الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه له الحمد كله وإليه يرجع الأمر كله، خلق الخلق فأحصاهم عددًا، إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدًا، لقد أحصاهم وعدهم عدًا وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا.
له الحمد سبحانه خلق فسوّى، وقدّر فهدى، له الآخرة والأولى، جعل الأولى دار ممر، والآخرة دار مقر، {خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}
…
[الملك: 2]، وفضّل سبحانه وتعالى الآخرة على الأولى فقال:{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)} [الضحى: 4]، وجعلها خيرًا للمتقين فقال:{وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (169)} [الأعراف 169]، وجعل سبحانه وتعالى الحياة الحقيقية في الدار الآخرة فقال:{وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)}
…
(1)
[العنكبوت 64]
(1)
يقول الإمام ابن القيم: " ويحتمل قوله: " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " معنيين:
أحدهما: أن الحياة الآخرة هي الحياة؛ لأنها لا تنغيص فيها ولا نفاذ لها، أي: لا يشوبها ما يشوب الحياة في هذه الدار، فيكون الحيوان مصدرًا على هذا.
الثاني: أن يكون المعنى أنها التي لا تفنى ولا تنقطع ولا تبيد، كما يفنى الأحياء في هذه الدنيا، فهي أحق بهذا الاسم من الحيوان الذي يفنى ويموت ". ابن القيم: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، ص (80)
وقال الأمام القرطبي: " قال بعضهم: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها، وأنشد:
تروح لنا الدنيا بغير الذي غدت
…
وتحدث من بعد الأمور أمور
وتجري الليالي باجتماع وفرقة
…
وتطلع فيها أنجم وثغور
فمن ظن أن الدهر باق سروره
…
فذاك محال لا يدوم سرور
عفا الله عمن صَيّر الهمَّ واحدًا
…
وأيقن أن الدائرات تدور
قلت: وهذا كله في أمور الدنيا من المال الجاه والملبس الزائد على الضروري الذي به قوام العيش، والقوى على الطاعة، وأما ما كان منها لله فهو من الآخرة، وهو الذي يبقى " القرطبي: الجامع الأحكام القرآن (13/ 361).
قال مجاهد: " لا موت فيها "
(1)
وقال قتادة: " هي الحياة"
(2)
وقال الزجاج: " هي دار الحياة الدائمة"
(3)
وقال الكرماني: " أي الحياة التي لا غاية لأمدها ولا نهاية لأبدها"
(4)
.
والدار الآخرة كما يقول ابن زيد: " دار حياة لأهل النار وأهل الجنة، ليس فيها موت لأحد الفريقين"
(5)
، لكن الله عز وجل أكرم عباده المؤمنين الطائعين القائمين بحقه، والملتزمين بشرعه، الحياة السعيدة الطيبة، قال سبحانه وتعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل 97].
" قال ابن عباس رضي الله عنهما " الحياة الطيبة: السعادة، وقال مجاهد: يحييهم حياة طيبة في الآخرة، وقال ابن زيد: الحياة الطيبة في الآخرة هي الجنة ألا تراه يقول: {يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)} [الفجر:24] قال: هذه آخرته"
(6)
سبحانه جل وعلا في ابتداء الآية إلى الحياة الدنيا فقال: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت:64] والإشارة بهذه ازدراء للدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا؟ وهي لا تزن عند الله جناح بعوضة، أي: ما هي في سرعة زوالها عن أهلها، وموتهم عنها، إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون"
(7)
.
(1)
2) مجاهد: تفسير مجاهد ص (537).
(2)
3) عبدالرزاق: تفسير عبدالرزاق ص (12)
(3)
4) الزجاج: معاني القرآن وإعرابه ص (4/ 173).
(4)
5) الكرماني: غرائب التفسير ص (1/ 197).
(5)
6) الطبري: تفسير الطبري ت: أحمد محمد شاكر ص (17/ 291).
(6)
7) الطبري: تفسير الطبري ت: أحمد محمد شاكر ص (17/ 291).
(7)
أبو حيان: البحر المحيط ت: صدقي جميل ص (8/ 366).