الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنَّ عثمانَ فرَّ يومَ أُحُدٍ؟ قالَ: نعم. فقالَ: [ف]، تعلمُ أنهُ تَغَيَّبَ عن بدرٍ ولم يَشْهَدْ؟ قالَ: نعم. قالَ: هل تَعْلَمُ أنهُ تغيَّبَ عن بَيْعةِ الرضوانِ فلم يشهَدْها؟ قالَ: نعم. قالَ: اللهُ أكبرُ!
قالَ ابنُ عمرَ: تعالَ [لأخبِرَكَ، ول]، أُبَيِّنَ لك [عما سألتني عنه]؛ أما فِرارُهُ يومَ أحُدٍ؛ فأشهَدُ أنَّ اللهَ عفا عنه، وغَفَرَ لهُ، وأما تَغَيُّبُهُ عن بدرٍ؛ فإنَّهُ كان تحته بنتُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضةً، فقالَ له رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ لك أجرَ رجلٍ ممَّنْ شَهِدَ بدراً وسَهْمَهُ"، وأما تَغَيُّبُهُ عن بيعةِ الرضوانِ؛ فلو كانَ أحدٌ أعَزَّ بِبطنِ مكةَ مِن عثمانَ؛ لبعَثَهُ مكانَهُ، فبعَثَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عثمانَ، وكانت بيعةُ الرضوانِ بعدما ذَهَبَ عثمانُ إلى مكةَ، فقالَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم بيدهِ اليُمنى:
"هذه يدُ عثمانَ"، فضرَب بها على يدِهِ، فقالَ:"هذه لعثمانَ".
فقالَ لهُ ابنُ عمرَ: اذهَبْ بها الآنَ معكَ.
9 - بابُ قصةِ البيعةِ والاتفاقِ على عثمانَ بنِ عفانَ، وفيه مقتلُ عمر رضي الله عنهما
1573 -
عن عمرِو بنِ ميمونٍ قالَ: رأيتُ عمرَ بنَ الخطابِ رضي الله عنه قبلَ أن يُصابَ بأيامٍ بالمدينةِ، وقفَ على حذيفةَ بنِ اليمانِ وعثمانَ بنِ حُنَيْفٍ؛ قالَ: كيف فَعَلْتُما؟ أتخافانِ أن تكونا قد حَمَّلْتُما الأرضَ (20) ما لا تُطِيقُ؟ قالا: حَمَّلْناها أمراً هي له مُطِيقَةٌ، ما فيها كبيرُ فَضْلٍ. قالَ: انْظُرا أنْ تكونا حَمَّلْتُما
(20) يعني: أرض السواد، وكان عمرُ بعثهما يضربان عليها الخراج، وعلى أهلها الجزية.
الأرضَ ما لا تطيقُ. قالَ: قالا: لا. فقالَ عمرُ: لئِنْ سَلَّمَني اللهُ تعالى لأدَعَنَّ أرامِلَ أهْلِ العراقِ لا يَحْتَجْنَ إلى رجلٍ بعدي أبداً. قالَ: فما أتَتْ عليه إلا رابعةٌ حتى أصِيبَ.
قالَ: (فيه لقائمٌ ما بيني وبينَهُ إلا عبدُ اللهِ بنُ عباس غداةَ أصِيْبَ، وكانَ إذا مَرَّ بينَ الصفَّيْن قالَ: استَوُوا، حتى إذا لم يَرَ فيهن خللًا؛ تقدَّمَ، فكبَّر، وربما قرأ سورةَ {يوسف} أو {النّحل} أو نحوَ ذلك في الركعةِ الأولى، حتى يجتَمعَ الناسُ فما هُو إلا أنْ كَبَّرَ، فسَمِعْتُه يقولُ: قتَلَني -أو أكَلَني- الكلبُ؛ حين طَعَنَهُ، فطارَ العِلْجَ بسِكِّيني ذات طَرَفَيْنِ، لا يَمُرُّ على أحدٍ يميناً ولا شِمالاً إلا طعَنَهُ، حتى طَعَنَ ثلاثةَ عَشَرَ رجلاً، ماتَ منهم سبعةٌ، فلما رأى ذلك رجلٌ مِن المسلمين؛ طَرَحَ عليه بُرْنُساً، فلما ظَن العِلْجُ أنهُ مأخوذٌ؛ نَحَرَ نفسهُ.
وتناولَ عمرُ يدَ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ فقَدمَهُ، فمَن يلي عمرَ فقد رأى الذي أرى، وأما نواحي المسجدِ؛ فإنهُم لا يدرونَ؛ غيرَ أنهُم قد فقَدُوا صوتَ عُمَرَ، وهم يقولونَ: سبحانَ اللهِ! سُبحانَ اللهِ! فصلى بهِم عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ صلاةً خفيفةً، فلما انْصَرَفوا؛ قالَ: يا ابنَ عباسٍ! انظُرْ مَن قتَلَني؟ فجالَ ساعةً، ثم جاءَ فقالَ: غُلامُ المُغيرةِ. قالَ: الصَّنَعُ (21)؟ قالَ: نعم. قال: قاتَلَهُ اللهُ، لقد أَمَرْت بهِ معروفاً، الحمدُ للهِ الذي لم يجعَلْ مِيتَتي بيدِ رجلٍ يَدَّعِي الِإسلامَ، قد كنتَ أنتَ وأبوكَ تُحِبَّانِ أن تَكْثُرَ العُلوجُ بالمدينةِ! -وكانَ العباسُ أكثرَهُم رَقِيقاً- فقالَ: إنْ شئتَ فعلتُ -أي: إن شئتَ قتلنا (22) - قالَ: كذبتَ؛ بعدما تَكَلَّموا بلسانِكُم، وصَلَّوْا
(21) بفتحتين: الصانع الحاذق في صناعتهِ.
(22)
أي: من بالمدينة من العلوج.
قِبْلَتَكُم، وحَجُّوا حَجَّكُم!
فاحْتُمِلَ إلى بيتِهِ، فانطَلَقْنا معه، وكانَ الناسَ لم تُصِبْهُم مصيبة قبلَ يومئذٍ، فقائِلٌ يقولُ: لا بأس. وقائل يقولُ: أخافُ عليهِ. فأتِيَ بنبيذٍ، فشَرِبَهُ، فخَرَجَ من جَوْفِهِ، ثم أُتِيَ بلبنٍ، فشَرِبَهُ، فخَرَجَ مِن جُرْحِهِ، فعَلِموا أنهُ مَيت، فدَخَلْنا عليه، وجاءَ الناسُ يُثْنُونَ عليهِ، وجاءَ رجلٌ شابٌ، فقالَ: أبْشِرْ يا أمير المؤمنينَ! ببُشْرى اللهِ لك؛ من صحْبَةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وقِدَمٍ (23) في الإسلامِ ما قد عَلِمْتَ، ثم وَلِيتَ فعَدَلْتَ، ثم شهادةٌ. قالَ: وَدِدْتُ أنَّ ذلك كَفافٌ لا عَلَيَّ ولا لي. فلما أدْبَرَ؛ إذا إزارُهُ يمسُّ الأرضَ، قالَ: رُدُّوا عليَّ الغلامَ. قالَ: ابنَ أخي! ارْفَعْ ثوبكَ؛ فإنه أبْقى لثوبِكَ، وأتْقى لرَبِّكَ.
يا عبدَ اللهِ بنَ عمرَ! انْظُرْ ماذا عليَّ مِن الدَّيْن؟ فحَسَبُوهُ، فوجدُوهُ ستةً وثمانينَ ألفًا أو نَحْوَهُ. قالَ: إنْ وَفَى لهُ مالُ آلِ عمرَ (24) فأدِّهِ مِن أموالِهِم، وإلا فسَلْ في بني عدِىِّ بنِ كعبٍ، فإنْ لم تَفِ أموالهُم؛ فسلْ في قريشٍ، ولا تَعْدُهُم إلى غيرِهِم، فأدِّ عني هذا المال.
انطلِقْ إلى عائِشَةَ أمِّ المؤمنين، فقلْ: يقرأ عليكِ عمرُ السلامَ، ولا تَقُلْ: أميرُ المؤمنينَ، فإنِّي لستُ اليومَ للمؤمنينَ أميراً، وقُل: يستأذِنُ عمرُ بنُ الخطابِ أنْ يُدْفَنَ معَ صاحِبَيْهِ. فسَلَّمَ واسْتأذَنَ، ثم دَخلَ عليها، فوَجَدها قاعِدةً تَبْكي، فقالَ: يقرأُ عليكِ عمرُ بنُ الخطابِ السلامَ، ويستأذنُ أنْ يُدْفَنَ مع صاحِبَيْه. فقالت: كنْتُ
(23) بفتح القاف؛ أي: فضل. ولأبي ذر: "وقِدَم" بكسر القاف؛ أي: سبق.
(24)
يريد: نفسه. و (بني عدي): هم البطن الذي هو منهم. و (قريش): قبيلته.
أريدُهُ لنفسي، ولأُوثِرَنَّه بهِ اليومَ على نفسي (وفي طريق: قالَ: وكانَ الرجلُ إذا أرسلَ إليها من الصحابةِ قالت: لا واللهِ؛ لا أوثرهُم بأحدٍ أبداً 8/ 153) (25).
فلما أقبلَ؛ قيلَ: هذا عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ قد جاءَ. قالَ: ارْفَعوني، فأسنَدَهُ رجل إليه، فقالَ: ما لَدَيْكَ؟ قالَ: الذي تُحِبُّ يا أميرَ المؤمنينَ! أذِنَتْ [لك 2/ 107]. قالَ: الحمدُ للهِ، ما كانَ مِن شيءٍ أهمَّ إلي مِن ذلك [المَضْجِعِ]، فإذا أنا قَضَيْتُ فاحْمِلوني، ثم سَلِّمُ [ـوا]، فقُلْ: يستأذِنُ عمرُ بنُ الخطاب، فإنْ أذِنَتْ لي فأدْخِلُوني، وإنْ ردَّتْني [ف 4/ 107]، رُدُّوني إلى مقابِرِ المسلمينَ.
وجاءت أمُّ المؤمنينَ حفصةُ، والنساءُ تسيرُ معها، فلما رأيْناها قُمْنا، فوَلَجَتْ عليه، فبكَت عندَه ساعة، واستأذَنَ الرجالُ، فوَلَجَتْ داخِلًا (26) لهُم، فسَمِعْنا بكاءَها مِن الداخِلِ؛ فقالوا: أوْصِ [نا]، يا أميرَ المؤمنينَ! استَخْلِفْ. قالَ: ما أجِدُ أحَقَّ بهذا الأمرِ مِن هؤلاءِ النفَرِ -أو الرهطِ- الذينَ تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهُم راضٍ، [فمَن اسْتَخْلَفُوا بعدي فهو الخليفةُ، فاسْمَعُوا لهُ وأطِيعُوا] .. فسمَّى: عليًّا، وعثمانَ، والزبيرَ، وطلحةَ، وسعداً، وعبدَ الرحمن، وقالَ: يَشْهَدُكُم (27) عبدُ اللهِ بنُ عمر، وليس لهُ مِن الأمر شيءٌ -كهيئَةِ التعزيةِ لهُ- فإنْ أصابَتِ الإمْرَةُ سعداً فهو ذاك، وإلا فَلْيَسْتَعِنْ بهِ أيُّكُم ما أُمِّرَ، فإني لم أعْزِلْهُ عن عجزٍ ولا خيانةٍ.
(25) قال ابنُ التين: (كذا وقع، والصواب: لا أوثر أحداً بهم أبداً". قال الحافظ: (وكأنه يقولُ: إنه مقلوب. وهو كذلك".
(26)
أي: مدخلًا لأهلها.
(27)
بسكون الدال وضمها، أي: يحضركم. وقوله: "كهيئة التعزية له"؛ أي: كهيئة التصبير له عن طلب الخلافة.
وقالَ: أُوْصي الخليفةَ مِن بعدي بالمهاجرينَ الأولِينَ؛ أن يَعْرِفَ لهُم حقَّهُم، و [أن]، يحفظَ لهُم حُرْمَتَهُم، وأُوْصِيهِ بالأنصارِ خيراً؛ الذينَ تَبَوَّؤا الدارَ والإيمانَ مِن قَبْلِهِم (وفي روايةٍ: من قبلِ أن يهاجرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم 6/ 59)؛ أنْ يُقْبَلَ مِن محسِنِهِم، وأن يُعْفَى عن مُسِيئِهم، وأوصيهِ بأهلِ الأمصارِ خيراً؛ فإنَّهُم رِدْءُ الإسلامِ، وجُباةُ المالِ، وغَيْظُ العدوِّ، وأنْ لا يُؤخَذَ منهم إلا فَضْلُهُم عن رِضاهُم، وأوصيهِ بالأعراب خيراً؛ فإنهُم أصلُ العربِ، ومادةُ الِإسلامِ؛ أنْ يؤْخَذَ مِن حواشي أموالِهم (28)، وتُرَدَّ على فقرائِهِم، وأوصيهِ بذمَّةِ اللهِ وذمَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ أنْ يُوفَى لهم بعهدِهِم، وأنْ يُقاتَلَ مِن ورائِهِم (29)، و [أن]، لا يُكَلَّفُوا إلا (وفي روايةٍ: فوق) طاقَتِهم (ومن طريق آخر: أُوصيكُم بذمةِ اللهِ، فإنه ذِمَّةُ نبيِّكم، ورزقُ عِيَالِكُم 4/ 64).
فلما قُبِضَ خرجتا به، فانطلَقْنا نمشي، فسلَّمَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ؛ قالَ: يستأذِنُ عمرُ بنُ الخطابِ. قالت: أدْخِلوهُ، فأُدْخِلَ، فوُضِعَ هنالك مع صاحِبَيْهِ.
فلما فُرِغَ مِن دفْنِهِ اجْتَمَعَ هؤلاءِ الرَّهْطُ، فقالَ عبدُ الرحمنِ: اجْعَلوا أمرَكُم إلى ثلاثةٍ منكُم. فقالَ الزبير: قد جعَلْتُ أمري إلى عليٍّ. فقالَ طلحةُ: قد جعلتُ أمري إلى عثمانَ. وقالَ سعدٌ: قد جعلت أمري إلى عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ. فقالَ عبد الرحمنِ: أيُّكُما تَبَرّأَ من هذا الأمرِ فنجعَلُهُ إليهِ؟ واللهُ عليه (30) والِإسلامُ، لَيَنْظُرَنَّ أفضَلَهُم في نفسِهِ. فأُسْكِتَ الشيخانِ، فقالَ عبدُ الحمنِ: أفتَجْعَلونَهُ إلي واللهُ
(28) أي: التي ليست بخيار.
(29)
أي: إذا قصدهم عدو لهم.
(30)
أي: رقيب عليه.