الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبه يقوم العدل مقام الظلم، والإحسان مقام الإجرام، والرحمة مقام القسوة، والإنصاف مقام الإجحاف، والأمانة مقام الخيانة، والإنفاق مقام الإقتار، والبر مقام الضر، والتعاون مقام التواكل، والتناصر مقام التناحر والتواضع مقام الكبر، والجود مقام البخل، وحسن الظن مقام سوء الظن وحسن الأخلاق مقام سوء الأخلاق، والحلم مقام الغضب، والحياء مقام انعدامه، والصبر مقام التسخط، والرضا مقام الجزع، والرفق مقام الشدة والعفة مقام الرذيلة، والعزة مقام الخنوع والضعف، والعفو مقام الانتقام والقناعة مقام الطمع، والمحبة مقام البغض، والستر مقام الفضيحة، وصفاء القلب مقام الغل والحقد والحسد، والرجولة مقام الخنوثة، والصدق مقام الكذب. إن الثراء المعرفي يمتد في إيجابياته إلى ما لا نهاية؛ لأنه قائم على بناء الأخلاق، وتشييد الآداب، ولذا فأفراده لا تنحصر، والعاقبة في الآخرة لمن صبر وظفر
المطلب الثاني أثر الإيمان باليوم الآخر على الفرد من الناحية التعبدية
استشعار اليوم الآخر، له أثر كبير في حياة الفرد، ومن آثاره الإيجابية من الناحية التعبدية ما يلي:
1 - الإخلاص لله تعالى:
فمن علم أنه موقوف بين يدي الله تعالى، ومسؤول ومحاسب، هانت عليه الدنيا، وما عليها، وما فيها، وكان هذا داعياً للإخلاص؛ لأن المرء إنما يرائي لدنيا يحصلها، أو سمعة يؤمل فيها، وكلها لا تغني من الله تعالى شيئاً.
فأثر الإيمان باليوم الآخر على الفرد في إخلاصه، يظهر في تعبده وتعامله، فلا يرائي أحداً في عبادة؛ لأنه يعلم أن الله قد أمر بالإخلاص فيها فقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة:5].
فيظهر أثر الإخلاص في صلاته، وزكاته، وصومه، وحجه، وسمته وخلقه، وفي جميع تعاملاته، فيؤدي ما اؤتمن عليه على أكمل وجه؛ لأن هذا مقتضى الإخلاص، الذي يدعو صاحبه إلى الأمانة والنزاهة. فالإخلاص هو حقيقة الإسلام، يقول شيخ الإسلام:" وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره"
(1)
.
ولما كان الإخلاص من أجل أعمال القلوب، وأعلاها منزلة ومقاماً، به تزكو النفس ولا تستغني عنه، أوجبه الله تعالى في كتابه، ولذا قال الإمام عبد الله بن أبي جمرة:" وددت أنه لو كان من الفقهاء، من ليس له شغل، إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد إلى التدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع النيات"
(2)
، وكانت تقول رقية الموصلية العابدة:" تفقهوا في مذاهب الإخلاص، ولا تفقهوا فيما يؤديكم إلى الركوب على القلاص"
(3)
.
وقد ذكر أرباب المعارف، أن الإخلاص أصل كل حال، فعنه يتشعب اليقين والخوف، والمحبة والإجلال، والحياء والتعظيم، وهذه كلها معانٍ قلبية لا تكون إلا لله جل وعلا، فمن هنا لا يسمى المخلص مخلصاً، حتى يفرد الله عز وجل عن الأشباه والأنداد، والصاحبة والولد، ثم إقامة التوحيد، وجمع الهم له وبه، في النفل والفرض
(4)
، ولذا قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في وصيته:" والزم الإخلاص في جميع أفعالك، وطاعتك وتصرفاتك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} [البينة:5] "
(5)
.
(1)
ابن تيمية: أمراض القلوب وشفاؤها، المطبعة السلفية - القاهرة، ط 2 - 1399 هـ، ص (41)
(2)
ابن الحاج: المدخل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 1 1415 هـ، (1/ 6)
(3)
ابن الجوزي: صفة الصفوة، دار الحديث - القاهرة، 1421 هـ (2/ 358)
(4)
الحارث المحاسبي: رسالة المسترشدين، مكتب المطبوعات الإسلامية ص (170 - 175).
(5)
أبو عبد الرحمن السلمي: الوصية، مكتبة الصحابة - طنطا: ص (44).
والإخلاص لا يحصل إلى بعد الزهد، ولا زهد إلا بتقوى، والتقوى متابعة الأمر والنهي
(1)
، ولذا كان الإخلاص عزيزاً، قال بعضهم:"في إخلاص ساعة نجاة الأبد، ولكن الإخلاص عزيز "
(2)
.
والإخلاص مضاد لمحبة المدح والثناء، وقد سئل بعض العارفين عن الإخلاص، فقال: الخالص من الأعمال: ما لا يحب أن يحمد عليه إلا لله عز وجل
(3)
، وقال الإمام العز بن عبد السلام:" الإخلاص أن يريد الله بطاعته ولا يريد به سواه "
(4)
.
ولذا كان من دواعي التزام الإخلاص:" علمه بأن الله تعالى يعلم السر والجهر، وأنه يعلم ما هو أخفى من السر، يعلم مكنونات الضمائر وما تخفي الصدور، وأن السر والجهر عنده عز وجل سواء
…
، علمه بأن الناس ليس لهم من الأمر شيء، ولا يستطيعون النفع والضر إلا بإذن الله تعالى .. ، علمه بأن الإنسان سيواجه جزاءه ولا بد، وأنه سيحاسب على حقيقة أعماله، لا على دعواه، ولا بما أظهره "
(5)
.
ومن هنا قال الإمام ابن القيم:" لا يجتمع الإخلاص في القلب، ومحبة المدح والثناء، والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع أولاً فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء، فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع، والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص"
(6)
.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (1/ 94).
(2)
الغزالي: إحياء علوم الدين، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (4/ 378).
(3)
ابن عساكر: تاريخ دمشق، دار الفكر، 1415 هـ، (66/ 155).
(4)
ابن عبد السلام: مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل، دار الفكر - دمشق ص (54).
(5)
الرحيلي: طريقك إلى الإخلاص والفقه في الدين، دار الأندلس الخضراء ص (33).
(6)
ابن القيم: الفوائد، دار الكتب العلمية -بيروت، ط 2 - 1393 هـ، ص (149).