الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
45 - بابُ هِجْرةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ إلى المدينةِ
569 و 570 - وقال عبدُ اللهِ بن زيدٍ وأبو هريرةَ رضي الله عنهما عنِ النبىِّ صلى الله عليه وسلم:
"لولا الهِجْرَة لكنتُ امْرَأ مِن الأنصارِ".
571 -
وقالَ أبو موسى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
"رأيتُ في المنامِ أنِّي أهاجِرُ مِن مكةَ إلى أرضٍ بها نَخلٌ، فذَهَبَ وَهَلِي (*) إلى أنها اليمامةُ أو هَجَرُ، فإذا هِي المدينةُ: يَثْرِبُ".
1657 -
عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ قالَ: زُرْتُ عائشةَ معَ عُبيدِ بنِ عُميرٍ الليثيِّ، [وهي مُجاوِرَةٌ بثَبِيْرٍ 4/ 38]، فسأَلْناها عنِ الهجرَةِ؟ فقالتْ: لا هجرةَ اليومَ (وفي روايةٍ: انقطعَتِ الهِجْرَةُ منذُ فَتَحَ اللهُ على نبيهِ صلى الله عليه وسلم مكةَ)، كانَ المؤمِنونَ يفِرُّ أحدُهُم بدينِهِ إلى اللهِ تعالى، وإلى رسولهِ صلى الله عليه وسلم؛ مخافَةَ أنْ يُفْتَنَ عليهِ، فأمَّا اليومَ؛ فقدْ أظْهَرَ اللهُ الإسلامَ، واليومَ يعْبُدُ ربَّهُ حيثُ شاءَ، ولكِنْ جهادٌ ونيَّةٌ.
1658 -
عن عائشةَ رضي الله عنها زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالتْ: لم أعْقِلْ أبَوَىَّ قَطُّ إلَاّ وهُما يَدِينانِ الدِّينَ، ولم يَمُرَّ علينا يومٌ إلا يأتِينا فيهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طرفَيِ النَهارِ؛ بُكْرَةً وعَشِيَّةً، فلما ابْتُلِيَ المسلمونَ؛ [هاجرَ إلى الحبشةِ رجالٌ مِن المسلمينَ، و 7/ 39]، خَرَجَ أبو بكرٍ مهاجراً نحوَ أرضِ الحبشةِ، حتَّى بلَغَ (بَرْكَ
569 و 570 - أما حديث عبد الله بن زيد؛ فوصله المصنف فيما يأتي من "ج 3/ 64 - المغازي/ 58 - باب"، وأما حديث أبي هريرة؛ فمضى موصولاً هنا " 2 - باب".
571 -
وصله المصنف فيما تقدم "61 - المناقب/ 25 - باب"، وكذا ابن حبان (6242 - الِإحسان).
(*) قوله: "وَهَلي"؛ أي: ظني.
الغِمادِ) (55) لَقِيَهُ ابنُ الدَّغِنَةِ -وهو سيدُ (القارَةِ) - فقالَ: أينَ تريدُ يا أبا بكرٍ؟ فقالَ أبو بكرٍ: أخْرَجَني قومي، فأُرِيدُ أنْ أسِيْحَ في الأرضِ، وأعبدَ ربِّي، فقالَ ابنُ الدَّغِنةِ: فإنَّ مِثْلَكَ يا أبا بكرٍ! لا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ، إنَّك تَكْسِبُ المَعْدُومَ (56)، وتَصِلُ الرَّحِمَ، وتحْمِلُ الكَلِّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ على نوائِبِ الحقِّ، فأنا لكَ جارٌ ارْجِعْ واعْبُدْ ربَّكَ ببلدِكَ. فرجَعَ، وارْتَحَلَ معهُ ابنُ الدَّغِنةِ.
فطافَ ابنُ الدَّغِنةِ عَشِيَّة في أشرافِ [كُفَّارِ 3/ 58]، قريشٍ، فقالَ لهُم: إنَّ أبا بكرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ، ولا يُخْرَجُ، أتُخْرِجونَ رجلًا يَكْسِبُ المَعْدُومَ، ويصِلُ الرحمَ، ويحْمِلُ الكَلَّ، ويَقْرِي الضَّيْفَ، ويُعِيْنُ على نوائِبِ الحقِّ؟!
فلمْ تُكذِّبْ قريشٌ بجِوارِ ابنِ الدَّغِنةِ، [وآمَنُوا أبا بكرٍ]، وقالوا لابن الدَّغِنةِ: مُرْ أبا بكرٍ فلْيَعْبُدْ ربّهُ في دارهِ، فليُصَلِّ فيها، ولْيقرأْ مَا شاءَ، ولا يُؤذِينا بذَلكَ، ولا يَسْتَعْلِنُ بهِ؛ فإنا نخْشى أنْ يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا. فقالَ ذلك ابنُ الدَّغِنةِ لأبي بكرٍ، فلَبِثَ أبو بكرٍ بذلك يعبُدُ ربَّه في داره، ولا يَسْتَعْلِنُ بصلاتِه، ولا يقرأُ في غيرِ دارِهِ.
ثمَّ بدا لأبي بكرٍ فابْتَنى مسجداً بفِناءِ دارِهِ، [وبَرَزَ]، وكانَ يُصَلِّي فيهِ، ويقرأُ القرآنَ، فيَنْقَذِفُ (وفي روايةٍ: فيَتَقَصَّفُ. وفي أخرى: فيَقِفُ 1/ 122) عليهِ نساءُ المشركينَ وأبناؤُهُم، وهُم يَعْجَبُونَ منهُ، وينظُرونَ إليهِ، وكانَ أبو بكر رجلًا بكَّاءً، لا يملِكُ عينَيْهِ إذا قرأَ القرآنَ، فأفْزعَ ذلكَ أشرافَ قريش مِن المشركينَ، فأَرْسَلوا إلى
(55) موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن. و (القارة): قبيلة مشهورة من بني الهُونِ -بالضم- ابن خزيمة.
(56)
أي: تعطي الناس مما لا يجدونه عند غيرك. وقوله: "وتحمل الكلَّ"؛ أي: وتعين من لا يستقل بأمره.
ابنِ الدَّغِنَةِ، فقَدِمَ عليهِم، فقالوا [لهُ]: إنَّا كُنا أجَرْنا أبا بكرٍ بجِوارِكَ، على أنْ يَعْبُدَ ربَّهُ في دارِهِ، فقدْ جاوَزَ ذلكَ، فابْتَنَى مسجداً بفِناءِ دارِهِ، فأعلنَ بالصلاةِ والقراءَةِ فيهِ، وإنَّا قدْ خَشِينا أنْ يَفْتِنَ نساءَنا وأبناءَنا، فانْهَهُ، فإنْ أحَبَّ أنْ يقتَصِرَ على أنْ يعْبُدَ ربَّهُ في دارِهِ؛ فعَلَ، وإنْ أبى إلَاّ أن يُعْلِنَ بذلكَ؛ فَسَلْهُ أنْ يَرُدَّ إليكَ ذمَّتَكَ، فإنَا قدْ كَرِهْنا أنْ نُخْفِرَكَ (57)، ولسنا مُقِرِّينَ لأبي بكرٍ الاِسْتِعْلانَ.
قالتْ عائشةُ: فأتى ابنُ الدَّغِنَةِ إلى أبي بكرٍ، فقالَ: قدْ عَلِمْتَ الذي عاقَدْتُ لك عليهِ، فإمَّا أنْ تَقْتَصِرَ على ذلك؛ وإمَّا أنْ تَرْجِعَ إليَّ ذِمَّتى، فإنِّي لا أُحِبُّ أنْ تسْمَعَ العربُ أَنِّي أُخْفِرتُ في رجلٍ عقَدْتُ له. فقالَ أبو بكرٍ: فإنِّي أرُدُّ إليكَ جِوارَكَ، وأرْضى بجِوارِ اللهِ عز وجل.
والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ بمكَّةَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم للمسلمينَ:
"إنَّي أُرِيتُ دارَ هجرَتكُم ذاتَ نخلٍ بينَ لابتَيْنِ". وهما الحَرَّتانِ (58).
فهاجَرَ مَن هاجَرَ قِبَلَ المدينةِ [حينَ ذكَرَ ذلكَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورجَعَ عامَّةُ مَن كانَ هاجَرَ بأرضِ الحَبَشَةِ إلى المدينَةِ، وتجَهَّزَ أبو بكرٍ [مهاجراً]، قِبَلَ المدينةِ، فقالَ لهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"على رِسْلِكَ؛ فإنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لي". فقالَ أبو بكرٍ: وهلْ تَرْجو ذلك بأبي أنتَ؟ (وفي روايةٍ: قالتْ: اسْتأْذَنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أبو بكرٍ في الخروجِ حينَ اشْتَدَّ عليهِ
(57)(الإخفار): نقض العهد.
(58)
هذا مدرج في الخبر، وهو من تفسير الزهري. "فتح".
قلت: وهذه الرؤيا استدركها الحاكم (3/ 3 - 4) فوهم! وهي غير الرؤيا المتقدمة أول الباب.
الأذَى، فقالَ لهُ:"أقِمْ". فقالَ: يا رسولَ اللهِ! أتَطْمَعُ أنْ يُؤذَنَ لكَ؛ 5/ 43) قالَ:
"نعم". فحَبَسَ أبو بكرٍ نفسَهُ على رسولِ اللهِ- صلى الله عليه وسلم لِيَصْحَبَهُ، وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا
عندَهُ ورَقَ السَّمُرِ- وهو الخَبَطُ- أربعَةَ أشْهُرٍ.
قالتْ عائشةُ: فبَيْنَما نحنُ يوماً جلوسٌ في بيتِ أبي بكرٍ في نَحْرِ الظَّهيرةِ (وفي روايةٍ: لَقَلَّ يومٌ كانَ يأتي على النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَاّ يأْتي فيهِ بيتَ أبي بكرٍ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهارِ، فلما أُذِنَ له بالخروجِ إلى المدينةِ؛ لمْ يَرُعْنا إلا وقدْ أُتانا ظُهراً، فَ 2/ 23 - 24) قالَ قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم[مُقبلاً]، مُتَقَنِّعاً في ساعةٍ لمْ يَكُنْ يأْتينا فيها، فقالَ أبو بكرٍ: فداءٌ له أبي وأُمي، واللهِ ما جاءَ بهِ في هذهِ الساعةِ إلَاّ أمرٌ [حَدَثَ]. قالتْ: فجاءَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فاسْتَأذَنَ، فأذِنَ لهُ، فدَخَلَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم[حينَ دَخَلَ] لأبي بكرٍ:"أخْرِجْ مَن عندَكَ". فقالَ أبو بكرٍ: [يا رسولَ اللهِ!، إنَّما هُم أهلُكَ (وفي روايةٍ: إنَّما هُما ابْنَتَايَ. يعني: عائشةَ وأسماءَ) بأبي أنتَ يا رسولَ اللهِ! قالَ: "فإنِّي (وفي روايةٍ: أَشعَرْتَ أَنَّهُ) قدْ أُذِنَ لي في الخُروجِ؟ ". فقالَ أبو بكرٍ: الصَّحابَةَ (وفي روايةٍ: الصُّحْبَةَ) بأبي أنتَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "نعمْ". قالَ أبو بكرٍ: فخُذْ بأبي أنتَ يا رسولَ اللهِ! إحدى راحِلَتَىَّ هاتينِ، [قدْ كُنْتُ أعْدَدْتُهما للخُروجِ]. قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
" [قدْ أخَذْتُها] بالثَّمَنِ"، [فأعْطَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم إحداهما، وهي الجَدْعاءُ](59).
قالتْ عائشةُ: فجَهَّزْناهُما أَحَثَّ الجِهازِ (60)، وصَنَعْنا لهُما سُفرةً في جِرابٍ،
(59) خفيت هذه الزيادة على الحافظ، فعزاها لابن حبان! وهي عنده (6246 - الإحسان) في رواية.
(60)
أي: أسرعه. و (الجهاز) بفح الجيم وكسرها: ما يحتاج إليه في السفر ونحوه.
فقَطَعتْ أسماءُ بنتُ أبى بكرٍ قِطْعَةً مِن نِطاقِها، فرَبَطَت (وفي روايةٍ: فأَوْكَتْ) بهِ على فَمِ الجِرابِ؛ فبذلك سُمِّيتْ ذاتَ النِّطاقِ (61).
قالتْ: [فرَكبا، فانْطَلَقا]، ثم لحِقَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ بغارٍ في جبلٍ [يقالُ لهُ:] ثَوْرٌ، فكَمَنَا فيهِ ثلاثَ ليالٍ، يَبِيْتُ عندَهُما عبدُ اللهِ بنُ أبي بكرٍ، وهو غُلامٌ شابٌ ثَقِفٌ لَقِنٌ، فيُدْلِجُ (62) مِن عندِهِما بسَحَرٍ، فيُصْبِحُ معَ قريشٍ بمكةَ كبائِتٍ، فلا يسمعُ أمْراً يُكْتادانِ (وفي روايةٍ: يُكادانِ) بهِ إلا وَعَاهُ، حتى يأتيَهُما بخَبَرِ ذلك حينَ يخْتَلِطُ الظَّلامُ، ويَرْعى عليهما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مولى أبي بكرٍ (وفي روايةٍ: كانَ غُلاماً لعبدِ اللهِ بنِ الطُّفَيْلِ بنِ سَخْبَرَةَ، أخو عائشةَ لأمَها، وكانتْ لأبي بكرٍ) مِنْحَةٌ مِن غَنَم، ف [كانَ]، يُرِيحُها عليهِما حينَ تذهَبُ ساعةٌ مِن العِشاءِ، فيَبِيْتانِ في رِسْلٍ، وهو لَبَنُ مِنْحَتِهما، ورَضِيفُهما، حتى يَنعِقَ بها عامرُبنُ فُهَيْرَةَ بغَلَسٍ، يفْعَلُ ذلكَ في كُلِّ ليلةٍ مِن تلكَ الليالي الثلاثِ.
واستأْجَرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ رجُلاً مِن بني الدِّيلِ، وهو من بني عبدِ بنِ عَدِىِّ؛ هادياً خِرّيتاً -والخِرِّيتُ: الماهرُ بالهِدايةِ- قذ غَمَسَ حِلْفاً (63) في آلِ
(61) قوله: (ذات النطاق) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ:"ذات النطاقين" بالتثنيه؛ كذا في (الشارح). و (النطاق): إزار فيه تكة تلبسه النساء. قوله: "ثقف" بهذا الضبط، وتسكن القاف، وتفتح: حاذق. و (لقن): سريع الفهم.
(62)
أي: يخرج. قال الشارح: "ولأبي ذرٍّ": "فيدّلج" بتشديد الدال"، وهو الأحسن، وهو الذي عليه شرح العينيّ، فإن الخروج في آخر الليل هو الادّلاج بالتشديد. وقوله: "كبائت"؛ أي: كالذي يبيت بمكة لشدة رجوعه بغلس، وهو ظلام آخر الليل. قوله: "يكتادان": يفتعلان من الكيد، مبنيٌّ للمفعول. قوله: "ورضيفهما" مجرور عطفاً على المضاف إليه، ومرفوع عطفاً على قوله: "وهو لبن"، وهو الموضوع فيه الحجارة المحماة لينعقد وتزول رخاوته. قوله: "حتى ينعق بها"؛ أي: يصيح بالغنم.
(63)
أي: غمس يده في شيء فيه تلوين؛ تأكيداً لحلفه على عادتهم في التحالف.
العاصِ بنِ وائلٍ السَّهْميِّ، وهو على دينِ كفارِ قريش، فأَمِناهُ، فدَفَعا إليهِ راحِلَتَيْهِما، وواعَداهُ غارَ ثَوْرٍ بعدَ ثلاثِ ليالٍ براحِلَتَيْهِما صُبْحَ ثلاثٍ، وانْطَلَقَ معهُما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ [يُعْقِبَانِهِ]، والدَّليلُ، فأَخذَ بهِم طريقَ السواحِلِ [حتى قَدِما المدينَةَ، فقُتِلَ عامرُ بنُ فُهَيْرةَ يومَ بئرِ مَعُونَةَ].
[(تُرِيحُونَ): بالعَشِيِّ. (تَسْرَحُونَ): بالغَداةِ 4/ 190](64).
1659 -
عن سُراقَةَ بنِ جُعْشُمٍ قالَ: جاءَنا رسولُ كُفَّارِ قريشٍ؛ يَجْعَلونَ في رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبى بكرٍ دِيَةً؛ كُلِّ واحدٍ منهُما (65)؛ مَن قتلَهُ أو أسَرةُ، فبَيْنَما أنا جالسٌ في مَجْلِسٍ مِن مجالِسِ قومي بَني مُدْلجٍ؛ أقبلَ رجُلٌ منهُم، حتّى قامَ علينا ونحنُ جلوسٌ، فقالَ: يا سُراقةُ! إنِّي قد رأَيْتُ آنفاً أسودةً بالسَّاحِلِ، أُراها محمَّداً وأصْحابَهُ. قالَ سُراقَةُ: فعَرَفْتُ أنَّهم هُم، فقُلتُ لهُ: إنَّهُم ليسوا بهِمْ، ولكنَّكَ رأَيْتَ فُلاناً وفلاناً انطلَقوا بأَعْيُنِنا يَبْتَغونَ ضالَّةً لهُم، ثمَّ لَبِثْتُ في المجلسِ ساعةً، ثمَّ قمتُ فدَخَلْتُ، فأمَرْتُ جارِيتي أنْ تَخْرُجَ بفَرَسي -وهيَ مِن وراءِ أكَمَةٍ- فتَحْبِسَها عليَّ، وأخَذْتُ رُمْحي فخَرَجْتُ به مِن ظهرِ البيتِ، فحَطَطْتُ بزُجِّهِ الأرضَ، وخَفَضْتُ عالِيَهُ (66) حتَّى أتَيْت فرَسي فركِبْتُها، فرفَعْتُها تُقَرِّب بي، حتَّى دنَوْتُ
(64) كانت هذه الزيادة في الأصل عقب حديث البراء المتقدم (1544)، فنقلته إلى هنا، فإنه يحمل هذه اللفظة؛ بخلاف حديث البراء، فليس لها فيه ذكر؛ كما قال الحافظ.
(65)
أي: مائة من الِإبل؛ كما في رواية موسى بن عقبة عن الزهري.
(66)
وكل ذلك لِإخفاء أمره حتى لا يتبعه أحد، فيشركه في الجعالة. قوله:"فحططت بزجه الأرض"؛ أي: أمكنت أسفل الرمح من الأرض. قوله: "فرفعتها"؛ أي: أسرعت بها السير، وروي بتشديد الفاء. و (التقريب): ضرب من الِإسراع؛ دون العدو، وفوق العادة.
منهُم، فعَثَرَت بي فَرَسي، فخَرَرْتُ عنها، فقمْتُ، فأهْوَيْتُ يدي إلى كِنانَتي، فاسْتَخْرَجْتُ منها الأزْلامَ، فاسْتَقْسَمْتُ بها أضُرُّهُم أمْ لا؟ فخَرَجَ الذي أكْرَهُ، فرَكِبْتُ فرَسي، وعصَيْتُ الأزْلامَ، تُقَرِّبُ بي، حتَّى إذا سمِعْتُ قراءَةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو لا يَلْتَفِتُ، وأبو بكر يُكْثِرُ الِالْتِفاتَ؛ ساخَتْ يَدا فرَسي في الأرضِ حتَّى بَلَغَتا الركْبَتَيْنِ (67)، فخَرَرْتُ عنها، ثمَّ زَجَرْتُها، فنَهَضْتُ، فلمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يدَيها، فلمَّا استَوَتْ قائمةً؛ إذا لأثَرِ يدَيْها عُثَانٌ (68)، ساطعٌ في السماءِ مثلُ الدُّخانِ، فاسْتَقْسَمْتُ بالأزْلامِ، فخَرَجَ الذي أكْرَهُ، فنادَيْتُهم بالأمانِ، فوَقَفُوا، فرَكِبْتُ فرسي حتَّى جِئْتُهم، ووقَعَ في نَفْسي حينَ لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِن الحَبْسِ عنهُم؛ أنْ سَيَظْهَرُ أمرُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ لهُ: إنَّ قومَكَ قدْ جَعَلوا فيكَ الدِّيَةَ، وأخْبَرتُهم أخبارَ ما يُريدُ الناسُ بهِم، وعَرَضْت عليهِمُ الزَّادَ والمتاعَ، فلمْ يَرْزَآني (69)، ولم يسأَلاني إلَّا أنْ قالَ:"أخْفِ عنَّا"، فسألتُهُ أنْ يَكْتُبَ لي كتابَ أمْنٍ، فأَمَرَ عامرَ بنَ فُهَيْرَةَ فكَتَبَ في وُقْعَةٍ مِن أَديمٍ، ثمَّ مضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (70).
(67) قلت: فيه دليل علىَّ أن ركبتي الفرس في مقدمتيه، وكذلك كلَّ ذوات الأربع؛ كالبعير، وقد خفيت هذه الحقيقة على بعض العلماء؛ كابن القيم الله تعالى، فسوَّد صفحات في بيان خطإ قول الراوي في الحديث الصحيح:"إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه). فزعم أنه مقلوب، وأن الصواب: "فيضع ركبتيه قبل يديه"، وأنكر قول من يقول "إن ركبتي البعير في مقدمتيه"، مع أنه معروف في كتب اللغة؛ مثل "القاموس" وغيره وفي الاستعمال العربي؛ كهذا النص الصحيح. والعصمة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم.
(68)
أي: دخان من غير نار، وروي بدله:"غبار"، وهو مبتدأ، خبره قوله:"لأثر يديها"، و"إذا": كلمة مفاجأة، وهي جواب لمَّا. وقوله:"ساطع"؛ أي: منتشر مرتفع.
(69)
أي: لم يأخذا ولم ينقصا من الزاد والمتاع الذي معي شيئاً. (أديم)؛ أي: جلد مدبوغ.
(70)
هذا الحديث مما استدركه الحاكم (3/ 6 - 7)، وهو وهم.
1660 -
عن عُروةَ بنِ الزبيرِ (71) أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزبيرَ في رَكْبٍ مِن المسلمينَ؛ كانوا تِجَاراً قافلينَ مِن الشامِ، فكَسا الزُّبيرُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ ثيابَ بَياضٍ، وسمِعَ المسلمونَ بالمدينةِ مَخْرَجَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن مكَّةَ، فكانوا يَغْدُونَ كلَّ غداةٍ إلى الحَرَّةِ، فيَنْتَظِرونَهُ حتى يَرُدَّهُم حرُّ الظهيرةِ، فانْقَلبوا يوماً بعدَ ما أطالوا انْتِظارَهُم، فلمَّا أووْا إلى بيوتهم؛ أوْفى (*) رجلٌ من يهودَ على أُطُمٍ مِن آطامِهِم لأمرٍ ينظُرُ إليهِ، فبَصُرَ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ مُبَيَّضِينَ، يَزولُ بهِمُ السَّرابُ (72)، فلم يملِك اليهودِىُّ أنْ قالَ بأعْلى صوتهِ: يا مَعاشِرَ العربِ! هذا جَدُّكُم الذي تَنْتَظِرونَ. فثارَ المسلمونَ إلى السِّلاحِ، فتَلَقَّوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بظَهْرِ الحَرَّةِ، فعَدَلَ بهِم ذاتَ اليمينِ، حتَّى نزلَ بهِمْ في بَني عمرِو بنِ عوفٍ (73)، وذلك يومَ الاثنينِ مِن شهرِ ربيعٍ الأولِ، فقامَ أبو بكرٍ للنَّاسِ، وجلَسَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صامِتاً، فطَفِقَ مَن جاءَ مِن الأنصار ممَّنْ لمْ يَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُحَيِّى أبا بكرٍ، حتَّى أصابَتِ الشمسُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأَقبَلَ أبو بكرٍ حتَّى ظَلَّلَ عليهِ بردائِهِ، فعَرَفَ النَّاسُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عندَ ذلك.
فلَبِثَ رسولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم في بني عمرِو بنِ عوفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ ليلةً، وأُسِّسَ المسجِدُ الذي أُسِّس على التُّقوى، وصلَّى فيهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثمَّ رَكِبَ راحِلَتَهُ،
(71) صورته مرسل؛ لكن وصله الحاكم (3/ 11) عن عروة أنه سمع الزبير به.
(5)
أي: طلع. و (أُطُم): حصن.
(72)
أي: يزول السراب عن النظر بسبب عروضهم له. وقوله: "هذا جدُّكم"؛ أي: حظكم، وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه. كذا في "العيني".
(73)
ومنازل بني عمرو ب (قباء)، وهي على فرسخ من المسجد النبوي. أفاده العيني. قوله:"للناس"؛ أي: يتلقاهم.
فسارَ يمشي معهُ الناسُ، حتَّى برَكَتْ عندَ مَسْجِدِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالمدينةِ، وهو يُصَلِّي فيهِ يوميذٍ رجالٌ مِن المسلمينَ، وكانَ مِرْبَداً (74) للتَّمْرِ لسُهَيْلٍ وسَهْلٍ: غُلامينِ يتيمينِ في حَجْرِ أسعَدَ بنِ زُرارةَ، فقالَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ بَرَكَتْ بهِ راحلَتُةُ:
"هذا إنْ شاءَ الله المَنْزِلُ"، ثمَّ دعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الغلامينِ، فَساومَهُما بالمِرْبَدِ؛ ليتَّخِذَهُ مسجداً، فقالا: بل نَهَبُهُ لكَ يا رسولَ اللهِ! فأبى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَقْبَلَهُ منهُما هِبَةً؛ حتى ابْتاعَهُ منهُما، ثمَّ بناهُ مسجداً، وطَفِقَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْقُلُ معَهُمُ اللَّبِنَ في بُنْيانِهِ، ويقول:
"هذا الحِمَالُ (75) لا حِمالُ خَيْبَر
…
هذا أبَرُّ رَبَّنا! وأَطْهَرْ"
ويقول:
"اللهُمَّ! إنَّ الأجرَ أجْرُ الآخِرَهْ
…
فارْحَمِ الأنصارَ والمُهاجِرَهْ"
فتَمَثَّلَ بشعرِ رجلٍ مِن المسلمينَ لمْ يسَمَّ لي.
قالَ ابنُ شِهابٍ: ولمْ يَبْلُغنا في الأحاديثِ أنَّ رسولَ اللهِ- صلى الله عليه وسلم تمثَّلَ ببيتِ شعرٍ تامٍّ غيرَ هذا البيتِ.
739 -
وقالَ ابن عباس: أسماءُ: ذاتُ النِّطاقِ.
1661 -
عن أسماءَ رضي الله عنها أنَّها حَمَلَتْ بعبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ [بمكَّةَ
(74)(المربد): الموضع الذي يجفف فيه التمر.
(75)
أي: هذا المحمول الذي نحمله أطيب من محمول الناس الذي يحملونه من خيبر من التمر والزبيب.
739 -
وصله المصنف في حديث لابن عباس يأتي في "ج 3/ 65 - التفسير/ 9 - السورة /8 - باب".
6/ 216]، قالتْ: فخَرَجْتُ وأنا مُتِمٌّ (76)، فأتَيْتُ المدينةَ، فنَزَلْتُ بِ (قُبَاءٍ)، فوَلَدْتُه بِ (قُبَاءٍ)، ثم أتَيْتُ بهِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، ثم دَعا بتَمْرةٍ فمَضَغَها، ثمَّ تَفَلَ في فيهِ، فكانَ أوَّلَ شيءٍ دَخَلَ جوفَهُ رِيقُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم حَنَّكَهُ بِتَمْرةٍ (وفي روايةٍ: فأخذَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تمرةً فَلَاكَها، ثم أَدْخَلها في فيهِ)، ثمَّ دَعا لهُ وبرَّكَ عليهِ، وكانَ أولَ مولودٍ وُلِدَ في الِإسلامِ، [فَفَرِحُوا بهِ فرحاً شديداً؛ لأنَّهُم قيل لهم: إنَّ اليهودَ قدْ سَحَرَتْكُم، فلا يولَدُ لكُم".
1662 -
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: أقبلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ وهو مُرْدِفٌ أبا بكرٍ، وأبو بكرٍ شيخ (77) يُعْرَفُ، ونبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم شاب لا يُعْرَفُ، قالَ: فَيَلْقى الرجلُ أبا بكرٍ، فيقولُ: يا أبا بكرٍ! مَن هذا الرجلُ الذي بينَ يديْكَ؟ فيقولُ: هذا الرجلُ يَهْدِيْني السَّبيلَ. قالَ: فيَحْسِبُ الحاسِبُ أنَّهُ إنَّما يعني الطريقَ، وإنَّما يعني: سبيلَ الخيرِ، فالْتَفَتَ أبو بكرٍ فإذا هو بفارِسٍ قدْ لَحِقَهُم، فقالَ: يا رسولَ اللهِ! هذا فارسٌ قدْ لَحِقَ بنا، فالْتَفَتَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ:
"اللهُمَّ! اصْرَعْهُ"، فصَرَعَهُ الفرسُ، ثمَّ قامَتْ تُحَمْحِمُ (78)، فقالَ: يا نبيَّ اللهِ! مُرني بمَ شئت. فقالَ:
"فقِفْ مكانَكَ؛ لا تَتْرُكَنَّ أحداً يَلْحَقُ بنا"، قالَ: فكانَ أوَّلَ النهارِ جاهداً على نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكانَ آخر النهارِ مَسْلحَةً لهُ.
(76) أي: قد أتممت مدة الحمل الغالبة، وهي تسعة أشهر.
(77)
قد أسرع إليه الشيب في لحيته الكريمة. (يعرف)؛ لتردده إليهم للتجارة. (شاب): ليس في لحيته الشريفة شيب، وكان أسنَّ من الصديق. (لايعرف)؛ لعدم تردده إليهم.
(78)
و (الحمحمة): صوت الفرص عند الشعير.
فنزلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جانبَ الحرَّةِ، ثمَّ بعَثَ إلى الأنصارِ، فجاؤُوا إلى نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ فسلَّمُوا عليهِما، وقالوا: اركَبا آمِنَيْنِ مُطاعَيْنِ. فركِبَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وحَفُّوا دونَهما بالسِّلاحِ (79)، فقيلَ في المدينةِ: جاءَ نبي اللهِ، جاءَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فأشْرَفُوا ينظُرُونَ، ويقولونَ: جاءَ نبيُّ اللهِ، فأقبلَ يسيرُ حتَّى نزَلَ جانبَ دار أبي أيوبَ.
فإنَّهُ ليُحَدِّثُ أهلَهُ؛ إذ سمِعَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ، وهو في نخلٍ لأهلِهِ يَخْتَرِفُ لهُم (80)، فعَجِلَ أنْ يَضَعَ الذي يَخْتَرِفُ لهُم فيها، فجاءَ وهيَ معهُ، فسَمعَ مِن نبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم رجَعَ إلى أهلِهِ.
فقالَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"أيُّ بيوتِ أهلِنا أقْرَبُ؟ "، فقالَ أبو أيوبَ: أنا يا نبيَّ اللهِ! هذهِ داري وهذا بابي. قالَ:
"فانْطَلِقْ، فَهْيَ (*) لنا مَقِيْلاً"، قالَ: قُوما على بركَةِ اللهِ تعالى.
فلمَّا جاءَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ جاءَ عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ [يسأَلُهُ عنْ أشياءَ؟ فقالَ: إنِّي سائِلُكَ عن ثلاثٍ لا يعْلَمُهُنَّ إلا نبيُّ: ما أَوَّلُ أشراطِ الساعَةِ؟ وما أَوَّلُ طعامٍ يأكُلُهُ أهلُ الجنَّةِ؛ وما بالُ الولَدِ يَنْزِعُ إلى أبيهِ أوْ إلى أمِّهِ؟ (وفي روايةٍ: ومن أىِّ شيءٍ يَنْزِعُ
(79) أي: أحدقوهما.
(80)
أي: يجتني لهم.
(*) قوله: "فَهْيَ لنا": بسكون الهاء، والذي في (اليونينية): بفتحها وتشديد التحتية بحدها همزة ساكنة. (شارح).
إلى أخوالِهِ؟ 4/ 102). قالَ:
"أخْبَرَني بهِ جبريلُ آنفاً"، قالَ ابنُ سلامٍ:[نعمْ]؛ ذاكَ عدُوُّ اليهودِ مِن الملائكةِ، أفقرأ هذهِ الأيةَ:
{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} 5/ 148]؛ قال:
"أمَّا أوَّلُ أشْراطِ الساعةِ؛ فنارٌ تَحْشُرُهُم (وفي روايةٍ: الناسَ) من المشرقِ إلى المَغْرِبِ، وأما أوَّلُ طعامٍ يأْكُلُهُ أهلُ الجنةِ؛ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الحُوتِ، وأمَّا [الشَّبَهُ في] الولدِ؛ فإذا سبَقَ ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ؛ نَزعَ الولدَ، وإذا سَبَقَ ماءُ المرأةِ ماءَ الرجُلِ؛ نَزَعَتِ الوَلَدَ (وفي روايةٍ: فإنَّ الرجلَ إذا غَشِيَ المرأةَ، فسَبَقَها ماؤُهُ؛ كانَ الشَّبَهُ لهُ، وإذا سَبَقَ ماؤُها؛ كانَ الشَّبَهُ لها) 4/ 268]، فقالَ: أشهَدُ [أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشْهَدُ، أنك رسولُ اللهِ، وأنكَ جئت بحَق، [ثُمَّ قالَ: يا رسولَ اللهِ! إنَّ اليهودَ قومٌ بُهْتٌ، إنْ عَلِمُوا بإسْلامي قبلَ أنْ تَسْألَهُم؛ بَهَتُوني عندكَ 4/ 103]، وقدْ عَلِمَتْ يهودُ أنِّي سيِّدُهم وابنُ سيِّدِهم، وأَعْلَمُهُم وابنُ أعْلَمِهم، فادْعُهم، فاسْألهُم عنِّي قبلَ أنْ يَعْلَمُوا أنِّي قدْ أسْلَمْتُ، فإنَّهُم إنْ يَعْلَمُوا أنِّي قدْ أسْلَمْتُ؛ قالوا فِيَّ ما ليسَ فِيَّ. فأرْسَلَ نبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم، [ودخَلَ عبدُ اللهِ البيتَ]، فأَقْبَلُوا فدَخَلوا عليهِ، فقالَ لهُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
"يا معشَرَ اليهودِ! ويْلَكُمُ اتقوا اللهَ، فواللهِ الذي لا إلهَ إلا هو؛ إنكُم لَتَعْلَمونَ أنِّي رسولُ اللهِ حقًّا، وأنِّي جِئْتُكُم بحقِّ، فأَسْلِموا". قالوا: ما نَعْلَمُهُ. قالوا للنِّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالها ثلاثَ مِرارٍ. قالَ:
"فأيُّ رجُلٍ فيكُم عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ؟ ". قالوا: ذاكَ سيِّدُنا وابنُ سيِّدِنا،
وأعْلَمُنا وابنُ أعْلَمِنا، [وأخْيَرُنا وابنُ أخْيَرِنا، وأفضَلُنا وابنُ أفْضَلِنا]. قالَ: "أَفرَأَيْتُم إنْ أسْلَمَ؟ ". قالوا: حاشى للهِ؛ ما كانَ لِيُسْلِمَ. قالَ: "أفَرَأَيْتُم إنْ أسْلَم؟ ". قالوا: حاشى للهِ؛ ما كانَ لِيُسْلِمَ. قالَ: "أفَرَأَيْتُم إنْ أسْلَمَ؟ ". قالوا: حاشى للهِ؛ ما كانَ لِيُسْلِمَ (وفي روايةٍ: أعاذهُ اللهُ مِن ذلك. في الموضعينِ). قالَ:
"يا ابنَ سَلَامٍ! اخْرُجْ عليهِم"، فخَرَجَ [عبدُ اللهِ إليهِم، فقالَ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهَدُ أنَّ محمداً رسولُ اللهِ. فقالوا: شَرُّنا وابنُ شرِّنا، ووَقَعُوا فيهِ!]، فقالَ: يا معشرَ اليهودِ! اتَقُوا اللهَ، فواللهِ الذي لا إلهَ إلا هو؛ إنَّكُم لَتَعْلَمونَ أنَّهُ رسولُ اللهِ، وأنَّه جاءَ بحَقٍّ. فقالوا لهُ: كَذَبْتَ (وفي الروايةِ الأُخرى: قالوا: شَرُّنا وابنُ شرِّنا، وانْتَقَصُوهُ. قالَ: فهذا الذي كنتُ أخافُ يا رسولَ اللهِ!)، فأخْرَجَهُم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
1663 -
عنِ ابنِ عُمرَ عن عمرَ بنِ الخطَابِ رضي الله عنه قالَ:
كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِى أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَمِائَةٍ فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ؟ قَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ. يَقُولُ لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ.
1664 و 1665 - عن أبي بُردةَ بنِ أبي موسى الأشعريِّ قال: قالَ لي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: هَلْ تَدْرِى مَا قَالَ أَبِى لأَبِيكَ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَإِنَّ أَبِى قَالَ لأَبِيكَ: يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ يَسُرُّكَ إِسْلَامُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِجْرَتُنَا مَعَهُ، وَجِهَادُنَا مَعَهُ، وَعَمَلُنَا كُلُّهُ مَعَهُ، بَرَدَ لَنَا (81)، وَأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدَهُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا؛ رَأْسًا
(81) أي: ثبت لنا سالمًا.
بِرَأْسٍ؟ فَقَالَ أَبِي: لَا وَاللَّهِ؛ قَدْ جَاهَدْنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَصَلَّيْنَا، وَصُمْنَا، وَعَمِلْنَا خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَسْلَمَ عَلَى أَيْدِينَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَإِنَّا لَنَرْجُو ذَلِكَ. فَقَالَ أَبِي: لَكِنِّى أَنَا -وَالَّذِى نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ- لَوَدِدْتُ أَنَّ ذَلِكَ بَرَدَ لَنَا، وَأَنَّ كُلَّ شَىْءٍ عَمِلْنَاهُ بَعْدُ نَجَوْنَا مِنْهُ كَفَافًا؛ رَأْسًا بِرَأْسٍ.
فَقُلْتُ: إِنَّ أَبَاكَ -وَاللَّهِ- خَيْرٌ مِنْ أَبِي.
1666 -
عن أبي عثمانَ النَّهْدْىِّ قالَ: سمِعْتُ ابنَ عمرَ رضي الله عنهما إِذَا قِيلَ لَهُ: هَاجَرَ قَبْلَ أَبِيهِ؛ يَغْضَبُ (82).
قَالَ: وَقَدِمْتُ أَنَا وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدْنَاهُ قَائِلاً، فَرَجَعْنَا إِلَى الْمَنْزِلِ، فَأَرْسَلَنِى عُمَرُ، وَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ هَلِ اسْتَيْقَظَ؟ فَأَتَيْتُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ، فَانْطَلَقْنَا إِلَيْهِ نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَبَايَعَهُ ثُمَّ بَايَعْتُهُ.
1667 -
عَنْ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِى أَصْحَابِهِ أَشْمَطُ (83) غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ (572 - وفى روايةٍ معلقةٍ: فكان أسنَّ أصحابة أبو بكرٍ)، فَغَلَّفَهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. [حتى قَنَأ لَوْنُها].
1668 -
عن عائشةَ أنَّ أبا بكرٍ رضىِ اللهُ عنه تزوَّجَ امرأةً مِن كَلْبٍ يُقالُ لها:
(82) يعني؛ أنه لم يهاجر إلا صحبة أبيه كما تقدم.
(83)
هو من خالط شعره الأسود بياض. وقوله: "فغلفها" بتشديد اللام وتخفيفها، والمعنى: فلطخ لحيته وسترها بالحناء والكتم؛ كما في (الشارح). وقوله: "قنأ":أي: اشتدت حمرتها.
572 -
هذه الرواية وصلها الإسماعيلي.
قلت: وإسناده صحيح، وقد ساقه في "التغليق"(4/ 97).