الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يُميطُ الأذى عن الطَّريقِ صدقَةٌ"(13).
26 - بابُ الغُرْفَةِ والعِلِّيَّةِ المُشْرِفَةِ وغيرِ المُشْرِفَةِ في السُّطوحِ وغيرها
1131 -
عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لم أزَلْ حريصاً على (وفي روايةٍ: لَبِثْتُ سنةً وأنا أريدُ 7/ 46) أن أسألَ عمرَ رضي الله عنه عن المرأتينِ من أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللتينِ قالَ الله لهُما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ، [فما أستطيع أن أسألَهُ هيْبَةً لهُ (وفي روايةٍ: فلم أجد لهُ موضعاً 6/ 71)، حتى خَرَج حاجّاً 6/ 69]، فحَجَجْتُ معهُ، [فلما رجعتُ وكُنَّا ببعضِ الطريقِ] (وفي روايةٍ: بِظهرانَ)، فعَدَلَ [إلى الأراكِ لحاجةٍ له]، وعدلْتُ معهُ بالإِداوَةِ، فتبرَّزَ [فوقفت له] حتى جاءَ، [فقال: أدْرِكْني بالوَضوءِ]، فسكَبْتُ على يديْهِ مِن الإِداوَةِ، فتوَضَّأَ [ورأيتُ موضعاً]، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ! مَن المرأتانِ مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّتانِ قالَ لهما: {إنْ تَتوبا إلى اللهِ} ، فقالَ [ابنُ عباسٍ: فما أتْمَمْتُ كلامي حتى قالَ]:
واعجَبي لكَ يا ابنَ عباسٍ! [تلكَ] عائشةُ وحفصَةُ. [قالَ: فقلتُ: واللهِ إنْ كنتُ لأريدُ أن أسألكَ عن هذا منذُ سنةٍ، فما أستطيعُ هيبةً لك. قالَ: فلا تَفْعَلْ. ما ظنَنْتَ أنَّ عندي مِن علمٍ فاسْألْني، فإنْ كانَ لي علمٌ؛ خبَّرْتُك به، قالَ: ثم قالَ عمرُ:
واللُهِ إنْ كُنَّا في الجاهليةِ ما نَعُدُّ للنساءِ أمراً حتى أنزلَ الله فيهنَّ ما أنزَلَ، وقسمَ لهُنَّ ما قسم]، (وفي روايةٍ: فلما جاءَ الإِسلام، وذكرهنَّ الله، رأينا لهن بذلك علينا
(13) هو على حد قوله: "تسمع بالمُعَيْديّ".
حقاً من غير أن نُدْخِلَهُنَّ في شيءٍ مِن أمورِنا)، ثم استقبلَ عُمَرُ الحديثَ يسوقُهُ، فقالَ:
إني كنتُ وجارٌ لي مِن الأنصارِ صلى الله عليه وسلم بني أميَّةَ بنِ زيدٍ - وهي (14) مِن عوالي المدينة- وكنَّا نتناوَبُ النزولَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فينزلُ هو يوماً، وأنْزِلُ يوماً، فإذا نزلتُ جئتُهُ مِن خبرِ ذلك اليومِ من الأمرِ (وفي روايةٍ: الوحي 1/ 31) وغيرِه، وإذا نزَلَ فعَلَ مثلَهُ، وكُنَّا- معشرَ قُريشٍ- نغلِبُ النساءَ، فلمَّا قَدِمنا على الأنصارِ إذا هم قومٌ تغلِبُهُم نِساؤهُم، فطَفِقَ نساؤنا يأخُذْنَ مِن أدبِ نساءِ الأنصارِ، [قالَ: فبينا أنا في أمرٍ أتأمَّرُه إذ قالتْ امرأتي: لو صنعتَ كذا وكذا] قالَ:] فصِحْتُ على امرأتي، فراجَعَتْني، فأنْكَرْتُ أن تُراجِعَني، [فقلتُ لها: ما لكِ ولما ها هنا، فيما تَكَلُّفُكِ في أمرٍ أريدُه؟!]، فقالت: ولم تُنْكِرُ أنْ أراجِعَكَ؟! فواللهِ إنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليُراجِعْنَهُ، وإنَّ إحداهُنَّ لَتَهجُرُهُ اليومَ حتى الليلِ (وفي روايةٍ: فقالت لي عجباً لك يا ابن الخطابِ! ما تُريد أن تراجعَ أنت، وإن ابنَتَك لتراجِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حتى يظلَّ يومَهُ غضبانَ!)، فأفزَعَني، فقلتُ [لها: قد 6/ 148] خابَتْ مَن فَعَلَ منهنَّ بعظيمٍ، ثم جمعْتُ عليَّ ثيابي، فدَخَلْتُ على حفصةَ، فقلتُ: أتغاضِبُ إحداكُنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اليومَ حتى الليلِ؟ فقالت: نعم. فقلتُ: خابَتْ وخَسِرَتْ. أفتأمَنُ (وفي روايةٍ: خِبْتِ وخسِرْتِ، أفَتَأمَنينَ) أنْ يغضَبَ الله لغَضَبِ رسولهِ صلى الله عليه وسلم فَتَهْلِكينَ؟! لا تستكثري على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولا تُراجِعيهِ في شيءٍ، ولا تهجُريهِ، واسأليني ما بدا لكِ، ولا يَغُرَّنَّكِ أَنْ كانت جارَتُك هي أوضَأُ منكِ وأحبُّ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،
(14) أي: أمكنتهم.
(وفي روايةٍ: هذه التي أعجَبها حُسنُها حِبُّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم 6/ 155) - يُريدُ عائشةَ-[ثم خرجتُ حتى دخلتُ على أمِّ سلمة لقرابتي منها، فكلمتُها، فقالت أمُّ سلمة:
عجباً لك يا ابنَ الخطاب! دخَلْتَ في كلِّ شيءٍ حتى تبتغي أن تدخُلَ بين رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأزواجِهِ؟! فأخذتني واللُهِ أخذاً كَسَرَتْني عن بعض ما كنتُ أجِدُ، فخرجتُ من عندها].
[وكانَ مَن حولَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد استقام له، فلم يبق إلا مَلِكُ غسان بالشامِ، كُنَّا نخافُ أن يأتينا]، وكُنَّا تَحَدَّثْنا أنَّ غسانَ تُنْعِلُ النِّعالَ لغزونا [فقد امتلأت صدورنا منه]، فنزلَ صاحبي [الأنصاري] يومَ نَوْبتِهِ، فرجَعَ عشاءً، فضربَ بابي ضرباً شديداً، وقال: أنائِمٌ (وفي روايةٍ: أثَمَّ) هُو؟ ففزعْتُ، فخرجتُ إليهِ، وقالَ: حَدَثَ أمرٌ عظيمٌ! قلتُ: ما هو؟ أجاءتْ غسانُ؟ قالَ: لا بلْ أعظمُ منهُ، وأطولُ (وفي روايةٍ: أهْوَلُ)، طَلَّقَ (وفي روايةٍ: اعتزَلَ) رسولُ اللُهِ صلى الله عليه وسلم نساءَهُ، قالَ:
(وفي روايةٍ: فقلتُ:) قد خابَتْ حفصةُ وخَسِرَتْ، [قد] كنتُ أظنُّ أنَّ هذا يوشِكُ أنْ يكونَ، فجَمَعْتُ عليَّ ثيابي، فصليتُ صلاةَ الفجرِ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدخَلَ مَشْرُبةً له [يرقى عليها بعَجَلَة](15)، فاعتزلَ فيها، فدخلتُ على حفصةَ، فإذا هي تبكي، قلتُ: ما يُبكيكِ؟! أوَلم أكُنْ حَذَّرْتُكِ؟! أطلَّقَكُنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتْ: لا أدري، هو ذا في المَشْرُبةِ، فخرجتُ، فجئتُ المنبرَ، فإذا حولَهُ رَهْطٌ يَبْكي بعضُهم، فجَلَسْتُ معهم قليلاً، ثمَّ غَلَبني ما أجِدُ، فجئتُ المَشْرُبَةَ التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ له أسودَ [على رأسِ الدرجة]: استأذِنْ لعُمَرَ، فدخَلَ، فكلَّمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ
(15) أي: بدرجة، وروي (يُرقى) بالبناء للمفعول أيضاً. أي: يصعدُ، و (المشربة): الغرفة.
خَرَج، فقالَ: ذَكَرْتُكَ له فصَمَتَ، فانصرفتُ؛ حتى جلستُ مع الرَّهْطِ الذين عند المنبرِ، ثم غَلَبَني ما أجِدُ، فجئتُ، فذكر مثله، فجلستُ مع الرهط الذين عند المنبر، ثم غلبني ما أجد، فجئتُ الغلامَ، فقلتُ: استأذِنْ لعمرَ، فذكَرَ مثلَهُ، فلما ولَّيْتُ منصرفاً فإذا الغلامُ يدعوني، قال: أذِنَ لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فدَخَلْتُ عليهِ، فإذا هو مُضْطَجِعٌ على رمالِ حَصيرٍ، ليس بينَه وبينَه فراشٌ، قد أثَّرَ الرمالُ بجَنْبِهِ، مُتَّكِىءٌ على وسادَةٍ من أدَمٍ، حَشْوُها ليفٌ، فسلَّمْتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائمٌ:[يا رسولَ اللهِ! أ] طلَّقت نساءَكَ؟ فرفَعَ بصَرَهُ إليَّ، فقالَ:"لا"، [فقلتُ: الله أكْبَرُ]، ثم قلتُ وأنا قائمٌ أستأنِسُ: يا رسولَ الله! لو رأيتني وكُنَّا- معشرَ قريشٍ- نغلِبُ النساءَ، فلما قَدِمْنا [المدينةَ] على قومٍ (وفي روايةٍ: إذا قومٌ) تَغْلِبُهم نساؤهُم، فذَكَرَهُ، فتبسَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قلتُ: لو رأيْتَني ودَخَلْتُ على حفصةَ فقلتُ [لها]: لا يَغُرَّنَّكِ أنْ كانت جارَتُك هي أوضأُ منكِ، وأحَبُّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يريدُ عائشةَ- (وفي روايةٍ: فذكرت الذي قلتُ لحفصَةَ وأُمِّ سلمَةَ، والذي ردَّت عليَّ أمُّ سَلَمَةَ)، فتَبَسَّمَ [تبسِمةً] أُخرى، فجلسْتُ حين رأيتُهُ تبسَّمَ، ثم رفعتُ بصري في بيتِه، فواللهِ ما رأيت فيه شيئاً يَرُدُّ البصرَ، غيرَ أَهَبَةٍ (16) ثلاثةٍ [وإن عند رجليه قَرَظاً مَصْبُوباً]، فقلت: ادعُ الله فَلْيُوَسِّعْ على أُمَّتِكَ، فإنَّ فارِسَ والرومَ وُسِّع عليهم، وأُعْطوا الدنيا وهم لا يَعْبدونَ الله، [فجلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم]، وكانَ متكئاً، فقالَ: "أوَ في شكٍّ أنت يا ابنَ الخطابِ؟! [إنَّ] أولئك قومٌ عُجِّلَتْ لهُم طيِّباتُهم في
(16) جمع (إهاب): جلد غير مدبوغ. و (مصبوباً)، أي: مسكوباً. و (القرظ): شجر يدبغ به، وقيل: هو ورق السلم، يدبغ به الأدم، ومنه أديم مقروظ. كذا في "اللسان".
الحياة الدنيا"، (وفي روايةٍ: فبكيتُ، فقالَ: "ما يبكيكَ؟! "، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! إنَّ كسرى وقيصرَ فيما هما فيه، وأنتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم!؟ فقالَ: "أما ترضى أن تكونَ لهم الدنيا ولنا الآخرةُ؟! ")، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ! استغفر لي.
فاعتزَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم[نساءَه] من أجلِ ذلك الحديثِ حين أفْشَتْهُ حفصةُ إلى عائشةَ [تسعاً وعشرين ليلةً]، وكان قد قالَ:"ما أنا بداخلٍ عليهنَّ شهراً"، مِن شدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عليهِنَّ حين عاتَبَهُ الله، فلما مضت تسعٌ وعشرون، دَخَلَ على عائشةَ، فبدأ بها، فقالت له عائشةُ:[يا رسولَ الله!] إنَّك [كنت] أقسمتَ أن لا تَدْخُلَ علينا شهراً، وإنَّا أصبحنا لتسعٍ وعشرينَ ليلةً، أعُدُّها عَدّاً، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"الشهرُ تسعٌ وعشرونَ"، وكان ذلك الشهرُ تسعٌ وعشرون (17). قالت عائشة:
فأُنْزِلَتْ آية التَّخييرِ، فبدأ بي أوَّلَ امرأةٍ [من نسائِهِ]، فقالَ:
"إنِّي ذاكرٌ لكِ أمراً، ولا عليكِ أنْ لا تَعْجَلي، حتى تستأمِري أبويكِ"،
قالت: قد أعلمُ أنَّ أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقِهِ، ثم قالَ:
"إنَّ الله [جلَّ ثناؤه]، قالَ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} ..... إلي قوله:
{عَظِيمًا} ". قلتُ: أفي هذا أستأمِرُ أبويَّ؟! فإني أريدُ الله ورسولَهُ والدارَ الآخرةَ، [فاخترتُه]، ثمَّ خيَّرَ نساءَهُ [كُلهنَّ]، فقلنَ مثلَ ما قالت عائشة.
27 -
بابُ من عَقَلَ بعيرَهُ على البَلاطِ (18) أو بابِ المسجدِ
(قلت: أسند فيه طرفاً من حديث جابر المتقدم "34 - البيوع/ 34 - باب/ رقم الحديث 990").
(17) هكذا بهذا الضبط، وفي روايةٍ: تسعاً وعشرين بالنصب.
(18)
البلاط: الحجارة المفروشة.