الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول التلازم والترابط بين الأركان:
أركان الإيمان ستة، ورد ذكرها، والإشارة إليها في القرآن والسنة.
ففي القرآن الكريم يقول المولى جل شأنه: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، وقال سبحانه وتعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: 285]. فذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات خمسة أركان، وأشار إلى السادس في قوله جل وعلا:
…
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر:49].
ونص الله تبارك وتعالى على هذه الأركان في موضع آخر من كتابه الكريم فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)} [النساء:136].
" فهذه هي أصول الإيمان، وهي أصول الدين، فإن الإيمان هو الدين كله وهو الإسلام، وهو الهدى، وهو البر والتقوى، وهو ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من العلم النافع، والعمل الصالح، كله يسمى إيمانا "
(1)
.
(1)
((ابن باز: محاضرة في أصول الإيمان - من موقع الشيخ الرسمي على الشبكة العنكبوتية، تحت عنوان: إملاءات الشيخ.
وهذه الأركان والأصول " كلها مترابطة ارتباطا وثيقا، يكمل كل منها الآخر ويرتبط به، بحيث لو حصل إخلال بواحد منها أو إنكار له، كان تأثيره على سائرها واضحا، بل إن هذه الأركان تتجمع وتتضامّ حول الركن الرئيسي وهو الإيمان بالله تعالى. ومن هنا تأتي أركان الإيمان كلها في سياق واحد يحقق صفة الإيمان لصاحبها "
(1)
.
والناظر يرى تنوعا في ذكر هذه الأركان في الكتاب العزيز، ففي " مواضع يذكر الإيمان بالله وحده؛ لأن جميع ما ذكر في الآيات الأخرى داخل في ضمن الإيمان بالله، وفي بعضها الإيمان بالله ورسوله، وفي بعضها الإيمان بالله واليوم الآخر فقط، وما ذاك إلا لأن البقية داخلة في ذلك، فإذا ذكر الإيمان بالله دخل فيه بقية الأشياء التي ذكرها في الآيات الأخرى، كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر "
(2)
.
فالإيمان " بهذه العقائد الست يستتبع بعضها بعضا - بمعنى أن من آمن ببعضها وكفر ولو بواحدة منها - كان كافرا بالجميع - وكثيرا ما تطلق كلمة الإيمان، أو يذكر بعض متعلقاتها اكتفاء - ويكون المراد: الإيمان بهذه الأركان كلها لتلازمها، فيقال: (آمنوا، أو آمنوا بالله واليوم الآخر، أو آمنوا بالله ورسوله، أو آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله
…
) وهكذا قد تُذكر المتعلقات كلها أو بعضها، أو لا تُذكر؛ للعلم بها "
(3)
.
(1)
عثمان ضميرية: مدخل لدراسة العقيدة، مكتبة السوادي، ط 2 - 1417 هـ، ص (391)، محمد يسري: مبادئ ومقدمات علم التوحيد، حقوق الطبع محفوظة للمؤلف، ط 2 - 1427 هـ، ص (258).
(2)
ابن باز: محاضرة أصول الإيمان، من موقع الشيخ الرسمي على الشبكة العنكبوتية، تحت عنوان: إملاءات الشيخ.
(3)
الغزالي خليل عيد: ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر - ضمن مجلة البحوث الإسلامية، العدد 8، 1403 هـ (258).
ولما كان الإيمان بالله سبحانه وتعالى هو أس هذه الأركان والأصول، ورأس هرمها والركن الركين فيها، ابتُدِأَ به. وبالإيمان به تعالى يتحقق الإيمان ببقية الأركان قال العلامة الرازي: " واعلم أنه قد دخل في الإيمان بالله، الإيمان بما أوجبه أعني الإيمان برسله. ودخل في الإيمان باليوم الآخر، جميع أحكام الآخرة.
…
فهذان القولان قد جمعا كل ما يتصل بالأديان في حال التكليف، وفي حال الآخرة من ثواب وعقاب "
(1)
.
وكثر الاقتران والتلازم بين بعض الأركان دون بعض، يقول الإمام ابن تيمية مبينا التلازم بين التوحيد، والإيمان بالرسل واليوم الآخر:" وهذا في القرآن في مواضع أخر: يبين فيها أن الرسل كلهم أمروا بالتوحيد بعبادة الله وحده لا شريك له، ونهوا عن عبادة شيء من المخلوقات سواه، أو اتخاذه إلها. ويخبر أن أهل السعادة هم أهل التوحيد، وأن المشركين هم أهل الشقاوة. وذكر هذا عن عامة الرسل، ويبين أن الذين لم يؤمنوا بالرسل مشركون. فعلم أن التوحيد والإيمان بالرسل متلازمان. وكذلك الإيمان باليوم الآخر هو والإيمان بالرسل متلازمان. فالثلاثة متلازمة "
(2)
.
وفي سؤال وجه إلى العلامة: صالح الفوزان، عن حكمة الترتيب بين أركان الإيمان؟ فأجاب: "هناك حكمة - الله أعلم - في ترتيب أركان الإيمان في الآيات والأحاديث؛ وإن كانت الواو لا تقتضي ترتيبا؛ فقد بدأت هذه الأركان بالإيمان بالله، لأن الإيمان بالله هو الأساس وما سواه من الأركان تابع له.
(1)
الرازي: التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 3 - 1420 هـ (3/ 537).
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى: (9/ 29 - 18/ 56).
ثم ذكر الإيمان بالملائكة والرسل؛ لأنهم الواسطة بين الله وخلقه في تبليغ رسالاته؛ فالملائكة تنزل بالوحي على الرسل، والرسل يبلغون ذلك للناس قال تعالى في سورة النحل:{يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2)} ثم ذكر الإيمان بالكتب؛ لأنها الحُجّة والمرجع الذي جاءت به الرُّسل، من الملائكة والنبيِّين من عند الله؛ للحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، قال تعالى:{فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} [البقرة:213]. ثم ذكر الإيمان باليوم الآخر؛ لأنه ميعاد الجزاء على الأعمال التي هي نتيجة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، أو التكذيب بذلك؛ فكان مقتضى العدالة الإلهية، إقامة هذا اليوم؛ للفصل بين الظالم والمظلوم، وإقامة العدل بين الناس ثم ذكر الإيمان بالقضاء والقدر؛ لأهميته في دفع المؤمن إلى العمل الصالح واتخاذ الأسباب النافعة، مع الاعتماد على الله سبحانه، وبيان أنه لا تناقض بين شرع الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه وبين قضائه وقدره
…
"
(1)
.
(1)
الفوزان: المنتقى من فتاوى الفوزان، مكتبة الغرباء الأثرية -المدينة (1/ 3).