الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: معنى (اليوم الآخر):
اليوم الآخر له مرادان:
1 -
إما أن يراد به: الوقت الذي لا حد له، و هو الأبد الدائم الذي لا يتقطع
2 -
و إما أن يراد به: الوقت المحدود المعهود.
و المراد باليوم الآخر: يوم القيامة، و هو اليوم الذي لا آخر له؛ لتأخره عن أيام الدنيا، و اختلف العلماء في منتهى اليوم الآخر بعد اتفاقهم على مبتداه:"فمبدؤه من النفخة الثانية وهي نفخة البعث باتفاق"
(1)
؛ يقول العلامة أبو محمد القصري رحمه الله: "وأوله النفخة الثانية في الصور"
(2)
، و لذا قال العلامة أبو السعود رحمه الله:" الدنيا تنتهي عند النفخة الأولى "
(3)
.
فمبدؤ اليوم الآخر: من النفخة الثانية التي يقوم فيها الناس لرب العالمين.
ومما يبين هذا المقام أن المولى سبحانه وتعالى قال في محكم التنزيل: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)} [النبأ:17]، أي ميقاتًا "للبعث الذي هم فيه مختلفون "
(4)
.
قال العلامة البيضاوي رحمه الله: "إن يوم الفصل كان في علم الله، أو في حكمه ميقاتًا، حدًا تؤقت به الدنيا و تنتهي عنده "
(5)
؛ قال العلامة الشهاب رحمه الله في حاشيته: "إذ هو أول أيام الآخرة، وهو يوم القضاء بين الخلق أو يوم الثواب و العقاب، و هو اليوم الآخر الذي يجب الإيمان به "
(6)
.
(1)
الدسوقي: حاشية الدسوقي على أم البراهين (349)، ابن غنام: العقد الثمين ص (58)، الرديعان: عقيدة الأشاعرة (474)، شهاب الدين الخفاجي: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (1/ 306)، النسفي: مدارك التنزيل (1/ 47)، البقاعي: نظم الدرر، (1/ 30).
(2)
((القصري: شعب الإيمان، ص (590).
(3)
أبو السعود: إرشاد العقل السليم (9/ 88).
(4)
الشنقيطي: أضواء البيان (8/ 408).
(5)
البيضاوي: أنوار التنزيل (5/ 279).
(6)
شهاب الدين الخفاجي: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (8/ 304).
وهذا المعنى هو أحد معاني هذه الآية الكريمة، ومن معانيها ما ذكره العلامة أبو السعود في تفسيره وعقب عليه فقال:"وقيل: حدًا تؤقت به الدنيا و تنتهي عنده، أو حدا للخلائق ينتهون فيه. ولا ريب في أنهما بمعزل من التقريب الذي أشير إليه، على أن الدنيا تنتهي عند النفخة الأولى "
(1)
ورجح في المعنى العام للآية أن " يوم فصل الله عز وجل بين الخلائق، كان في علمه و تقديره ميقاتا وميعادا لبعث الأولين والآخرين، وما يترتب عليه من الجزاء ثوابا وعقابا، لا يكاد يتخطاه بالتقدم و التأخر"
(2)
.
ومما يُنبه إليه في هذا المقام أن المولى عز وجل اتبع الآية السابقة بقوله تعالى:
…
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)} [النبأ 17 - 18]
فذكر أهل الإعراب أن هذه الآية تعرب بدلا أو بيانا ليوم الفصل.
ومما يترتب عليه ما قاله العلامة الشهاب رحمه الله في حاشيته: " فإن نَفخَ الصور، واتصال الأرواح بالأجساد، و الحشر في الآخرة (أي: تكون في الآخرة)، فظهر فساد ما قيل: من أنه نهاية أيام الدنيا وآخر مخلوقاته؛ لأنه لا يخلق بعده شيء منها، ولذا يقال له: اليوم الآخر"
(3)
.
وهو كأنما يُعَرِّض بالقائلين: إن اليوم الآخر هو آخر أيام الدنيا، قال العلامة الحليمي رحمه الله: "فاليوم الآخر هو آخر أيام الحياة الدنيا؛ فإذا نفخ في الصور، وصعق من في الأرض فلم يبق منهم أحد، فيومهم الذي انقضت فيه حياتهم، هو يومهم الآخر.
وإذا نفخ في الصور نفخة الأحياء فبعثوا، فذلك يوم القيامة "
(4)
.
(1)
أبو السعود: إرشاد العقل السليم، (9/ 88).
(2)
أبو السعود: إرشاد العقل (9/ 88).
(3)
((شهاب الدين الخفاجي: حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (8/ 304)، الزجاج: معاني القرآن (5/ 272)، الرازي: مفاتيح الغيب (12/ 31)
(4)
((الحليمي: مختصر شعب الإيمان، اختصره: علي الشربجي، و محيي الدين نجيب (76)
وقال العلامة الطوفي رحمه الله: "وأما اليوم الآخر فأوله ساعة الموت إلى المحشر ثم إلى الأبد إما في نعيم مخلد، وإما في في عذاب شديد "
(1)
وهنا يمكن أن يقال جمعا بين ما قيل: إن بداية اليوم الآخر لكل إنسان بحسبه، فالقيامة والساعة منها خاصة و عامة؛ دلت عليها النصوص الشرعية المنيفة قال جل وعلا:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} [الأعراف: 187]، وهذه الساعة يراد بها الساعة الأخيرة من ساعات الدنيا؛ لقوله سبحانه:{لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} [لأعراف: 187]. وأما قوله جل وعلا:
…
{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 63] فهي الساعة الأولى من ساعات الآخرة حيث يبعث من في القبور
(2)
.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "وقد ذكر الله سبحانه وتعالى هاتين القيامتين، وهما الصغرى والكبرى في سورة المؤمنين، وسورة الواقعة وسورة القيامة، وسورة المطففين، وسورة الفجر، وغيرها من السور"
(3)
فالقيامة الخاصة: هي موت كل إنسان بحسبه، فمن مات فقد قامت قيامته، ومن شواهده ما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ «
(4)
(1)
الطوفي: شرح الأربعين النووية (170).
(2)
الحليمي: مختصر شعب الإيمان، اختصره: علي الشربجي، و محيي الدين نجيب ص (67)
(3)
ابن القيم: الروح ص (74).
(4)
أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في ذكر الموت ح (2308)، و قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام بن يوسف. وحسن إسناده المنذري في الترغيب والترهيب، (4/ 276) وحسنه الألباني في المشكاة (5512).
وفي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان رجال من الأعراب يأتون النبي صلى الله عليه وسلم -فيسألونه عن الساعة، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: «إنْ يَعِشْ هَذَا لا يُدْرِكْهُ الهَرَمُ، حتَّى تقُومَ عَليْكُمْ سَاعتُكم «
(1)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "و المراد انخرام قرنهم ودخولهم في عالم الآخرة فإن كل من مات فقد دخل في حكم الآخرة، فبعض الناس يقول: من مات فقد قامت قيامته، وهذا الكلام بهذا المعنى صحيح "
(2)
.
ومما يؤكد هذا المعنى قول الإمام ابن القيم رحمه الله: "إن الموت معاد وبعث أول، فإن الله تعالى جعل لابن آدم معادين وبعثين، يجزي فيهما الذين أساؤوا بما عملوا، ويجزي الذين آمنوا بالحسنى، فالبعث الأول مفارقة الروح للبدن ومصيرها إلى دار الجزاء الأول "
(3)
ومما ذُكر يتبين أن القيامة صغرى و كبرى، ولكن مدلول اليوم الآخر في القرآن الكريم و السنة النبوية المطهرة تدلان على المعنى المتبادر إلى الذهن وهو يوم القيامة يوم الحساب و الجزاء، و لذا قال العلامة الحليمي رحمه الله:"وما بينهما لا من الدنيا و لا من الآخرة، و هو البرزخ"
(4)
.
وبعد هذا البيان يرد تساؤل حول المفهوم العام لليوم الآخر:
هل هو خاص بما ذكرناه و أشرنا إليه: من أنه يبدأ من النفخة الثانية، إلى الاستقرار في الجنة أو النار ، أو هو شامل لما قبل ذلك مما يكون بعد الموت من أحداث؟!
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقائق ح (6511)، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن ح
…
(2952).
(2)
ابن كثير: النهاية في الفتن و الملاحم (1/ 28).
(3)
ابن القيم: الروح ص (74).
(4)
الحليمي: مختصر شعب الإيمان، اختصره: علي الشربجي، و محيي الدين نجيب ص (76)
قرّر الإمام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية المعنى الثاني ، وهو أن الإيمان باليوم الآخر يشمل ما بعد الموت فقال: " ومن الإيمان باليوم الآخر: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم -مما يكون بعد الموت ، فيؤمنون بفتنة الموت وبعذاب القبر ونعيمه
…
ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم ، وإما عذاب إلى أن تقوم القيامة الكبرى ، فتعاد الأرواح إلى الأجساد ، وتقوم القيامة التي أخبر الله بها في كتابه ، وعلى لسان رسوله ، وأجمع عليها المسلمون "
(1)
ويفيد كلام الإمام ابن تيمية رحمه الله أن ما بعد الموت من أحداث داخل في مسمى الإيمان باليوم الآخر. قال العلامة العيني رحمه الله في بيان شعب الإيمان: " السابعة: الإيمان باليوم الآخر ، ويدخل فيه السؤال بالقبر وعذابه والبعث والنشور، والحساب، والميزان، والصراط"
(2)
" وعلى هذا فالمراد باليوم الآخر أمران:
الأول: فناء هذه العوالم كلها ، وانتهاء هذه الحياة بكاملها
الثاني: إقبال الحياة الآخرة وابتداؤها "
(3)
منتهى اليوم الآخر: وأما منتهى اليوم الآخر فقد اختلف العلماء فيه على قولين:
الأول: أنه لا آخر له ، فاليوم الآخر يبتدئ من النفخة الأولى، إلى ما لا نهاية له قال العلامة الباجوري رحمه الله:" يبدأ من وقت الحشر، إلى ما لا يتناهى على الصحيح "
(4)
الثاني: آخره استقرار الخلق في الدارين ، قال العلامة أبو محمد القصري رحمه الله:" وآخره الاستقرار في الجنة والنار "
(5)
، وقال العلامة ابن غنام رحمه الله:" ورجح بعض العلماء: أن مبدأها من النفخة الثانية إلى استقرار الخلق في الدارين "
(6)
،
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (3/ 145).
(2)
العيني: عمدة القاري، (1/ 128).
(3)
غالب عواجي: الحياة الآخرة (1/ 47).
(4)
الدسوقي: حاشية الدسوقي على أم البراهين، ص (329)،الرديعان: عقيدة الأشاعرة ص (474).
(5)
القصري: شعب الإيمان ت: سيد كسروي ص (590)
(6)
ابن غنام: العقد الثمين ص (58).