الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أمر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام، أن يرد عليهم فقال:{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)} [الجاثية:26]، أليس الله ينشئ الحياة أمام أعينهم إنشاء في كل لحظة، وفق سنن إنشاء الحياة؟ فهذه هي المعجزة التي يريدون أن يشاهدوها في آبائهم، ها هي ذي تقع أمام أعينهم بعينها وبذاتها، والله هو الذي يحي، وهو الذي يميت فلا عجب إذن في أن يحي الناس ويجمعهم إلى يوم القيامة، ولا سبب يدعو إلى الريب في هذا الأمر الذي يشهدون نظائره فيما بين أيديهم
(1)
.
المطلب الأول أقوال الناس في المعاد
اختلف الناس في المعاد على أقوال
(2)
:
القول الأول: إثبات معاد الأرواح والأبدان جميعاً، وأن الإنسان إذا مات كانت روحه منعمة أو معذبة، ثم تعاد روحه إلى بدنه عند القيامة الكبرى.
وهذا هو مذهب سلف المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين المشهورين وغيرهم من أهل السنة والحديث من الفقهاء والصوفية والنظار، وهذا القول تؤيده دلائل الكتاب والسنة، وحكي فيه إجماع أهل الملة.
القول الثاني: إثبات معاد الأبدان فقط، وهو قول طائفة من متكلمة الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وهذا القول فاسد، ذمهم عليه السلف والأئمة.
القول الثالث: إثبات معاد الأرواح فقط، وهو قول الصابئة والفلاسفة.
القول الرابع: إنكار المعادين جميعاً، معاد الأبدان والأرواح، وهو قول أهل الكفر من العرب واليونان والهند والترك وغيرهم.
(1)
سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق - بيروت، القاهرة، ط 17 1412 هـ (5/ 3233).
(2)
ابن تيمية: الجواب ص (6/ 7)، ابن تيمية: الصفدية (2/ 267)، ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، جامعة الإمام محمد بن سعود - السعودية، ط 2 - 1411 هـ (1/ 176)، الايجي: المواقف ـ (3/ 468)، التفتازاني: شرح المقاصد (2/ 210).
قال الشيخ عبد الواحد الشيرازي: وإن أنكره فهو حشيشي، معطلي دهري
(1)
.
ومع إنكار هؤلاء للمعاد، نجد أن الله تعالى بيّن" في كتابه، وعلى لسان رسوله أمر معاد الأرواح والأجساد، ورد على الكافرين والمنكرين لشيء من ذلك بياناً تاماً غاية التمام والكمال"
(2)
، فقرر حقيقة البعث وأخبر عن وقوعه وإمكانه، ورد على شبه المنكرين الجاحدين له، بإيراد الأدلة والبراهين اليقينية القاطعة، وحاجهم بالأدلة العقلية، وألزمهم بما لا يمكن الانفكاك عنه.
وقد عمد القرآن الكريم في استدلالاته على البعث والمعاد،" بالأمور الحسية البديهية، التي لا يعجز العقل البشري عن إدراكها، يقرؤها الدهماء فلا تعلو على أفهامهم، ويمعن النظر فيها العلماء والحكماء، فيستنبطون منها الحقائق الصادقة، والحجج الملجمة، وكلما ازداد فيها المتبصر نظراً، زادته استبصاراً وعلماً على ما يهتدي إليه بنفسه"
(3)
.
ولذا وبخ الله عز وجل الكافرين المنكرين الجاحدين لأمر البعث والمعاد، فقال سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام:{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} الرعد 5، أي: إن تعجب يا محمد من تكذيبهم لك، بعدما كنت عندهم الصادق الأمين، فأعجب منه تكذيبهم بالبعث، وقيل المعنى: أي إن عجبت يا محمد من إنكارهم الإعادة مع إقرارهم بأني خالق السماوات والأرض والثمار المختلفة من الأرض الواحدة، فقولهم عجب يعجب منه الخلق، لأن الإعادة في معنى الابتداء
(4)
.
(1)
الشيرازي: امتحان السني من البدعي، دار الإمام مالك - ابوظبي ت: د. فهد المقرن، ص (269).
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف (4/ 314).
(3)
بدرية العثمان: من بلاغة القرآن الكريم في مجادلة منكري البعث، ص (182).
(4)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، دار الكتب المصرية - القاهرة، ط 2 - 1384 هـ، (9/ 284).