الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولذا كان مذهب السلف أعلم وأحكم وأسلم، بقبولهم كل ما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، من أخبار اليوم الآخر وغيره فآمنوا به علما وعملا.
المطلب الثاني مذهب طوائف أهل الكلام في اليوم الآخر
وأما طوائف أهل الكلام، وبعض المنتسبين للإسلام، فقد خلطوا في قضايا الغيبيات التي يسمونها السمعيات، فمع إيمانهم بما ورد به السمع، مع تجويز العقل له، إلا أنهم ردوا بعض قضايا الغيب التي مبناها السمع؛ لوارد الشبهة التي بنوها، والقاعدة التي أصلوها.
ولهم في هذا المقام جملة من القواعد التي كانت نصب أعينهم، حين انطلقوا يقررون عقائدهم المتعلقة باليوم الآخر والمعاد منها:
- التفريق بين الأخبار الواردة عن طريق التواتر، والأخبار الواردة عن طريق الآحاد.
- والنظر بين ما يُجوِّزه العقل، وما لا يجوزه.
- والتسلسل في الماضي والمستقبل.
- والنظر إلى مبدأ العدل والاستحقاق.
- ونتيجة القاعدة التي توصلوا إليها في إثباتهم للصانع وهي: ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
فبناء على ما أصلوه من قواعد، وبنوه من أساسات، ظنوا أنها ضمان للعقائد من الانحراف والزيغ، وقعوا في التناقض، وفي نقيض ما ظنوه فردوا النصوص وأولوها؛ بناء على هذه الأسس عندهم.
فالجهمية:
أنكرت كثيرا من أمور الآخرة، كعذاب القبر ونعيمه، والصراط، والميزان والرؤية، والنداء والمناداة. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وأما أهل الأهواء: فكان كثير من الجهمية والمعتزلة ونحوهم، يكذب بما في البرزخ من النعيم والعذاب، ولا يقر بما يكون في القبر، كما ينكرون أيضا وجود الجنة والنار، ولا يعتقدون نعيما ولا عذابا، ولا ثوابا ولا عقابا إلا عند القيامة الكبرى،
…
ومنهم من يزعم أنه يفنى بعد دخول الجنة والنار، وأنهما يفنيان كما يذكر ذلك عن الجهم بن صفوان، وزعم أبو الهذيل أن حركاتهم تفنى "
(1)
(1)
ابن تيمية: المستدرك على مجموع الفتاوى (1/ 93)، ابن حزم: الفِصل (4/ 55)، ابن القيم: الروح ص (58).
وقال إمامهم الجهم بن صفوان بفناء الجنة والنار، وكذا أبو الهذيل العلاف إلا أنه اقتصر على القول بفناء حركات أهل الجنة والنار، بناء على قولهما: إمكان وجود ما لا يتناهى من الحوادث في الماضي والمستقبل، فمنعا ذلك مطلقا، ولذا كلاهما ينفي دوام الحدوث في المستقبل، كما نفاه في الماضي.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " والتسلسل في المستقبل جائز عند جماهير المسلمين، وغيرهم من أهل الملل، وغير أهل الملل، فإن نعيم الجنة وعذاب النار دائمان، مع تجدد الحوادث فيهما، وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، فزعم أن الجنة والنار يفنيان، وأبو الهذيل العلاف زعم أن حركات أهل الجنة، والنار تنقطع، ويبقون في سكون دائم.
وذلك أنهم لما اعتقدوا أن التسلسل في الحوادث ممتنع في الماضي، والمستقبل قالوا هذا القول الذي ضللهم به أئمة الإسلام "
(1)
.
وبيَّن شيخ الإسلام أصل شبهتهما فقال: " فإن هذين أوجبا أن يكون لجنس الحوادث انتهاء، كما يجوز أن يكون لها عندهم ابتداء، وأكثر الذين وافقوهم على وجوب الابتداء، خالفوهم في الانتهاء، وقالوا لها ابتداء وليس لها انتهاء "
(2)
.
وقد حكم الإمام ابن حزم على قولهما بأنه مخالف للقرآن فقال: " وهذا خلاف القرآن، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف إجماع أهل الإسلام المتيقن "
(3)
.
فهذا القول مما أنكره السلف والأئمة على الجهمية، وعدوه من كفرهم؛ لمخالفته صريح القرآن القاضي ببقاء نعيم الجنة، قال تعالى:{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} [ص: 54]، وقال تعالى:{أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد:35]
(4)
.
(1)
ابن تيمية: منهاج السنة (1/ 146 - 310 - 351)، ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل (1/ 305 - 2/ 358 - 9/ 184).
(2)
ابن تيمية: مجموعة المسائل (5/ 169)، ابن القيم: الروح ص (348)، الأشعري: مقالات الإسلاميين ص (355).
(3)
ابن حزم: الفِصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي - القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (4/ 155).
(4)
ابن تيمية: منهاج السنة، جامعة الإمام محمد بن سعود، ط 1 - 1406 هـ (1/ 310).
وقال البغدادي في الباب الذي حكى فيه إجماعات أهل السنة: " وأكفروا أبا الهذيل بقوله بانقطاع نعيم الجنة وعذاب النار، وأكفروا من قال من الجهمية بفناء الجنة والنار "
(1)
.
فإنكار الجهم لقضايا اليوم الآخر، معلوم عند العلماء، لذا انبرو للرد عليه وبيان ضلاله، وكشف انحرافه.
وأما الخوارج والمعتزلة:
فأنكروا جملة من الغيبيات المتعلقة باليوم الآخر، فأنكروا الشفاعة للعصاة وإنما أنكرت المعتزلة الشفاعة للعصاة؛ لأنها ضد العدل والاستحقاق، فإن من أصولهم الخمسة: إنفاذ الوعيد، ومعناه عندهم:" أن فساق الملة مخلدون في النار، لا يخرجون منها بشفاعة ولا غير ذلك "
(2)
، قال الإمام ابن تيمية:" ومن أصول المعتزلة مع الخوارج: إنفاذ الوعيد في الآخرة، وأن الله تعالى لايقبل في أهل الكبائر شفاعة، ولا يخرج منهم أحد "
(3)
، " وهذا لاعتمادهم على عقولهم الفاسدة، وأخذهم بالمتشابه من القرآن، وتركهم
…
الأخبار المروية الثابتة في الصحاح "
(4)
وقد نص القاضي عبد الجبار المعتزلي، على أن الشفاعة خاصة للتائبين من المؤمنين
(5)
، وبذا هو يخالف ما عليه أهل السنة والجماعة من أن الشفاعة تكون لمذنبي أهل التوحيد، كما قال الإمام أبو عثمان الصابوني:" ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لمذنبي أهل التوحيد، ومرتكبي الكبائر كما ورد بذلك الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "
(6)
.
(1)
البغدادي: الفرق بين الفرق، دار الآفاق الجديدة - بيروت، ط 2 - 1977 م، ص (331).
(2)
ابن تيمية: الفتاوى الكبرى، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1408 هـ (5/ 85).
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ت: عبدالرحمن بن قاسم (13/ 358).
(4)
يحى العمراني: الانتصار في الرد على المعتزلة، أضواء السلف - الرياض، ط 1 - 1419 هـ (3/ 688).
(5)
القاضي عبد الجبار: شرح الأصول الخمسة ت: د. عبدالكريم عثمان، (687).
(6)
الصابوني: عقيدة السلف أصحاب الحديث، مكتبة الوادعي - اليمن، ط 1 - 1428 هـ، ص (258).
وقد نص الإمام ابن حزم على انكار المعتزلة والخوارج للشفاعة ثم قال: " وذهب أهل السنة، والأشعرية، والكرامية، وبعض الرافضة إلى القول بالشفاعة "
(1)
.
ومما خالفت فيه الخوارج والمعتزلة جمهور المسلمين فيما يتعلق باليوم الآخر القول بأن الجنة والنار لم تُخلقا بعد. وقد ذكر الإمام الشهرستاني، أن من بدع هشام بن عمرو الغوطي قوله:" أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن، إذ لا فائدة في وجودهما وهما جميعا خاليتان ممن ينتفع ويتضرر بهما. وبقيت هذه المسألة منه اعتقادا للمعتزلة "
(2)
.
وذَكر عن الجاحظ المعتزلي قوله في أهل النار: " إنهم لا يخلدون فيها عذابا بل يصيرون إلى طبيعة النار. وكان يقول: النار تجذب أهلها إلى نفسها من غير أن يدخل أحد فيها "
(3)
.
ومن بدع المعتزلة المتعلقة باليوم الآخر، إنكارهم لبعض معالم الآخرة، قال الإمام يحيى العمراني:" وعند أهل الحديث: أن الحسنات والسيئات للموحدين، توزن بميزان يوم القيامة، وأن الصراط حق، وأن حوض النبي صلى الله عليه وسلم حق. وأنكرت المعتزلة والقدرية وأهل الزيغ ذلك كله "
(4)
.
وأشار الدكتور مصطفى حلمي إلى أن من المآخذ التي " أخذها أهل السنة والجماعة على المعتزلة: ردهم للأحاديث التي لا توافق أغراضهم ومذاهبهم ويدعون أنها مخالفة للعقول، فيجب ردها، كالمنكرين لعذاب القبر والصراط، والميزان، ورؤية الله عز وجل في الآخرة "
(5)
.
(1)
ابن حزم: الفِصل، مكتبة الخانجي - القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (4/ 53).
(2)
الشهرستاني: الملل والنحل، مؤسسة الحلبي - دمشق، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (1/ 73).
(3)
الشهرستاني: الملل والنحل، مؤسسة الحلبي - دمشق، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (1/ 75).
(4)
العمراني: الانتصار، أضواء السلف - الرياض، ط 1 - 1419 هـ (3/ 720).
(5)
مصطفى حلمي: منهج علماء الحديث، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1426 هـ، ص (103).
وقد نسب التفتازاني وغيره إلى بعض المعتزلة إنكارهم للميزان والصراط
(1)
وكذا نسب جماعة من أهل العلم إنكارهم للحوض، وتأويلهم النصوص الصريحة في إثباته
(2)
.
وأنكرت المعتزلة، والإباضية من الخوارج، والرافضة، والزيدية، رؤية الله تعالى في الآخرة، فخالفوا كتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة
(3)
.
ولذا كان الواجب الإيمان بها وإجراء النصوص على ظاهرها، قال الإمام الغزالي:" تعمق جماعة، فأولوا ما ورد في الآخرة من الميزان والصراط وغيرهما، وهو بدعة؛ إذ لم ينقل ذلك بطريق الرواية، وإجراؤه على الظاهر غير محال، فيجب إجراؤه على الظاهر"
(4)
.
(1)
التفتازاني: شرح المقاصد، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 - 1422 هـ (2/ 223).
(2)
السفاريني: لوامع الأنوار (2/ 202)، الأشعري: الإبانة، ص (164)، الاسفراييني: التبصير في الدين: (66).
(3)
البغدادي: الفرق بين الفرق: ص (114)، ابن حزم: الفَصل: (3/ 7)، الشهرستاني: الملل والنحل: (1/ 45).
(4)
الغزالي: قواعد العقائد، عالم الكتب - لبنان، ط 2 - 1405 هـ، ص (129).
وأما الأشاعرة: فوافقوا أهل السنة في جملة مسائل الغيبيات، إلا أنهم صرحوا في مسألة الرؤية في الآخرة، بأن الله تعالى يُرى لكن لا إلى جهة؛ لأن من أصول الأشاعرة، نفي الجهة عن الله تعالى، فهذا إمام الحرمين الجويني يُصرح بأن إثبات الرؤية، لا يستلزم الجهة، فالله تعالى يرانا ويبصرنا، وليس هو في جهة من المرئي
(1)
، مما ألَّب عليهم المعتزلة، وأوقعهم في التناقض، لأن من لوازم الرؤية، أن يكون الرائي في جهة من المرئي
(2)
. فالأشاعرة وافقوا أهل السنة في الإيمان بأحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر والنشر والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة والنار؛ لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق صلى الله عليه وسلم، وأيدتها النصوص الشرعية
(3)
.
وأما غلاة الصوفية كابن عربي: فإنه ادعى أن أصحاب النار يتنعمون فيها كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، وأنه يسمى عذابا من عذوبة طعمه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا المذهب:" وهو مما يُعلم بالاضطرار فساده من دين الإسلام "
(4)
.
فهذه صور من أوجه انحراف الفطرة السليمة، رغم وفرة الشواهد والنصوص التي لو تأملها المتأمل، لانقاد إلى الحقيقة، وعرف الجواب عن الأسئلة التي أشغلت أذهان البعض، لم أتيت؟ وإلى أين سأذهب؟.
فلو تفكر صاحب الهذيان الذي يقول في طلاسمه: (لست أدري)
…
لاهتدى، ولو جلس مع نفسه في لحظة صفاء وتأمل لارتضى، ولكنه قال:
جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت
…
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت
وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت
…
كيف جئت؟ كيف طريقي؟ لست أدري!
(1)
أحمد عبداللطيف: منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة: ص (277).
(2)
أحمد عبداللطيف: شرح الرسالة التدمرية ص (227).
(3)
الأشعري: الإبانة: ص (49)، الشهرستاني: الملل والنحل، (1/ 102)، الآمدي: غاية المرام
…
المجلس الأعلى للشئون الاسلامية - القاهرة ت: حسن محمود (1/ 301)، الأيجي: المواقف،
…
(3/ 524)، الجهني: الموسوعة الميسرة (1/ 90).
(4)
ابن تيمية: الصفدية، (1/ 245)، ابن تيمية: مجموع الفتاوى، (2/ 242)، الأشعري: مقالات الإسلاميين، ص (355 - 395).
أجديد أم قديم أنا في هذا الوجود
…
هل أنا حرّ طليق أم أسير في قيود
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود .... أتمنّى أنّني أدري ولكن
…
لست أدري!
وطريقي، ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
…
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السّائر في الدّرب أم الدّرب يسير
…
أم كلانا وأقف والدّهر يجري؟ لست أدري!
أتراني قبلما أصبحت إنسانا سويّا
…
أتراني كنت محوا أم ترأني كنت شيّا
ألهذا اللّغز حلّ أم سيبقى أبديّا
…
لست أدري
…
ولماذا لست أدري؟
…
لست أدري!
أوراء القبر بعد الموت بعث ونشور
…
فحياة فخلود أم فناء ودثور
أكلام النّاس صدق أم كلام الناس زور
…
أصحيح أنّ بعض الناس يدري؟ .. لست أدري!
إن أكن أبعث بعد الموت جثمانا وعقلا
…
أترى أبعث بعضا أم ترى أبعث كلاّ
أترى أبعث طفلا أم ترى أبعث كهلا
…
ثمّ هل أعرف بعد الموت ذاتي؟
…
لست أدري!
أنا لا أذكر شيئا من حياتي الماضية
…
أنا لا أعرف شيئا من حياتي ألآتية
لي ذات غير أني لست لأدري ما هيه
…
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟ لست أدري!
إنّني جئت وأمضي وأنا لا أعلم
…
أنا لغز مبهم وذهابي كمجيئي طلسم
والّذي أوجد هذا اللّغز لغز مبهم
…
لا تجادل ذو الحجى من قال إنّي
…
لست أدري!
(1)
فهذه جملة من مقطوعة طويلة، ضمنها قائلها جملة من التساؤلات التي حيرته، فهي أسئلة سجلت أفكار المنحرفين الضائعين التائهين، وبينت مدى اضطرابهم وقلقهم، وولدت لديهم شقاء لا ينتهي، وعذابا لا ينقضي.
…
فهؤلاء وأمثالهم، يعيشون في جحيم لا يُطاق، ولذا فهم لا يعرفون لحياتهم معنى، ولا لأعمالهم مغزى؛ لأنهم لم يُذعنوا لداعي الفطرة، ولم يُسلموا لنصوص الشريعة.
(1)
انظر: موقع الأدب على الشبكة العنكبوتية في الإنترنت: www.adab.com
وإنك لتعجب مما تجده من فقر روحي، وخواء إيماني، في جانب ما تعيشه الحضارة الغربية والشرقية من إنجازات مادية تبهر العقول، إلا أنهم كما قال تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)} [الروم:7] ومع هذا الخواء الإيماني، أصبحوا لا يقيمون لحياتهم وزنا، فهم يعيشون في تيه، ليس لهم هم إلا قضاء شهوة، أو كسب ملذة، وربما تخلص أحدهم من حياته، وهذا منتهى الضياع.
فحين تغيب عنهم صورة الدار الآخرة، فلا يدرون ما الهدف من وجودهم؟ ولا الغاية من خلقهم؟، فلن يتورعوا عن حرام، ولن يبالوا بنظام وحينها يفشو الظلم والاعتداء.
" ومن هنا اضطر كثير ممن لا يُؤمن بالدين، ولا بالآخرة كواقع ديني، إلى أن يصرحوا بأنه لا شيء غير عقيدة الآخرة، تصلح لمراقبة الإنسان وإخضاعه لسلوك طريق الحق، والعدل والإنصاف في جميع الظروف، مثل (كانت) و (فولتير) وغيرهما "
(1)
.
فلو تفكر وتأمل من انحرفت فطرته، واجتالتها الشياطين، لوجد لأسئلته جوابا، ولاضطرابه وحيرته طريقا عدلا صوابا.
ولو حرك عقله السليم، ونظر في هذا الكون العظيم؛ لاهتدى هذا العقل واقتضى وجود يوم آخر، يحاسب فيه المحسن والمسيء، ويُميز فيه بين الظالم والمظلوم.
إن هذه الحياة الدنيا بما فيها من السعادة والألم، والشقاء والندم، والصحة والسقم، والوجود والعدم، والسرور والحزن والهم، مما كتبه الله على بني أدم لهي من أدل الشواهد، وأعلى الدلائل - لمن كان له عقل - على وجود حياة أخرى، فيها الخير والعدل، والكمال والفضل.
وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب، أن من المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية، تكذيبهم ببعض ما أخبرت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - عن اليوم الآخر.
(1)
عبدالله نعمة: الأدلة الجلية في شرح الفصول النصيرية، ص (193).
والناظر في مقالات القوم من المتقدمين والمتأخرين، الذين أصابتهم لوثة التحريف، أو التكذيب، و التأويل، يجد مدى إنكارهم لكثير من عقائد اليوم الآخر، فضلا عن سُخرية البعض الآخر من بعض هذه العقائد
(1)
. وهذا يظهر جليا في مقالات أصحاب المذهب الحداثي.
ولهذا المذهب انحراف عقائدي ظاهر جلي، تجاه هذا الركن العظيم، ولذا اختلفت أنظارهم تجاه هذا الركن، ومن مظاهر هذا الانحراف العقائدي عند الحداثيين في اليوم الآخر:
1 -
جحدهم لليوم الآخر وما وراءه، ونفي البعث، واعتبار موت الإنسان فناء لا شيء بعده.
(2)
2 -
قولهم بأبدية الدنيا، أو بعض ما فيها
(3)
.
3 -
سخريتهم واستخفافهم باليوم الآخر وما وراءه
(4)
.
(1)
انظر: السعيد: المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية، (2/ 795)، عواد العنزي: المعاد الأخروي وشبهات العلمانيين، بحث مقدم لجامعة أم القرى بمكة المكرمة، سنة 1420 هـ، غير مطبوع، ص (96 وما بعده).
(2)
سعيد الغامدي: الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (2/ 1389).
(3)
سعيد الغامدي: الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (2/ 1405).
(4)
سعيد الغامدي: الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها (2/ 1429).