهية، مكتبة الخافقين - دمشق، ط 2 - 1402 هـ (2/ 50).