الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة: صفات الميزان:
الميزان في القيامة من مسائل الغيب التي لا تثبت إلا بالدلائل الشرعية فميزان القيامة حق لا شك فيه، دلت عليه نصوص الوحيين، نؤمن به دون كيفية، يقول الإمام ابن حزم:" الموازين حق، توزن فيها أعمال العباد، نؤمن بها ولا ندري كيف هي؟ "
(1)
. ويقول الإمام ابن تيمية:" وأما كيفية تلك الموازين، فهو منزلة كيفية سائر ما أخبرنا به من الغيب"
(2)
.
وهل ثبت في الآثار الصحيحة شيء من صفات الميزان؟
- أما ما يتعلق بصفات الميزان فالثابت منه:
أ. ما ورد في السنة الشريفة المطهرة من أن الميزان له كفتان، توضع فيهما الحسنات والسيئات ودليله:
(3)
.
(1)
ابن حزم: المحلى، دار الفكر - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتاريخها (1/ 36)
(2)
ابن تيمية: المسائل والأجوبة، دار الفاروق الحديثة - مصر، ط 1 1425 هـ، ص (111)
(3)
أخرجه الترمذي أبواب صفة الجنة، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله ح (2639).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «رأيت آنفاً كأني أعطيت المقاليد والموازين، فأما المقاليد فهي المفاتيح فوضعت في كفة، ووضعت أمتي في كفة، فرجحت لهم، ثم جيء بأبي بكر فرجح بهم، ثم جيء بعمر فرجح بهم، ثم جيء بعثمان فرجح بهم، ثم رفعت، فقال له رجل: فأين نحن؟ قال: أنت حيث جعلتم أنفسكم»
(1)
.
واستدل بهذا الحديث جماعة من الأئمة، منهم الإمام الآجري في الشريعة
(2)
.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»
(3)
.
وجاء في الرواية الأخرى التصريح بكفة الميزان وفيها: «فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا فِيهِمَا لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، كَانَتْ أَرْجَحَ»
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد في المسند ح (5469)، مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ (9/ 338)
(2)
الآجري: الشريعة، دار الوطن - الرياض، ط 2 - 1420 هـ (3/ 1340)
(3)
أخرجه أحمد في المسند ح (6583)، مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ (11/ 150)
(4)
أخرجه أحمد في المسند ح (7101)، مؤسسة الرسالة، ط 1 1421 هـ (11/ 671).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال:«يا رَبِّ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ وَأَدْعُوكَ بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: يَا رَبِّ كُلُّ عِبَادِكَ، يَقُولُ هَذَا، قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبُّ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تُخُصُّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى لَوْ كَانَ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَعَامِرُهُنَّ غَيْرِي، وَالْأَرَضِينَ السَّبْعُ فِي كِفَّةٍ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
(1)
.
قال الإمام محمد بن عبد الوهاب في مسائل كتاب التوحيد، في باب فضل التوحيد وما يكفره من الذنوب:" المسألة التاسعة عشرة: معرفة أن الميزان له كفتان"
(2)
.
فهذه الأحاديث صريحة في إثبات الكفات للميزان، وكما دلت عليه السنة دل عليه كلام أئمة السلف رضي الله عنهم:
عن سلمان رضي الله عنه، قال:(يوضع الصراط يوم القيامة وله حد كحد الموسى، قال، ويوضع الميزان ولو وضعت في كفته السماوات والأرض وما فيهن لوسعتهم، فتقول الملائكة: ربنا لمن تزن بهذا؟ فيقول: لمن شئت من خلقي، فيقولون: ربنا ما عبدناك حق عبادتك)
(3)
.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان"، وكذا ذكر عن عبد الله بن سلام
(4)
.
وعن عبد الملك بن أبي سليمان قال: ذُكر الميزان عند الحسن فقال: له لسان وكفتان
(5)
.
واستفاضت نقولات العلماء في إثبات ما دلت عليه هذه الأحاديث والآثار:
(1)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، باب أفضل الذكر وأفضل الدعاء ح (10602).
(2)
عبد الله الدويش: التوضيح المفيد لمسائل كتاب التوحيد، دار العليان، 1411 هـ، ص (38)
(3)
الآجري: الشريعة، دار الوطن - الرياض، ط 2 - 1420 هـ (3/ 1328).
(4)
القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط 1 1415 هـ، ص (724).
(5)
اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة، دار طيبة - السعودية، ط 8 1423 هـ (6/ 1245).
قال الإمام الزجاج:" فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كفتان، من حيث ينقل أهل الثقة، فينبغي أن يقبل ذلك "
(1)
.
وقال الإمام ابن بطال: "أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان"
(2)
.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري في حكاية إجماعات أهل السنة: "وأن كفة السيئات تهوي إلى جهنم، وأن كفة الحسنات تهوي عند زيادتها على الجنة"
(3)
…
وقال الإمام البربهاري عن الميزان:" له كفتان ولسان"
(4)
.
وقال الإمامان أبو حاتم وأبو زرعة:" أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً، فكان من مذهبهم
…
والميزان حق، له كفتان توزن فيه أعمال العباد، حسنها وسيئها حق "
(5)
.
وقال العلامة ابن أبي العز: "والذي دلت عليه السنة أن ميزان الأعمال له كفتان حسيتان مشاهدتان "
(6)
.
وقال العلامة العيني: "قال أهل السنة: إنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين"
(7)
0).
وقال العلامة ابن علان:" وفي كيفيته أقوال: الأصح أنه جسم محسوس ذو لسان وكفتين"
(8)
.
وقال العلامة السفاريني: "قال علماؤنا كغيرهم: نؤمن بأن الميزان الذي توزن به الحسنات والسيئات حق، قالوا: وله لسان وكفتان توزن به صحائف الأعمال"
(9)
.
(1)
الزجاج: معاني القرآن، عالم الكتب - بيروت، ط 1 1408 هـ، ص (2/ 319).
(2)
ابن بطال: شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد - الرياض، ط 2 - 1423 هـ (10/ 559).
(3)
الأشعري: رسالة إلى أهل الثغر، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، ص (161)
(4)
البربهاري: شرح السنة، مكتبة الغرباء - السعودية، ط 1 1414 هـ، ص (42)
(5)
اللالكائي: شرح أصول اعتقاد أهل السنة، دار طيبة - السعودية، ط 8 1423 هـ (1/ 197)
(6)
ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1418 هـ، ص (417)
(7)
العيني: عمدة القاري، دار إحياء التراث العربي - بيروت (25/ 202).
(8)
ابن علان: دليل الفالحين، دار المعرفة - بيروت، ط 4 1425 هـ (7/ 205)
(9)
السفاريني: لوامع الأنوار، مكتبة الخافقين - دمشق، ط 2 - 1402 هـ (2/ 184)
وقد خالف البعض فيما ورد من صفات الميزان:
وممن خالف في ذلك: الإمام ابن حزم، فقال:"ولم يأت عنه عليه السلام شيء يصح في صفة الميزان، ولو صحّ عنه عليه السلام، لقلنا به "، ثم رد على من يثبت أن للميزان كفتين، فقال:" وأما من قال بما لا يدري في قياسه، إذ في موازين الدنيا مالا كفة له كالقرطسون"
(1)
.
وكذا قال العلامة محمد رشيد رضا: "إذا لم يكن في الصحيحين ولا في كتب السنن المعتمدة حديث صحيح مرفوع في صفة الميزان، ولا في أن له كفتين ولساناً، فلا نغتر بقول الزجاج: إن هذا مما أجمع عليه أهل السنة"
(2)
.
وما ذكره الإمامان غير مسلّم، وهو مبني على عدم ورود النصوص في إثبات صفات الميزان ومنه الكفتان، وفيما سبق ذكره ونقله، دلالة ظاهرة على إثبات الكفتين للميزان، قال العلامة النفراوي عن الميزان:" وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر، وانعقد عليه إجماع أهل الحق، وأنه ميزان حسي، له كفتان ولسان"
(3)
.
وقد ذكر الإمام الغزالي في عقيدته الإيمان بالميزان، فقال:" وأن يؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان"، وهو الوارد عن عمرو بن دينار
(4)
.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتي الميزان، ويوكل به ملك فإن ثقل ميزانه، نادى الملك بصوته يُسمِع الخلائق: سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن خف ميزانه نادى الملك بصوته يُسمِع الخلائق: شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبداً)
(5)
.
(1)
ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء، مكتبة الخانجي - القاهرة (4/ 54).
(2)
محمد رشيد رضا: تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990 م، (8/ 286)
(3)
النفراوي: الفواكه الدواني، دار الفكر - بيروت، 1415 هـ، (1/ 88)
(4)
الغزالي: بداية الهداية ص (284) الطبري: جامع البيان ت: أحمد محمد شاكر، ص (12/ 311)
(5)
الحارث المحاسبي: التوهم في وصف أحوال الآخرة، مكتب التراث - حلب، ص (23)
وذكر أهل التفسير عن داود عليه السلام، أنه سأل ربه أن يريه الميزان فأراه فلما رآه غُشي عليه ثم أفاق، فقال: يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال: يا داود، إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة
(1)
.
(ب) اللسان: هل ثبت في صفات الميزان أن له لسان؟
لم يثبت في السنة المطهرة ما يدل على أن للميزان لسان، لكن ورد عن جماعة من السلف، وذكره بعض أهل العلم في عقائدهم.
وهو الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن الحسن البصري، وقد سبق النقل عنهما.
قال الإمام ابن بطال: "وأن الميزان له لسان وكفتان"
(2)
.
وقال الإمام ابن قدامة:" والميزان له كفتان ولسان توزن به الأعمال"
(3)
.
وقال الإمام البربهاري:" والإيمان بالميزان يوم القيامة، يوزن فيه الخير والشر، له كفتان ولسان"
(4)
.
وقال العلامة علي المنوفي:" والصحيح الذي عليه السلف، أنه ميزان حسي له كفتان ولسان"
(5)
.
وقال العلامة النفراوي:" وأنه ميزان حسي، له كفتان ولسان"
(6)
.
وقال العلامة محمد صديق خان:" والميزان له كفتان ولسان "
(7)
.
وقال العلامة العثيمين:" والقول الصحيح أنه حسي، له كفتان، وله لسان توزن به الأعمال الصالحة والسيئة"
(8)
.
(1)
الثعلبي: الكشف والبيان (6/ 277)، الزمخشري: الكشاف (3/ 120)، البغوي: معالم التنزيل،
…
(3/ 290)، ابن الجوزي: زاد المسير (2/ 103).
(2)
ابن بطال: شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد - الرياض، ط 2 - 1423 هـ (1/ 559).
(3)
ابن قدامة: لمعة الإعتقاد، وزارة الأوقاف السعودية، ط 2 - 1420 هـ، ص (32).
(4)
البربهاري: شرح السنة، مكتبة الغرباء - السعودية، ط 1 1414 هـ، ص (42).
(5)
المنوفي: كفاية الطالب الرباني، دار الفكر - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (1/ 92).
(6)
النفراوي: الفواكه الدواني، دار الفكر - بيروت، 1415 هـ، (1/ 88)
(7)
محمد صديق: قطف الثمر، وزارة الأوقاف السعودية، ط 1 1421 هـ، ص (126).
(8)
العثيمين: شرح الأربعين النووية، دار الثريا للنشر، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (231).
وقال العلامة صالح الفوزان:" فالأعمال توزن بميزان حقيقي، له لسان وكفتان "
(1)
.
إلا أن الشيخ الغنيمان يقول فيما يتعلق بالكفتين واللسان للميزان:" ولغة العرب: الميزان يطلق فيها على ما يكون له الكفتان اللتان يوزن بهما، فيوضع في جانب منه شيء، وفي الجانب الآخر شيء آخر، ثم هل نصف الميزان بأن له لسان؟ والجواب: لا يلزم؛ لأنه إذا جاء النص بذلك لزم، وإذا لم يأت فأمور الآخرة لا تقاس على أمور الدنيا، وأحوال الآخرة وما يقيمه الله جل وعلا لعباده، لا يقاس بما نتعارف عليه في الدنيا حتى يأتي النص"
(2)
.
ولكن وروده عن بعض الصحابة وغيرهم، يدل على ثبوته، ولذا يقول العلامة البرديسي:"وانعقد الإجماع على أنه ميزان حسي، له كفتان ولسان"
…
ويقول الإمام ابن جزي:"ومذهب أهل السنة أن الميزان يوم القيامة حقيقة له كفتان ولسان وعمود توزن فيه الأعمال "
(3)
(ج) هل ثبت في الآثار غير هذين الوصفين من صفات الميزان؟
لم يرد في ا لسنة المطهرة والآثار المنيفة شيء يثبت غير هذين الوصفين، وإنما نص بعض العلماء على بعض أوصاف الميزان التي ينبغي التوقف في إثباتها لأنها تحتاج إلى دلائل صحيحة تثبتها، ومن هذه الصفات:
- أن كفتي الميزان من ذهب
(4)
.
- وله خيوط وعمود وساقان
(5)
.
- وأن كفة الحسنات من نور، وكفة السيئات من ظلام.
(1)
الفوزان: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، دار ابن الجوزي، ط 4 1420 هـ، (290).
(2)
الغنيمان: شرح فتح المجيد: شرح للشيخ في أشرطه كاست شريط رقم: (15).
(3)
انظر: عواجي: الحياة الآخرة: (3/ 1107)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (11/ 293) ابن جزي: التسهيل لعلوم التنزيل: (23/ 23)، السمعاني: تفسير القرآن: (3/ 383)
(4)
ابن حزم: الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي -:(4/ 54)
(5)
القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (11/ 293)، الرازي: مفاتيح الغيب: (22/ 149)، التفتازاني: شرح المقاصد: (2/ 223)