الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - أن يأخذ الإنسان ما له، ويؤدي ما عليه:
وهذا الأثر من الآثار الرئيسة للإيمان باليوم الآخر، الذي ينتج عنه طمأنينة المجتمع، والشعور بالأمن والعدالة، وذلك أن الإيمان باليوم الآخر، له أثره المباشر على الأفراد جميعاً، فمتى وقر الإيمان بالآخرة في القلوب، ورجت ما عند علام الغيوب، آثرت أن تعيش مع الآخرة، ولا تنس نصيبها من الدنيا وهذا مؤداه الطبيعي، أن يقوم كل فرد من أفراد المجتمع، بأداء واجباته تجاه بقية الأفراد، ولا يمكن حينها أن يضيع حق، أو توجد مظلمة. وبعيداً عن المثالية المجتمعية، يمكن القول بأن معدلات التظالم بين الأفراد، تقل كثيراً حين يوجد الوازع الديني، المبني على الخوف من الله تعالى، ورجاء ما عنده في الدار الآخرة؛ لأنه متى تيقن الفرد الجزاء والحساب، وأن مظالم العباد تُوفى فيها بالحسنات والسيئات، أخذ ما له، وأدى ما عليه؛ ليقدم على ربه خفيف الحمل من أعباء المظالم.
أما حين يغيب زاجر الآخرة عن القلوب، فلا تسل حينها عن فقد كثير من المعاني الإنسانية، التي ينتج عن فقدها، الظلم، وأكل أموال الناس بالباطل والتعدي على الحرمات.
ومن هنا لا يمكن أن تعيش المجتمعات آمنة مطمئنة، ترفل بالسعادة والرفاهية، ورغد العيش، إلا في ظل الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر.
وهذا الأثر ينتج أثراً آخر، من آثار الإيمان باليوم الآخر وهو:
3 - رد الحق لأهله (رد المظالم):
إن رد المظالم، من شروط قبول التوبة النصوح، وهي التي قيل عنها:"التوبة النصوح: هي رد المظالم، واستحلال الخصوم، وإدمان الطاعات"
(1)
.
والموفق من حاسب نفسه، وتدارك وقته، ورد المظالم، وتحلل كل من تعرض له بلسانه، ويده، وحتى سوء الظن بقلبه؛ حتى يلقى الله سبحانه ولم تبق عليه مظلمة.
(1)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (216).
"وإن مات قبل رد المظالم، أحاط به خصماؤه، فهذا يأخذ بيده، وهذا يقبض على ناصيته، وهذا يتعلق بلببه، هذا يقول: ظلمني، وهذا يقول: شتمتني وهذا يقول: استهزأت بي، وهذا يقول: ذكرتني في الغيبة بما يسوؤني، وهذا يقول: جاورتني فأسأت جواري، وهذا يقول: عاملتني فغششتني، وهذا يقول: بعتني فغبنتني، وأخفيت عني عيب سلعتك، وهذا يقول: كذبت في سعر متاعك، وهذا يقول: رأيتني محتاجاً، وكنت غنياً فما أطعمتني، وهذا يقول: وجدتني مظلوماً، وكنت قادراً على دفع الظلم عني فداهنت الظالم وما راعيتني، فبينا أنت كذلك، وقد أنشب الخصماء فيك مخالبهم، وأحكموا في تلابيبك أيديهم، وأنت مبهوت متحير من كثرتهم وقد ضعفت عن مقاومتهم، ومددت عنق الرجاء إلى سيدك ومولاك؛ لعله يخلصك من أيديهم، إذ قرع سمعك نداء الجبار جل جلاله: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)} [غافر:17] "
(1)
.
فقه هذا الأمر عمر بن عبد العزيز فرد المظالم، يقول محمد بن قيس:"رأيت عمر بن عبد العزيز إذا صلى العشاء، دعا بشمعة من مال الله؛ ليكتب في أمر المسلمين والمظالم، فترد في كل أرض، فإذا أصبح جلس في رد المظالم، وأمر بالصدقات أن تقسم في أهلها، فلقد رأيت من يُتصدق عليه في العام القابل له إبل فيها صدقة"
(2)
، هذه صورة العدل ونتيجته.
(1)
الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (4/ 521).
(2)
ابن سعد: الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1410 هـ (5/ 268).