الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني الحياة البرزخية:
المطلب الأول: فتنة القبر:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الواسطية:" ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت: " فيؤمنون بفتنة القبر وبعذاب القبر ونعيمه، فأما الفتنة: فإن الناس يفتنون في قبورهم فيقال للرجل: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: الله ربي والإسلام ديني ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيّي. وأما المرتاب فيقول: هاه، هاه، لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق"
(1)
.
ما قرره الإمام ابن تيمية في هذه العقيدة من فتنة القبر، هو الأمر المستقر في الشريعة، الذي انعقد عليه إجماع الأمة، ودلت عليه النصوص الشرعية ولذا فهذه الأسطر من هذه العقيدة انتظمت جملة من المسائل، تحريرها كالآتي:
المسألة الأولى: حكاية الإجماع على حصول الفتنة في القبور:
نقل الإجماع على وقوع فتنة القبر جماعة من أهل العلم:
يقول الإمام أبو الحسن الأشعري: "وأجمعوا على أن عذاب القبر حق، وأن الناس يفتنون في قبورهم بعد أن يحيون فيها ويسألون، فيثبت الله من أحب تثبيته"
(2)
.
وقد ذكر العلامة البغدادي: أن من الأصول التي اتفق عليها أهل السنة، وأجمعوا عليها: إثبات السؤال في القبر. وقال التفتازاني: "اتفق الإسلاميون على حقية سؤال منكر ونكير في القبر"
(3)
.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، ت: عبدالرحمن بن قاسم (3/ 145)
(2)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بنلمدينة النبوية، 1413 هـ، ص (159).
(3)
أحمد بن حنبل: أصول السنة: ص (30)، ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة: (1/ 242).
وقال أحمد بن القاسم للإمام أحمد: يا أبا عبد الله، تقر بمنكر ونكير، وما يروى في عذاب القبر؟ فقال: نعم، سبحان الله نقر بذلك ونقوله: قلت: هذه اللفظة (منكر ونكير) تقول هذا، أو تقول ملكين؟ قال: نقول: منكر ونكير، وهما ملكان، وعذاب القبر
(1)
.
وأشار الإمام ابن تيمية إلى أن جماعات أهل الكلام ينصرون ما ظهر من مذاهب أهل السنة، كفتنة القبر وعذابه، فقال:" وهؤلاء وأمثالهم من أهل الكلام ينصرون ما ظهر من دين الإسلام، كما ينصر ذلك المعتزلة والجهمية وغيرهم من المتكلمين، فينصرون إثبات الصانع النبوة والمعاد ونحو ذلك وينصرون مع ذلك ما ظهر من مذاهب أهل السنة والجماعة، كما ينصر ذلك الكلابية والكرامية والأشعرية ونحوهم، ينصرون أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة
…
وأن فتنة القبر حق، وعذاب القبر حق
…
وأمثال من الأقوال التي شاع أنها من أصول أهل السنة والجماعة "
(2)
.
وقال الإمام ابن عبد البر:" وأهل السنة والجماعة مصدقون بفتنة القبر وعذاب القبر، لتوافر الأخبار بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم "
(3)
.
وقد تواترت كلمة العلماء واستفاضت على إثبات فتنة القبر وسؤال الملكين:
قال الإمام المزني: " ثم هم بعد الضغطة في القبور مساءلون "
(4)
.
وقال الإمام البربهاري في بيان عقائد أهل السنة: "والإيمان بأن الميت يقعد في قبره، وترسل فيه الروح، حتى يسأله منكر ونكير عن الإيمان وشرائعه"
(5)
.
(1)
ابن أبي يعلى: طبقات الحنابلة، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (1/ 55).
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: (7/ 435)
(3)
ابن عبد البر: الاستذكار، دار الكتب العلمية - بيروت ن ط 1 1421 هـ (2/ 421).
(4)
المزني: شرح السنة، مكتبة الغرباء - السعودية، ط 1 1415 هـ، ص (80).
(5)
البربهاري: شرح السنة، مكتبة الغرباء - السعودية، ط 1 1414 هـ، ص (82).
وقال الإمام أبو عبد الله بن أبي زمنيين: "وأهل السنة يؤمنون بأن هذه الأمة تفتن في قبورها، وتسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم كيف شاء الله، ويصدقون بذلك بلا كيف"
(1)
.
وقال الإمام ابن قدامة: "وفتنة القبر حق، وسؤال منكر ونكير حق "
(2)
.
وقال الإمام الطحاوي: "ونؤمن
…
وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه"
(3)
.
وقال الإمام أبو حنيفة: "سؤال منكر ونكير حق كائن في القبر"
(4)
.
وقال الإمام النووي في شرحه لحديث عمرو بن العاص وهو في سياق الموت: فيه فوائد منها:" إثبات فتنة القبر، وسؤال الملكين، وهو مذهب أهل الحق"
(5)
.
وقال الإمام ابن بطال في شرح حديث أنس: (إذا وضع العبد في قبره):" وفيه: أن فتنة القبر حق، وهو مذهب أهل السنة"
(6)
.
والنقول عن أهل السنة في هذا الباب تطول جداً؛ لأن فتنة القبر من الأصول المتفق عليها بين أهل السنة والجماعة
(7)
.
فيجب الإيمان بها والتصديق بلا كيف، قال الإمام الغزالي:" وأنه لا يتقبل إيمان عبد حتى يؤمن بما أخبر به بعد الموت، وأوله: سؤال منكر ونكير"
(8)
.
(1)
ابن أبي زمنيين: أصول السنة، مكتبة الغرباء - السعودية، ط 1 1415 هـ، ص (150).
(2)
ابن قدامة: لمعة الاعتقاد، مزارة الأوقاف السعودية، ط 2 - 1420 هـ، ص (31).
(3)
انظر: ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (391).
(4)
أبو حنيفة: الفقه الأكبر، مكتبة الفرقان - الإمارات، ط 1 1419 هـ، ص (65).
(5)
النووي: شرح مسلم، إحياء التراث العربي - بيروت، ط 2 - 1392 هـ (2/ 139 - 5/ 85).
(6)
ابن بطال: شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد - الرياض، ط 2 - 1423 هـ (3/ 321).
(7)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: (11/ 486)
(8)
الغزالي: بداية الهداية، دار المنهاج جدة، ط 1 1425 هـ، ص (283).