الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2) الاستسلام للحكمين: الشرعي، بعدم معارضته برأي، أو شهوة والقدري: بعدم تلقيه بالسخط، والكراهة، والاعتراض
(1)
.
2 - عدم الخوف من المستقبل:
إن أكثر ما يُشعر المرء بالحزن واليأس، هو خوفه من المستقبل الأخروي قبل الدنيوي، فالخوف من المستقبل الدنيوي منوط بأسباب ومسببات وكلها بمشيئة الله تعالى، ومع سؤال الله تعالى التوفيق، والأخذ بالأسباب قد يحصل للمرء نوع أمان واطمئنان لمستقبله، إلا أنه لا يزال هذا المستقبل مشوباً بالمنغصات، فإن سلم من الفقر لم يسلم من العطب، وإن سلم من العطب لم يسلم من حوادث الدهر، فهنا يعيش المرء بين إحجام وإقبال محاط بأوهام وخيالات، ربما أهلكته قبل أن يصل إلى الحلم المنشود.
ومع تلاطم هذه الأفكار المظلمة، والأوهام المحزنة، يسطع نور الإيمان وشعاع الأمان والاطمئنان، فيضيء له الطريق، وينير له الدروب، وحين يتغلغل حب الآخرة في قلب المسلم، يسلم من كل هذه الأوهام التي أقلقته والمخاوف التي أزعجته؛ لأنه يعلم أنه بتوكله على الله تعالى، واعتماده عليه وصدق الالتجاء إليه، واحتسابه الأجر لديه، تتبدد كل هذه المخاوف والأوهام، فلا تبقى حينئذ أي مخاوف تصيب المؤمن، الذي أيقن أن الدنيا معبر للآخرة، وأن ما عند الله خير وأبقى.
إن الإيمان باليوم الآخر يورث القلب ثباتاً، والنفس طمأنينة، تمكنه من مواجهة ما يدهمه من القلق والأوهام، بل وتوطن نفسه لمدافعة هذا الألم المزعج.
أما من خلا فكر الآخرة عن قلبه، فسرعان ما تتكالب عليه المخاوف وتتمكن منه المزعجات، فتنهار قواه، وتتشتت أفكاره، ويجتمع عليه من الخوف الخارجي، والقلق الباطني، ما يفقده توازنه وصبره، خصوصاً في المحال الحرجة، والأحوال المحزنة المزعجة.
(1)
ابن القيم: مدارج السالكين، دار الكتاب العربي - بيروت، ط 3 1416 هـ (1/ 518).
ومع أن الجميع قد يشترك في جلب الشجاعة الاكتسابية، والغريزة التي تلطف المخاوف وتهونها، إلا أن المؤمن يتميز بأمور تزداد بها شجاعته وتقوى بها هيبته، وذلك بقوة إيمانه، وصبره وتوكله على الله، واعتماده عليه واحتسابه لثوابه، مما يخفف عنه وطأة الخوف، وتهون عليه المصائب ويحصل له بسببها من معونة الله تعالى ومدده، ما يبدد هذه المخاوف، ويبعثر هذه الأوهام
(1)
.
وأما مخاوف المرء من المصير الأخروي، فهو خوف محمود متى حمل صاحبه على اغتنام الحياة الدنيا، وجعلها مزرعة للآخرة، حيث يحصد فيها ما جنت يداه من خير وشر.
ومع ذلك فضمانات الأمان والاطمئنان، تسبق المسلم المستقيم على شرع الله تعالى، وتبشره بكل حسن، يقول سبحانه وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} [فصلت:30 - 31].
فما أحلاها من بشارة، وما أغلاها من مكرمة، قال زيد بن أسلم:"يبشرونه عند موته، وفي قبره، وحين يبعث".
يقول الإمام ابن كثير:" وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جداً وهو الواقع"
(2)
.
فحين تشعر النفس بهذه الضمانات، فستهرع لما يوجبها، ويحقق مقصودها، وهي ثمرة أخرى من ثمرات الإيمان باليوم الآخر من الناحية النفسية وتتمثل في:
(1)
مقتبس من رسالة الشيخ عبد الرحمن السعدي، الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، الجامعة الإسلامية ط 2 - ، 1409 هـ (16).
(2)
ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: ت: سامي سلامة (7/ 177).