الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مخافة ربي والحياء يعفني
…
وأكرم بعلي أن تنال مراتبه
ولكنني أخشى رقيباً موكلا
…
بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه
فسأل عمر نساء: كم تصبر المرأة عن الرجل؟ فقلن: شهرين، وفي الثالث يقل الصبر، وفي الرابع ينفد الصبر، فكتب إلى أمراء الأجناد: ألا تحبسوا رجلاً عن امرأته أكثر من أربعة أشهر
(1)
.
وعن عبد الله بن دينار قال: خرجت مع ابن عمر رضي الله عنهما إلى مكة فعرسنا، فانحدر علينا راع من جبل، فقال له ابن عمر: أراع؟ قال: نعم قال: بعني شاة من الغنم؟ قال: إني مملوك، قال: قل لسيدك أكلها الذئب قال: فأين الله عز وجل؟ قال ابن عمر: فأين الله، ثم بكى، ثم اشتراه بعد فأعتقه
(2)
.
فمن أعظم ثمرات الإيمان باليوم الآخر، شعور المرء بمراقبة الله عز وجل فلولا خوف الصالحين من مغبة الوقوع في المعصية في الآخرة، لربما تجرؤوا عليها، ولكن حجبهم عنها خوف الله تعالى ومراقبته، وأنه سبحانه مطلع عليهم، عليم بأعمالهم، بصير بحركاتهم، سميع بما تكنه صدورهم، يخافون من مغبة ذلك اليوم، كما قال تعالى على لسان نبيه:{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)} [الأنعام:15].
9 - سبب لصلاح القلب:
هذه المضغة الصافية التي خلقها الله عز وجل، قابلة لملئها بالخير أو الشر إلا أنها لمكامن الخير أكثر استعداداً، وأشد قبولاً، فمتى قوي في القلب وازع الآخرة، وشاهد القيامة، امتلأ هذا القلب بما فيه صلاحه، من محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم -ومحبة المؤمنين، ونزع عنه كل ما يشينه، من سيئ الأخلاق ورديء الآداب.
(1)
محب الدين الطبري: الرياض النضرة في مناقب العشرة، دار الكتب العلمية - (2/ 392)
(2)
الذهبي: سير أعلام النبلاء، دار الحديث - القاهرة، 1427 هـ، (4/ 310).
والشريعة جاءت بالحض والتأكيد على صلاح القلب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
…
(1)
. يقول الإمام النووي:" وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في صلاح القلب، وحمايته من الفساد"
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الإيمان ح (52)، وأخرجه مسلم، كتاب الطلاق ح (1599).
(2)
النووي: شرح مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 2 - 1392 هـ (11/ 29).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على الحديث:" فبيّن أن صلاح القلب مستلزم لصلاح الجسد، فإذا كان الجسد غير صالح، دل على أن القلب غير صالح، والقلب المؤمن صالح"
(1)
، فمتى رُمت صلاح القلب
…
مع سوء القصد والعمل، فقد رمت الممتنع، فالعمل " له أثر في القلب، من نفع، وضر، وصلاح، قبل أثره في الخارج، فصلاحها عدل لها، وفسادها ظلم لها"
(2)
. وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته
(3)
، قال تعالى:{أَوَمَنْ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} [الأنعام:122]. يقول الإمام ابن تيمية:" وأصل صلاح القلب، صلاح إرادته ونيته، فإن لم يصلح ذلك، لم يصلح القلب"
(4)
. وقد ذكر الله جل وعلا في قوله: {أَوَمَنْ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا} أصلين بهما صلاح القلب، يقول الإمام ابن القيم:" إن صلاح القلب، وسعادته، وفلاحه، موقوف على هذين الأصلين"
(5)
.
(1)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (14/ 121)
(2)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (10/ 98).
(3)
ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (10/ 100).
(4)
ابن تيمية: الاستقامة، جامعة الإمام محمد بن سعود - المدينة النبوية، ط 1 1403 هـ (2/ 34).
(5)
ابن القيم: إغاثة اللهفان، مكتبة المعارف - الرياض، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (1/ 22).
وهذان الأصلان هما: الحياة والنور، "فبالحياة تكون قوته، وسمعه وبصره، وحياؤه، وعفته، وشجاعته، وصبره، وسائر أخلاقه الفاضلة
…
ومحبته للحسن، وبغضه للقبيح، فكلما قويت حياته، قويت فيه هذه الصفات وإذا ضعفت حياته، ضعفت فيه هذه الصفات
…
وإذا قوي نوره وإشراقه انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه، فاستبان حسن الحسن بنوره، وأثره بحياته، وكذلك قبح القبيح"
(1)
.
فصلاح القلب هدف وغاية، فإن "المقصود بالأعمال كلها، ظاهرها وباطنها؛ إنما هو صلاح القلب وكماله، وقيامه بالعبودية بين يدي ربه وقيومه
…
وإلهه"
(2)
.
"وفي القلب بروج، وهي برج الإيمان، وبرج المعرفة، وبرج العقل، وبرج اليقين، وبرج الإسلام، وبرج الإحسان، وبرج التوكل، وبرج الخوف وبرج الرجاء، وبرج المحبة، وبرج الشوق، وبرج الوله، فهذه اثنا عشر برجاً بها دوام صلاح القلب"
(3)
. وكذا من موجبات صلاح القلب:
- قراءة القرآن بالتدبر، والتفكر فيه.
- إطعام المسكين، ومسح رأس اليتيم.
- قيام الليل وإحياؤه بالعبادة.
- التضرع عند السحر.
- مجالسة الصالحين.
- ترك الخوض مع الناس فيما لا يعني.
- أكل الحلال، ومحاسبة النفس.
يقول أبو عثمان الحيري:" صلاح القلب في أربعة خصال: في التواضع لله والفقر إلى الله، والخوف من الله، والرجاء في الله"
(4)
.
فالإيمان باليوم الآخر له أثره على قلب الفرد، فإنه يوجب صلاح القلب وسعادته، وذلك بغرس القيم، وتأله القلب لله تعالى، ويوجب تطهيره من دنس الأعمال الرذيلة، والعقائد الفاسدة، والظنون السيئة الخبيثة والعواطف الشهوانية الفاسدة المنحرفة، ومن جملة المعاصي والسيئات، فيعيش المرء هادئ البال، مطمئناً سعيداً.
(1)
ابن القيم: إغاثة اللهفان، مكتبة المعارف - الرياض، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (1/ 20).
(2)
ابن القيم: بدائع الفوائد، دار الكتاب العربي - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (3/ 192).
(3)
الخلوتي: روح البيان، دار الفكر - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (6/ 237).
(4)
الأصفهاني: سير السلف الصالحين، دار الراية - الرياض:، ص (1119).