الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
57 - [كتابُ الخُمُسِ]
1 - بابُ فَرْضِ الخُمُسِ
1344 -
عن عليٍّ قال: كانت لي شارفٌ (1) من نَصيبي من المَغْنَمِ يومَ بدرٍ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعطاني شارِفاً [أخرى 3/ 80][مما أفاءَ اللهُ 5/ 16] من الخُمُسِ، فلما أردتُ أن أبْتَنِيَ بفاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ واعدْتُ رجُلًا صَوَّاغاً من بني قَيْنُقاعَ أن يَرتحلَ معي، فنأتيَ بإذْخِرٍ أردتُ أن أبيعَهُ [من 3/ 13] الصَّوَّاغينَ، وأستعينَ به في وليمَةِ عُرْسِي، فبَيْنا أنا أجمعُ لِشارِفَيَّ متاعاً من الأقتاب (2) والغَرائرِ (3) والحِبالِ، وشارِفايَ مُناخانِ إلى جَنبِ حُجرةِ رجلٍ من الأنصارِ، [وحمزةُ بن عبدِ المطلبِ يَشْرَبُ في ذلك البيتِ معه قَيْنَةٌ (4)، فقالت: ألا يا حمزَ! للشُّرُفِ النِّوَاءِ (5)، فثارَ إليهما حمزةُ بالسيفِ، فجَبَّ أسْنِمَتَهُما، وبقر خَواصِرَهما، ثم أخذَ مِن أكبادِهِما، فذهبَ بها، قال عليٌّ: فـ 3/ 80] رَجَعْتُ حينَ
(1) مسنة من النوق.
(2)
مفردها: قتب: وهو إكاف البحير ورحله.
(3)
مفردها: غرارة بالكسر، شبه العِدل.
(4)
الجارية المغنية.
(5)
جمع ناوية، وهي الناقة السمينة.
جمعْتُ ما جمعتُ، فإذا [أنا] شارِفايَ قد أُجِبَّتْ (6) أسنِمَتُهما، وبُقِرت خواصِرُهما، وأُخِذَ مِن أكبادِهما، فلم أملِكْ عيْنَيَّ حين رأيتُ ذلك المنظرَ منهما، فقلتُ: مَن فعلَ هذا؟ فقالوا: فَعَلَ حمزةُ بنُ عبد المطلب، وهو في هذا البيت، في شَرْبٍ من الأنصارِ. فانطلقتُ، حتى أدْخُلَ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وعندَهُ زيدُ بنُ حارثةَ، فعرَفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في وَجْهي الذي لَقيتُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"ما لكَ؟ "، فقلتُ: يا رسول اللهِ! ما رأيتُ كاليومِ قَطُّ، عدا حمزةُ على ناقَتَيَّ، فأجَبَّ أسْنِمَتَهُما، وبَقَرَ خواصِرَهُما، وها هو ذا في بيتٍ معه شَرْبٌ، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وسلم برِدائِهِ، فاَرْتَدى [به 7/ 36]، ثم انطلقَ يمشي، واتبَعْتُهُ أنا وزيدُ بنُ حارثةَ، حتى جاءَ البيتَ الذي فيه حمزةُ، فاستأذَنَ، فأذِنوا لهُم، فإذا هُم شَرْبٌ، فطَفِقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يلومُ حمزةَ فيما فعَلَ، فإذا حمزةُ قد ثَمِلَ، محمَرَّةً عيناهُ، فنظرَ حمزةُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم صَعَّدَ النَّظَرَ، فنظرَ إلى رُكبتِهِ، ثم صعَّدَ النظرَ، فنظرَ إلى سُرَّتِهِ، ثَمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فنظرَ إلى وجهِهِ، ثم قالَ حمزةُ: هل أنتُم إلا عبيدٌ لأبي؟ فعَرَفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّه قد ثَمِلَ، فنَكَصَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على عَقِبَيْهِ القَهْقَرى، وخَرَجْنا معه، [وذلك قَبْلَ تحريمِ الخَمْرِ].
1345 -
عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنَّ فاطمةَ عليها السلام ابنَةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سألَت أبا بكرٍ الصديقَ بعد وفاةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَقْسِمَ لها مِيْراثَها؛ ما تَرَكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ممَّا أفاءَ اللهُ عليه (وفي روايةٍ: تطلُبُ صدقةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم التي بـ (المدينة) و (فَدَكٍ)، وما بقيَ مِن خُمُسِ (خيبر) 4/ 210)، فقالَ لها
(6) الجَبُّ: الاستئصال في القطع.
(وفي روايةٍ: أن فاطمةَ والعباسَ عليهما السلام أَتَيا أبا بكرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيراثَهُما من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهما حينئذٍ يطلُبانِ أرْضَيْهِما مِن (فَدَكٍ)، وسَهْمَهُما من (خيبرَ)، فقالَ لهما 7/ 3) أبو بكرٍ: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ، [إنما يأكلُ آلُ محمدٍ من هذا المال-[يعني: مالَ اللهِ- ليس لهم أن يزيدوا على المأكلِ] ". قال أبو بكر: واللهِ لا أدَعُ أمراً رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصنَعُهُ فيه إلا صنعْتُه]، فغَضِبَتْ فاطمةُ بنتُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فهَجَرَتْ أبا بكرٍ، [فلم تُكَلِّمْهُ]، فلم تَزَلْ مهاجِرَتَهُ حتى تُوُفِّيَتْ، وعاشَتْ بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ستَّةَ أشْهُرٍ.
[فلما تُوُفِّيَتْ دَفَنَها زوجُها عليٌّ ليلاً، ولم يُؤْذِنْ بها أبا بكرٍ، وصلَّى عليها، وكان لعليٍّ من الناس وَجْهٌ حياةَ فاطمةَ، فلما توفيتِ اسْتَنْكَرَ عليٌّ وُجوهَ الناسِ، فالتمَسَ مُصالحَةَ أبي بكرٍ ومُبايَعَتَهُ، ولم يكنْ يبايِعُ تلك الأشْهُرَ، فأرسلَ إلى أبي بكرٍ: أنِ ائْتِنا، ولا يَأْتِينَا أحدٌ معكَ؛ كراهيةً لِمَحْضَرِ عُمر، فقالَ عُمرُ: لا واللهِ؛ لا تَدْخُلُ عليهِم وحدَكَ، فقال أبو بكرٍ: وما عَسَيْتَهم أن يَفْعَلُوا بي، واللهِ لأتِيَنَّهُم، فدَخَلَ عليهم أبو بكرٍ، فتشهَّدَ عليٌّ، فقال: إنَّا قد عَرَفْنا [يا أبا بكر! 4/ 210] فَضْلَكَ وما أعطاك اللهُ، ولم نَنْفَسْ عليك خيراً ساقَهُ اللهُ إليك، ولكنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ علينا بالأمرِ، وكنا نرى لِقَرابَتِنا من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَصِيباً، حتى فاضت عينا أبي بكر، فلمَّا تكلَّمَ أبو بكرٍ قال: والذي نفسي بيدِهِ؛ لَقَرَابةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أحَبُّ إليَّ أنْ أصِلَ مِن قرابتي، وأما الذي شَجَرَ بيني وبينكُم مِن هذه الأموالِ؛ فلم آلُ فيها عن الخيرِ، ولم أتركْ أمراً رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يصنَعُهُ فيها إلا صَنَعْتُه، فقال عليٌّ
لأبي بكرٍ: مَوْعِدُكَ العَشِيةَ للبيعَةِ.
فلما صلى أبو بكرٍ الظُّهْرَ رقيَ المِنْبَرَ، فتشَهَّدَ، وذَكَرَ شأنَ عليٍّ، وتَخَلُّفَهُ عن البيعةِ، وعَذَرَهُ بالذي اعتذَرَ إليه، ثم استغْفَرَ، وتشهَّدَ عليٌّ، فعظَّمَ حَقَّ أبي بكرٍ، وحدَّثَ أنه لم يَحْمِلْهُ على الذي صَنَعَ نَفاسةً على أبي بكرٍ، ولا إنكاراً للذي فضَّلَهُ اللهُ به، ولكنَّا كنَّا نرى لنا في هذا الأمرِ نَصِيباً، فاستَبَدَّ علينا، فَوَجَدْنا في أنْفُسِنا.
فسُرَّ بذلك المسلمون، وقالوا: أَصبْتَ، وكانَ المسلمون إلى عليٍّ قَرِيباً حينَ رَاجَعَ الأمرَ (7) بالمعروفِ 5/ 82 - 83].
قالت: وكانت فاطمةُ تسألُ أبا بكرٍ نصيبَها مما تَرَكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من (خيبرَ) و (فَدَكٍ)، وصَدَقَتَه (8) بالمدينةِ، فأبَى أبو بكرٍ عليها ذلك، وقال: لستُ تاركاً شيئاً كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بهِ إلا عَمِلْتُ به، فإنِّي أخشى إنْ تَرَكْتُ شيئاً من أمرِهِ أن أزيغَ. فأمَّا صَدَقَتُهُ بـ (المدينَةِ)، فدَفَعَها عُمَرُ إلى عليٍّ وعباسٍ، فأما (خيبرُ) و (فَدَكٌ) فأمْسَكهُما عمرُ، وقال: هما صدقةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كانتا لحقوقِه التي تَعْرُوهُ ونوائبِهِ، وأمرُهُما إلى مَن وَلِيَ الأمرَ. قال: فهما على ذلك إلى اليوم.
قال أبو عبد اللهِ: (اعتراك): افْتَعَلْتَ (9) مِن عَرَوْته فأصبْته، ومنهُ يعروهُ واعتراني.
(7) أي: الدخول فيما دخل فيه الناس من المبايعة.
(8)
قوله: "صدقته" بالنصب، ويصح الجر؛ أي: نخل بني النضير، وكانت قريبة من المدينة.
(9)
كذا فيه، ولعله كان: افتعلك. وكذا وقع في "المجاز" لأبي عبيدة. "فتح".
1346 -
عن ابن شِهابٍ عن مالِكِ بن أوسِ بن الحَدَثانِ- وكانَ محمدُ بنُ جُبَيرٍ ذكَرَ لي ذِكْراً من حَديثهِ ذلك- فانْطَلَقْتُ حتى أدْخُلَ على مالكِ بنِ أوسٍ، فسألتُه عن ذلك الحديث؟ فقال مالكٌ:
بَيْنا أنا جالسٌ في أهلي حين مَتَعَ (10) النهارُ؛ إذا رسولُ عمرَ بنِ الخطابِ يأتِينِي، فقال: أجِبْ أميرَ المؤمنين، فانطَلَقْتُ معه حتى أَدْخُلَ على عمرَ، فإذا هو جالِسٌ على رِمالِ (11) سريرٍ، ليس بينَهُ وبينَهُ فِراشٌ، مُتَّكِىءٌ على وِسادةٍ من أَدَمٍ، فسَلَّمْتُ عليه، ثم جلسْتُ، فقالَ: يا مالِ (12)! إنَّهُ قدِمَ علينا من قومِكَ أهلُ أبياتٍ، وقد أمَرْتُ لهُم بِرَضْخٍ (13) فاقْبِضْهُ، فاقْسِمْهُ بينَهم، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين! لو أمرتَ بهِ غيري. قالَ: اقبِضْهُ أيَها المرءُ! فبَينا أنا جالِسٌ عنده؛ أتاهُ حاجِبُهُ (يَرْفا)، فقالَ: هل لك في عُثمانَ وعبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ والزُّبيرِ وسعدِ بن أبي وقاصٍ؛ يستأْذِنون؟ قالَ: نعم. فأذِنَ لهُم، فدَخَلوا، فسَلَّموا، وجَلَسوا، ثم جَلَسَ (يَرْفا) يَسيراً، ثم قالَ: هل لك في عليٍّ وعباسٍ؛ [يستأذِنانِ؟ 5/ 23] قالَ: نعم. فأذِنَ لهُما، فدخلا، فسَلَّما، فجَلَسا، فقالَ عباسٌ: يا أميرَ المؤينينَ! اقْضِ بيني وبين هذا [الظالِمِ، اسْتَبَّا 146/ 8] وهما يختَصِمانِ فيما أفاءَ اللهُ على رسوله صلى الله عليه وسلم من [مالِ] بني النضيرِ، فقال الرَّهْطُ؛ عُثمانُ وأصحابُهُ: يا أميرَ المؤمنين! اقْضِ
(10) أي: اشتدَّ حره.
(11)
بكسر الراء وقد تضم: ما ينسجُ من سعف النخل ونحوه.
(12)
كذا هو بالترخيم؛ أي: مالك.
(13)
أي: بعطية قليلة غير مقدرة.
بينَهما، وأرِحْ أحَدَهُما مِن الآخَرِ. فقالَ عمرُ: تَيْدَكُم (14)(وفي روايةٍ: اتَّئِدوا)، أنْشُدُكُم باللهِ الذي بإذنِهِ تقومُ السماءُ والأرضُ؛ هل تَعلمونَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ"؛ يريدُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نفسَهُ؟ قالَ الرهطُ: قد قالَ ذلك. فأقبلَ عمرُ على عليٍّ وعباسٍ، فقالَ: أنْشُدَكُما اللهَ أتَعْلَمانِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد قالَ ذلك؟ قالا: قد قالَ ذلك. قالَ عمرُ: فإنِّي أُحَدِّثُكُم عن هذا الأمرِ: إنَّ اللهَ قد خَصَّ رسولَهُ صلى الله عليه وسلم في هذا الفيءِ بشيءٍ لم يُعْطِهِ أحداً غيرَهُ، ثم قَرَأ:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ [فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ 6/ 191]} إلى قوله: {قديرٌ} ، فكانت هذه خالصةً لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، [ثم] واللهِ ما احْتازَها دونَكُم، ولا استأثَرَ بها عليكُم، قد أعْطاكُمُوهُ، وبَثَّها فيكم حتى بقيَ منها هذا المال.
(وفي روايةٍ: كانت أموالُ بني النضيرِ مما أفاءَ اللهُ على رسولِهِ صلى الله عليه وسلم، مما لم يوجِفِ المسلمونَ عليهِ بخيلٍ ولارِكابٍ، فكانَتْ لِرَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خاصةً 6/ 58)، فكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ على أهلِهِ نَفَقَةَ (ومن طريق معمر: قال لي الثوريُّ: هل سمعتَ في الرجلِ يجمعُ لأهلهِ قوتَ سَنَتِهم، أو بعضَ السنةِ؟ قالَ معمر: فلم يَحْضُرْني، ثم ذكرتُ حديثاً حَدَّثَناه الزهريُّ عن مالك بن أوس عن عمرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يبيعُ نخلَ بني النضيرِ، ويحبسُ لأهلِهِ قوتَ 6/ 190) سَنَتِهِم من هذا المالِ، ثم يأخُذُ ما بقيَ، فيجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ اللهِ (وفي روايةٍ: ثم يجعلُ ما بَقِيَ في السلاحِ والكُراعِ عُدَّةً في سبيلِ اللهِ)، فعَمِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بذلك حياتَهُ،
(14) أي: اصبروا وأمهلوا وعلى رسلِكم.
أنْشُدُكُم باللهِ هل تعلَمونَ ذلك؟ قالوا: نعم. ثم قال لعليٍّ وعباسٍ: أنْشُدُكُما باللهِ هل تعلمانِ ذلك؟ [قالا: نعم].
قالَ عمرُ: ثم تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ- صلى الله عليه وسلم، فقالَ أبو بكرٍ: أنا وليُّ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقَبَضَها أبو بكرٍ، فعَمِلَ فيها بما عَمِلَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم، [وأنتُما حينئذٍ - وأقبَلَ على عليٍّ وعباسٍ- تَزْعُمانِ أنَّ أبا بكر [فيها] كذا وكذا]، واللهُ يعلَمُ إنَّه فيها لَصادِقٌ بارٌّ راشِدٌ تابِعٌ للحقِّ، ثم تَوَفَّى اللهُ أبا بكرٍ، فكُنْتُ (وفي روايةٍ: فقلتُ:) أنا وليّ [رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم و] أبي بكرٍ، فَقَبَضْتُها سنتينِ من إمارَتي، أعمَلُ فيها بما عَمِلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما عَمِلَ فيها أبو بَكْر، واللهُ يَعْلَمُ إنَي فيها لَصادِقٌ بارٌّ راشِدٌ تابِعٌ للحقِّ، ثم جِئتُماني تُكَلِّماني [كلاكما]، وكَلِمَتُكُما [على كلمةٍ] واحدةٍ، وأمْرُكُما واحدٌ (وفي روايةٍ: جميعٌ)؛ جئْتَني يا عباسُ! تسألُني نَصيبَكَ مِن ابنِ أخيكَ، وجاءَني هذا- يريدُ: عليًّا- يُريدُ نَصيبَ امرأتِهِ من أبيها، فقلتُ لكُما: إن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لا نُورَثُ، ما ترَكْنا صَدَقَةٌ"، فلما بدا لي أنْ أدْفَعَهُ إليكُما؛ قلتُ: إنْ شئْتُما دَفَعْتُها إليكُما على أنَّ عليكُما عهدَ اللهِ وميثاقَهُ لَتَعْمَلانِ فيها بما عَمِلَ فيها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وبما عَمِلَ فيها أبو بكرٍ، وبما عَمِلْتُ فيها منذُ وَلِيتُها، [وإلا فلا تُكَلِّماني فيها]، فقُلْتُما: ادفَعْها إلينا [بذلك]، فبذلكَ دَفَعْتُها إليكُما، فأنْشُدُكُم باللهِ هل دَفَعْتُها إليهِما بذلك؟ قالَ الرَّهْطُ: نعم. ثم أقبلَ على علىٍّ وعباسٍ، فقال:
أنْشُدُكُما باللهِ هل دَفَعْتُها إليكُما بذلك؟ قالا: نعم. قال: [أ] فَتَلْتَمِسانِ منِّي قضاءً غيرَ ذلك؟ فواللهِ الذي بإذنِهِ تقومُ السماءُ والأرضُ؛ لا أقْضي فيها قضاءً غيرَ ذلك