الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الإمام المتولي: "عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير حق ثابت، والدليل عليه: أن العذاب والفتن في القبر ليس مما يستحيل عقلاً، وورد به السمع، فلا بد من إثباته "
(1)
. وعذاب القبر يمكن في نفسه
(2)
، ولو كان يستحيل ما تعوذ منه عليه الصلاة والسلام
(3)
، ولا يمتنع في العقل أن يعيد الله تعالى الحياة في جزء من الجسد ويعذبه، وإذا لم يمنعه العقل وورد به الشرع، وجب قبوله
(4)
.
المسألة الرابعة المنكرون لعذاب القبر
المنكرون لعذاب القبر أصناف متفاوتون، فمنهم من ينكره مطلقاً، ومنهم من ينكر وقوعه على البدن، ومنهم من ينكر وقوعه على الروح، ومنهم من قال بوقوعه على الكافرين دون المؤمنين.
1 -
المنكرون لعذاب القبر ونعيمه مطلقاً:
ونسب هذا القول إلى ملاحدة الفلاسفة والخوارج والجهمية أتباع الجهم بن صفوان، وبعض المعتزلة وبعض المرجئة.
يقول الإمام القرطبي:" أنكرت الملاحدة ومن تمذهب من الإسلاميين بمذهب الفلاسفة: عذاب القبر، وأنه ليس له حقيقة"
(5)
. ويقول الإمام أبو الحسن الأشعري:"واختلفوا في عذاب القبر: فمنهم من نفاه، ومنهم المعتزلة والخوارج"
(6)
.
وقال العلامة الملطي:" وأنكر جهم عذاب القبر ومنكراً ونكيراً، وقال: أليس يقول: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) "
(7)
.
(1)
المتولي: الغنية في أصول الدين، المعهد الفرنسى للآثار الشرقيه، 1986 - القاهرة، ص (56)
(2)
الغزالي: قواعد: ص (220)، الآمدي: غاية المرام: (1/ 301)
(3)
ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث: ص (389)، ابن بطال: شرح صحيح البخاري: (3/ 364)
(4)
العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط 1 1424 هـ (3/ 306).
(5)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (139)
(6)
أبو الحسن الأشعري: مقالات الإسلاميين: ص (2/ 318)، أبو الحسن الأشعري، الإبانة ص (247)
(7)
الملطي: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع: ص (124 - 99)
وقال الإمام ابن حزم:" ذهب ضرار بن عمرو الغطفاني، أحد شيوخ المعتزلة، إلى إنكار عذاب القبر، وهو قول من لقينا من الخوارج"
(1)
.
ويقول الإمام العراقي:" وقد خالف في ذلك الخوارج ومعظم المعتزلة وبعض المرجئة، ونفوا ذلك"، وقال الإمام ابن القيم:"وأنكر جماعة منهم عذاب القبر رأساً، مثل: ضرار بن عمرو، ويحيى بن كامل، وهو قول المريسي"
(2)
.
وقال الإمام ابن الملقن:" وأما الباقون من المعتزلة مثل: ضرار بن عمرو وبشر المريسي ويحيى بن أبي كامل وغيرهم، فإنهم أنكروا عذاب القبر أصلاً. وإلى الإنكار أيضاً ذهبت الخوارج وبعض المرجئة "
(3)
.
إن القول بإنكار عذاب القبر مشهور عن جماعة، منهم من ذكرنا، إلا أنه يشار في هذا المقام إلى أن نسبة الإنكار إلى عموم المعتزلة، فيه نظر، فإن القاضي عبد الجبار المعتزلي قال:" إنما أنكر ذلك أولاً: ضرار بن عمرو، ولما كان من أصحاب واصل، ظُن ذلك مما أنكرته المعتزلة، وليس الأمر كذلك
…
بل المعتزلة رجلان: أحدهما: يجوّز ذلك كما وردت به الأخبار، والثاني: يقطع بذلك، وأكثر شيوخنا يقطعون بذلك "
(4)
.
وأكد ذلك جماعة من أهل العلم، فقال الإمام ابن حزم:" وذهب أهل السنة وبشر بن المعتمر والجبائي وسائر المعتزلة إلى القول به، وبه نقول؛ لصحة الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"
(5)
.
(1)
ابن حزم: الفِصل: (4/ 56)، الرازي: اعتقاد فرق المسلمين: (69).
(2)
العراقي: طرح التثريب: (3/ 30)، ابن القيم: الروح:، ص (58).
(3)
ابن الملقن: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، دار العاصمة – الرياض، ط 1 1421 هـ (1/ 516).
(4)
ابن الملقن: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، دار العاصمة – الرياض، ط 1 1421 هـ (1/ 516).
(5)
ابن حزم: الفِصل، مكتبة الخانجي – القاهرة، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (4/ 56).
وقد وقع إنكار شديد على المعتزلة، بناء على ماسُطر، على أنهم تتابعوا على القول بإنكاره، والحق ما ذكره علمائهم، وأيده علماء أهل السنة، يقول الحافظ ابن حجر بعد حكاية أقوال المنكرين لعذاب القبر:" وخالفهم في ذلك أكثر المعتزلة وجميع أهل السنة وغيرهم "
(1)
.
ولذا حكى العلامة ابن حجر الهيثمي: أنه وقع لسني أنه صلى على معتزلي فقال في دعائه: اللهم أذقه عذاب القبر، فإن كان لا يؤمن به، ويبالغ في نفسه ويُخطئ مثبته
(2)
.
فهذا وأمثاله مبني على ما سبق الإشارة إليه، من تعميم بأن الإنكار لعذاب القبر هو منهج المعتزلة، ومن هنا قال العلامة مغلطاي بعد أن أشار إلى نسبة القول بالإنكار إلى عموم المعتزلة:" كذا رأيت جماعة من العلماء ذكروا عند كلامهم على هذا الحديث وشبهه، ويشبه أن يكون ذلك وهماً منهم على المعتزلة، لما ذكره القاضي عبد الجبار له عن المعتزلة".
وقال العلامة التفتازاني:" وإنما نسب إلى المعتزلة وهم براء منه؛ لمخالطة ضرار إياهم، وتبعه قوم من السفهاء المعاندين للحق"
(3)
.
2 -
المنكرون لوقوع عذاب القبر على البدن:
وهؤلاء ذهبوا إلى أن عذاب القبر يقع على النفس فقط، بناء على أنه ليس في البرزخ عذاب ولا نعيم، وهو المنقول عن ابن ميسرة وابن حزم
(4)
.
ويقول الإمام ابن تيمية:" وهذا تقوله الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم، الذين يقولون: لا يكون ذلك في البرزخ، وإنما يكون عند القيام من القبور "
(5)
.
(1)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ (3/ 233).
(2)
العظيم آبادي: عون المعبود، دار الكتب العلمية - بيروت، ط 2 - 1415 هـ (3/ 193).
(3)
مغلطاي: شرح سنن ابن ماجه (1/ 159)، التفتازاني: شرح المقاصد (2/ 220).
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (5/ 525)
(5)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 283)
وهذا القول باطل، فقد ورد في الأحاديث الصحيحة وقوع العذاب على الجسد، "ومما يدل على وقوع العذاب على الأجساد، الأحاديث الكثيرة في تضييق القبر على الميت، حتى تختلف أضلاعه، ولأنه لو كان العذاب على الروح خاصة، لم يختص العذاب بالقبر، ولم ينسب إليه"
(1)
.
3 -
المنكرون لوقوع عذاب القبر على الروح:
وهؤلاء ذهبوا إلى أن عذاب القبر يقع على البدن فقط، كأنه ليس عنده نفس تفارق البدن، وهو قول طائفة من المعتزلة والأشعرية
(2)
. وهذا قول باطل "والحق أن الميت المعذب في قبره توضع فيه الحياة بقدر ما يحس بالألم"
(3)
.
وذهب جماعة إلى جواز التعذيب على الموتى من غير إحياء؛ لأنها ليست شرطاً للإدراك، وهو المنقول عن الصالحي من المعتزلة، وابن جرير الطبري وطائفة من الكرامية، وقاله طائفة من أهل الحديث، وذكره ابن الزاغوني، وهذا القول خروج عن المعقول؛ لأن الجماد لا حس له، فكيف يتصور تعذيب.
وذهب ابن الراوندي إلى أن الحياة موجودة في كل ميت، لأن الموت ليس ضدا للحياة، بل هو آفة كليه معجزة عن الأفعال الاختيارية، غير منافية للعلم. وهذا باطل لا يوافق أصول أهل الحق
(4)
.
4 -
المنكرون لوقوعه على المؤمنين:
وذهب أصحاب هذا القول إلى وقوع عذاب القبر على الكافرين خاصة دون المؤمنين، وهو المنقول عن أبي علي الجبائي وابنه أبي هاشم والبلخي
(5)
وذكر الإمام ابن قتيبة الأخبار الواردة في عذاب القبر، ثم قال:"وهذه الأخبار تدل على أن عذاب القبر للكافر"
(6)
.
(1)
ابن رجب: تفسير ابن رجب، دار العاصمة، ط 1 1422 هـ (2/ 104)
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى (4/ 262)
(3)
الكمال ابن الهمام: فتح القدير، دار الفكر - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (5/ 193).
(4)
الإيجي:: (3/ 519)، التفتازاني: شرح المقاصد: (2/ 222)، ابن الملقن: الإعلام: (1/ 518).
(5)
العيني: عمدة القارئ: (3/ 118)، ابن حجر: فتح الباري: (3/ 233)، ابن القيم: الروح (58).
(6)
ابن قتيبة: تأويل مختلف الحديث، المكتب الإسلامي، ط 2 - 1419 هـ، ص (362)
وقال بعض المعتزلة: إن الله تعالى يعذب الموتى في قبورهم، ويحدث فيهم الآلام وهم لا يشعرون، فإذا حشروا وجدوا تلك الآلام، كالسكران والمغشي عليه، لو ضربوا لم يجدوا ألماً، فإذا عاد إليهم عقلهم وجدوا تلك الآلام
(1)
.
وكل هذه الأقوال فاسدة، تردها الأحاديث الصحيحة الثابتة، والذي عليه جماعات أهل السنة ما يلي:
1 -
إثبات عذاب القبر ونعيمه على الروح والجسد، يقول العلامة ابن حجر الهيتمي في جواب عن سؤال مفاده: هل عذاب القبر على الروح والجسد أم على أحدهما؟
فأجاب بقوله:" ذهب أهل السنة إلى أن الله يحيي المكلف في قبره، ويجعل له من العقل مثل ما عاش عليه، ليعقل ما يُسأل عنه، ويجيب عنه، وما يفهم به ما أتاه من ربه، وما أعد له في قبره من كرامة وهوان، وبهذا نطقت الأخبار والأصح: أن العذاب على الروح والجسد"
(2)
.
والأحاديث على إثبات هذا متضافرة، يقول الإمام ابن تيمية:" وهذا الباب فيه من الأحاديث والآثار ما يضيق هذا الوقت من استقصائه، مما يبيّن أن الأبدان التي في القبور تنعم وتعذب - إذا شاء الله ذلك - كما يشاء، وأن الأرواح باقية بعد مفارقة البدن، ومنعمة أو معذبة "
(3)
.
وهذا القول هو الذي أجمع عليه أهل السنة، يقول الإمام ابن تيمية:"العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً، باتفاق أهل السنة والجماعة"
(4)
.
2 -
أن العذاب قد يكون على النفس متفردة أحياناً، يقول الإمام ابن تيمية:" تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعين، كما يكون للروح منفردة عن البدن"
(5)
.
(1)
ابن الملقن:: (1/ 518)، العيني: عمدة القاري: (3/ 118)
(2)
ابن حجر الهيثمي: الفتاوى الفقهية: (2/ 9).
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف (4/ 296)
(4)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف:(4/ 282)
(5)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف:(4/ 282)
ويقول الإمام ابن رجب: "وقولهم: إن الأرواح عند الله تعالى تعاقب وتثاب، لا ينافي أن تتصل بالبدن أحياناً، فيحصل بذلك إلى الجسد نعيم أو عذاب، وقد تستقل الروح أحياناً بالنعيم والعذاب إما عند استحالة الجسد أو قبل ذلك"
(1)
.
3 -
أن عذاب القبر ليس مختصاً بالكافرين، بل يقع على عصاة الموحدين كذلك، يقول الإمام عبد الحق الإشبيلي:"واعلم أن عذاب القبر ليس مختصاً بالكافرين، ولا موقوفاً على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين وكل على حاله من عمله، وما ستوجبه بخطيئته وزلَلَه "
(2)
.
ويقول الحافظ ابن حجر:" إثبات عذاب القبر وأنه واقع على الكفار ومن شاء الله من الموحدين "
(3)
.
وقد ذكر الإمام ابن رجب أنواع عذاب القبر، وذكر منها: تضييق القبر على الميت حتى تختلف فيه أضلاعه ثم قال:" وقد ورد ما يدل عل أن التضييق عام للمؤمن والكافر، وصرّح بذلك طائفة من العلماء منهم ابن بطة وغيره "
(4)
.
ومن أنواع عذاب القبر التي أوردها الإمام ابن رجب ودلل عليها غير ما سبق
(5)
:
- الضرب إما بمطراق من حديد أو غيره.
- تسليط الحيات والعقارب عليه.
- رض رأس الميت بحجر، أو شق شدقه أو نحو ذلك.
4 -
أن كل من مات وهو مستحق للعذاب ناله نصيبه منه، قبر أو لم يقبر.
فلوا أكتله السباع أو أحرق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب
…
أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور
(6)
.
(1)
ابن رجب: تفسير ابن رجب، دار العاصمة، ط 1 1422 هـ (2/ 103)
(2)
ابن رجب: تفسير ابن رجب، دار العاصمة، ط 1 1422 هـ (2/ 370)
(3)
ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة – بيروت، 1379 هـ (3/ 240)
(4)
ابن رجب: تفسير ابن رجب، دار العاصمة، ط 1 1422 هـ (2/ 370)
(5)
ابن رجب: تفسير ابن رجب: (2/ 364 - 374)، ابن رجب: أهوال القبور:، (52 – 56)
(6)
ابن القيم: الروح: ص (58 - 71)، ابن أبي العز: شرح الطحاوية: ص (396).
يقول الإمام النووي:" قال أصحابنا: ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه، كما نشاهد في العادة أو أكلته السباع، أو حيتان البحر، أو نحو ذلك، فكما أن الله تعالى يعيده للحشر، وهو سبحانه قادر على ذلك فكذا يعيد الحياة إلى جزء منه أو أجزاء، وإن أكلته السباع والحيتان "
(1)
.
5 -
ذكر بعض أهل العلم: أن عذاب القبر نوعان: دائم ومنقطع:
فالدائم: عذاب الكفار، وبعض العصاة، والمنقطع: هو عذاب من خفت جرائمه من العصاة، فإنه يعذب بحسب جريمته ثم يرفع عنه، وقد يرفع عنه بدعاء أو صدقة أو نحو ذلك
(2)
.
وقد يكون عذاب القبر سببا موجبا لرفع العقوبة الأخروية، يقول الإمام ابن تيمية:" قد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب: السبب الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما يكفر به الخطايا"
(3)
.
وقال العلامة ابن أبي العز:" فإن فاعل السيئات يسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب، عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة: السبب الخامس: عذاب القبر"
(4)
.
6 -
تتبع العلماء واستقرؤوا النصوص الواردة في عذاب القبر، وذكروا الأسباب التي يعذب بها أصحابها وهي كثير ومنها: أ. النميمة والبول وترجم لها الإمام البيهقي في جزء: "إثبات عذاب القبر"
(5)
.
(1)
النووي: شرح: (17/ 201)، العراقي: طرح التثريب: (3/ 306)، السيوطي: شرح الصدور ص (181).
(2)
ابن القيم: الروح: ص (89)، السيوطي: شرح الصدور: ص (181)، ابن أبي العز: شرح الطحاوية: ص (397).
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، الملك فهد لطباعة المصحف الشريف:، (7/ 501)
(4)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (309).
(5)
البيهقي: إثبات عذاب القبر، دار الفرقان - الأردن، ط 2 - 1405 هـ، (86).
وذكر حديث الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -على قبرين فقال: «أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ»
(1)
، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ»
(2)
.
ب. النياحة على الميت، وترجم لها الإمام البيهقي بقوله:" باب ما يخاف من عذاب القبر في النياحة على الميت، قال بعض أهل العلم: إذا كان قد أوصى بها "
(3)
.
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«المَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ»
(4)
.
ج. الغلول من الغنيمة، وترجم لها الإمام البيهقي بقوله:"باب ما يخاف من عذاب القبر في الغلول"
(5)
:
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله ح (216) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه ح (292).
(2)
أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة وسننها، باب التشديد في البول ح (348).
(3)
البيهقي: إثبات عذاب القبر، دار الفرقان - الأردن، ط 2 - 1405 هـ، (91).
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت ح (1292).
(5)
البيهقي: إثبات عذاب القبر، دار الفرقان - الأردن، ط 2 - 1405 هـ، (92).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، في قصة الرجل الذي أخذ الشملة من الغنيمة، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«شِرَاكٌ - أَوْ شِرَاكَانِ - مِنْ نَارٍ»
(1)
.
فهذه الأسباب وغيرها كثير، هي من الأسباب المفصلة التي يعذب هاب أصحابها في القبور.
وأما الأسباب المجملة التي تكون سبباً في العذاب هو: الجهل بالله جل وعلا، وإضاعة أمره، وارتكاب معاصيه، إذ إن عذاب القبر وعذاب الآخرة أثر غضب الله تعالى وسخطه على عبده، فمن أغضب الله جل وعلا وأسخطه في هذه الدار ثم لم يتب ومات على ذلك، كان له من عذاب البرزخ بقدر غضب الله تعالى وسخطه عليه، فمستقل ومستكثر ومصدق ومكذب
(2)
.
قال الإمام القرطبي:" قال علماؤنا: لا أبين في أحوال المعذبين في قبورهم من حديث البخاري، وإن كان مناماً، فمنامات الأنبياء عليهم السلام وحي "
(3)
.
7 -
وكذا تتبع العلماء واستقصوا الأسباب التي تنجي من عذاب القبر وهي أسباب كثيرة وردت في السنة المطهرة ومنها:
أ- الشهادة في سبيل الله، وترجم لها الإمام البيهقي بقوله:" ما يرجى في
…
الشهادة في سبيل الله من الأمن من عذاب الله في القبر "
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر ح (4234)، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم الغلول ح (115.
(2)
ابن القيم:: ص (77)، ابن رجب: أهوال القبور: ص (48)، القرطبي: التذكرة:، ص (154).
(3)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (157).
(4)
البيهقي: إثبات عذاب القبر، دار الفرقان - الأردن، ط 2 - 1405 هـ، (97).
عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»
(1)
.
ب - الرباط في سبيل الله تعالى، وترجم لها الإمام البيهقي بقوله:" باب ما يُرجى في الرباط من الأمان من فتنة القبر"
(2)
. عن سلمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ»
(3)
.
3 -
قراءة سورة الملك، وترجم لها الإمام البيهقي بقوله:" باب ما يرجى في قراءة سورة الملك من المنع من عذاب القبر "
(4)
.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ»
(5)
.
(1)
أخرجه الترمذي في جامعه أبواب فضائل الجهاد، باب في ثواب الشهيد ح (1663).
(2)
البيهقي: إثبات عذاب القبر، دار الفرقان - الأردن، ط 2 - 1405 هـ، (96).
(3)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل ح (1913) ي.
(4)
البيهقي: إثبات عذاب القبر، دار الفرقان - الأردن، ط 2 - 1405 هـ، (99).
(5)
أخرجه الترمذي في جامعه، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل سورة الملك ح (2891)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن (5/ 164) مكتبة البابي - مصر، ط 2 - 1395 هـ.