الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب اختيار العنوان، وما امتازت به العقيدة الواسطية عن غيرها:
كان البحث المقترح للرسالة، هو منهج الإمام ابن القيم في بيان أحوال اليوم الآخر، وقُدّم بمسمى:" الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع على ضوء كلام الإمام ابن القيم "، ولكن أرتأت اللجنة المشرفة على البحث أن يُعدّل العنوان ليصير:" أثر الإيمان باليوم الآخر على الفرد والمجتمع كما قرره الإمام ابن تيمية في العقيدة الواسطية "، فنزلت عند رغبتهم، وأخذت برأيهم، وسرت على مشورتهم، وشعرت بتمام الارتياح لهذا التعديل؛ لأنه نابع عن اختيار أهل العلم، ومشورة أهل الفضل، الذي لهم السبق، وعليهم آثار الحكمة، قال تعالى:{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة: 269]، وهذا من باب إسداء الفضل لأهله.
فرأيت في مشورتهم خير معين لي في إتمام بحثي؛ لأن هذه العقيدة الموسومة بالواسطية امتازت على غيرها:
باختصارها ودقتها وشمولها وسلامتها وسلفيتها، وذلك:
أن هذه العقيدة الواسطية من العقائد التي ألفها شيخ الإسلام بناء على سؤال سائل فذكر فيها منهج السلف الصالح في مسائل الاعتقاد، وأصول الاستدلال ومصادر التلقي، مدعمة بدلائل الكتاب والسنة.
وكما أن الشيخ أودع فيها جملة من المسائل المحكمة البينة الواضحة:
فذكر مسألة الصفات الحسنى، وبيّن منهج السلف فيها القائم على الأخذ عن الله ورسوله، وأنهم يؤمنون بما وصف الله تعالى به نفسه الكريمة، أو وصفه به رسوله j من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل وأقام الدلائل والشواهد على ذلك.
وأفاض ـ رحمه الله تعالى ـ بذكر أدلة الصفات من نصوص الوحيين، وعقد فصلا خاصا في سنة الرسول j لبيان قبول السلف الصالح من أهل السنة والجماعة للأحاديث الواردة الثابتة في الصفات دون التفريق بين ما ثبت عن طريق التواتر، أو عن طريق الآحاد، فإنه متى ثبتت النصوص الواردة عن رسول الله j بنقل العدل الضابط، وجب الإيمان بها والعمل بمقتضاها، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية:" فالسنة تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه وتعبر عنه، وما وصف الرسول به ربه عز وجل من الأحاديث الصحاح التي تلقاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها كذلك"
(1)
ثم عرّج الشيخ إلى بيان وسطية أهل السنة والجماعة في مسائل الدين والشريعة فهم وسط:
- في باب الصفات بين أهل التعطيل والجهمية، وأهل التمثيل المشبهة.
- ووسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية.
- ووسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم.
- ووسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة وبين المرجئة والجهمية.
- ووسط في أصحاب رسول الله بين الروافض والخوارج.
وذكر الشيخ في رسالته بعض المسائل الكبار، التي جرى فيها النزاع بين السلف وبين من حاد عن منهجهم، وتنكب طريقهم، كمسألة العلو وكلام الله عز وجل، ورؤية الباري جل وعلا في الآخرة، ونحو ذلك.
ثم أشار الشيخ إلى المسائل المتعلقة باليوم الآخر مما يكون بعد الموت إلى دخول الجنة والنار، وذكر قضايا القدر، والإيمان، والواجب تجاه الصحابة رضي الله عنهم، ثم ختم رسالته بالحديث عن الأصول التي توزن بها أعمال الناس وأقوالهم الظاهرة والباطنة مما له تعلق بالدين، وبيّن المنهج السلفي العملي الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم، وهي تشمل جملة من شعب وخصال الإيمان.
وقد نهج شيخ الإسلام في رسالته هذه منهجًا بارعًا، أشار إلى جملة من هذا المنهج، في حكايته للمناظرات التي جرت له بسبب هذه العقيدة المباركة وقد أظهرت هذه المباحثات جوانب من الإمامة والديانة لهذا الإمام العلم.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (3/ 138).
وامتازت هذه الرسالة المباركة مما خطته أنامل شيخ الإسلام عن غيرها من رسائله العلمية الفائقة:
1 -
أنه قرر فيها اعتقاد السلف الصالح المبني على الكتاب والسنة وما أجمعوا عليه، وذلك أن جملة العقائد لا تؤخذ إلا عن الله تعالى وعن رسوله j وما أجمع عليه سلف الأمة.
2 -
أنها مستقاة من نصوص الوحيين، ومستقرأة لكلام السلف ومعلوم لكل منصف، أن شيخ الإسلام ابن تيمية، له علم دقيق وفهم عميق لكلام السلف، يرد فيه بعض مجمل أقوالهم إلى مفصله، مما يدل على سعة علمه واطلاعه، وبراعة فهمه وإتقانه، ودقة استنباطاته
ومع ذلك فله - رحمه الله تعالى - علم غزير، ومعرفة واسعة بأقوال المخالفين ومناهجهم، تدل على عبقرية فذة لهذا الإمام العلم، توقن حينها أن ما أوتيه محض فضل وتوفيق وتيسير من الباري جل وعلا يمتن به على من يشاء من عباده قال تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282].
3 -
وأنها رسالة كتبت بعد استقرار مقالات الطوائف في الاعتقاد، فكانت كاشفة ومبينة لمقالات المخالفين في الجملة، مع أن الشيخ لم يسهب ولم يستطرد في ذكر أوجه المخالفة، وذكر بعض الشُبَهِ وغيرها مما هو معهود في بقية رسائله، فجاءت هذه الرسالة على غير العادة في بيان الشُبَهِ وكشف زيفها. إلا أن له جملة من الألفاظ ذكرها في رسالته يحصل بها التمايز بين منهج السلف، وبين منهج من خالفهم وحاد عن طريقهم، حيث أشار إلى وسطية أهل السنة والجماعة بين مجموع الطوائف والفرق في مسائل الدين والشريعة من الصفات وأفعال الله تعالى، والوعد والوعيد، والإيمان ونحو ذلك. وكذا حين ذكر القرآن الكريم فقال: " ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه
…
"
(1)
، ففيه تعريض بالرد على الماتريدية والأشاعرة الذين يصرحون بقول مثل ذلك.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (3/ 144).
4 -
وهذه الرسالة مع كونها جمعت غالب مسائل الاعتقاد على المنهج السلفي، وشملت مسائل أصول الدين، والمسائل التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة ومن خالفهم في أصول المعتقد، إلا أن المصنف تحرز في اختيار الألفاظ الشرعية المنيفة، فلم يجاوز نصوص الشرع المطهر، خلافًا لما يذكره في كتبه الأخرى التي يخاطب فيها الطوائف بألفاظهم ولغاتهم الكلامية الفلسفية، وهذا مما أعطى تميزًا خاصًا لهذه الرسالة السلفية بحق.
فهذه النبذ التي سطرتها يراع شيخ الإسلام، تُعد جامعة من جوامع التأصيل العلمي السلفي في العقائد، ينهل منها كل منهوم يبحث عن منهج السلف في المعتقد.
وهذا لا يدل على عدم وجود غير هذه الرسالة من رسائل علماء السلف التي تبين صفاء المعتقد الحق، ولكن لما كان الحديث منصبا على ذكر ميزات هذه العقيدة، بينت أهم المواصفات التي لأجلها اعتلت القمة، فأصبح العلماء ينهلون من معينها، ويؤصلون طلاب العلم على معرفة مقاصدها، وتعلم معانيها.
وهذا يدل على براعةٍ في التصنيف، وتميّزٍ في التأليف عند شيخ الإسلام ابن تيمية.
فشيخ الإسلام ابن تيمية جدير بأن يوصف بما وصف به الأولون بأنه: " كُنَيْفٌ مُلِيء عِلمًا "، أي: وعاء، وهذا الوصف لشيخ الإسلام قد شهد به الصديق والعدو، والقريب والبعيد، وليس منبعه الغلو فيه، وإنما هي إشادة منا لذكر فضل علماء أهل السنة والجماعة، وبيان ما لهم من المآثر الجليلة، والميزات العظيمة لخدمة دين الله وشرعه، وهذا محض فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم.
وفي هذا المقام يُقال: إن هذه العقيدة جمعت بين أصالة المنهج، وقوة المأخذ، وسلامة المنبع، مع اختصار في الألفاظ لطيف، مع ما حوته من سيل جارف من الأدلة منيف. فجمعت مع قلة اللفظ، جودة المبنى، وعمق المعنى، وعرض لقضايا المعتقد بأسلوب سلس فضيل، وتسلسل منطقي جميل.
ولذا أثنى على هذه الرسالة جملة من أهل العلم، فبينوا جمال صياغتها، وقوة عبارتها، وروعة مبناها، ودقة محتواها، مع سهولة العبارة، في اختصار يغني عن الإطالة.
يقول الإمام الذهبي في معرض كلامه عن شيخ الإسلام ومحنته التي مر بها بسبب هذه العقيدة: " ثم وقع الاتفاق على أنه معتقد سلفي جيد، وبعضهم قال ذلك كرهًا "
(1)
وكذا حكى ذلك الإمام ابن رجب الحنبلي فقال: " ووقع الاتفاق بعد ذلك على أن هذه عقيدة سنية سلفية، فمنهم من قال ذلك طوعًا، ومنهم من قاله كرهًا "
(2)
.
ويقول الشيخ محمد خليل هراس عن هذه العقيدة: " من أجمع ما كُتب في عقيدة أهل السنة والجماعة، مع اختصار في اللفظ، ودقة في العبارة "
(3)
.
ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي عنها إنها: " جمعت على اختصارها ووضوحها جميع ما يجب اعتقاده من أصول الإيمان وعقائده الصحيحة " ثم ذكر أن هذه الرسالة: " واضحة المعاني محكمة المباني "
(4)
.
وذكر الشيخ محمد العثيمين في أكثر من موضع من شروحاته، ميزات هذه العقيدة فقال:" فَكَتَبَ هذه العقيدة التي تُعد زبدة لعقيدة أهل السنة والجماعة، فيما يتعلق بالأمور التي خاض الناس فيها بالبدع، وكثر فيها الكلام والقيل والقال "
(5)
ويقول: " وهو كتاب مختصر في عقيدة أهل السنة والجماعة من أحسن ما كتبه شيخ الإسلام في جمعه ووضوحه، وعدم الاستطرادات الكثيرة "
(6)
.
ويقول: " وهي عقيدة مختصرة ولكن حجمها كبير جدًا في المعنى "
(7)
.
(1)
ابن عبدالهادي: العقود الدرية ت: محمد حامد الفقي، ص (212).
(2)
ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة ت: د. عبدالرحمن العثيمين (4/ 511).
(3)
محمد هراس: شرح العقيدة الواسطية ت: علوي السقاف، ص (43).
(4)
السعدي: التنبيهات اللطيفة، ص (13).
(5)
العثيمين: شرح العقيدة الواسطية ت: سعد الصميل (1/ 20).
(6)
العثيمين: شرح رياض الصالحين (1/ 454).
(7)
العثيمين: شرح رياض الصالحين (3/ 669).