الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي أن النسل الذين لم يكونوا قد وُجدوا بعد قد أنابوا أباهم آدم ليخطئ بالنيابة عنهم، ومن ثَمَّ فإن كل إنسان فاسد بطبيعته وأيضًا خاطئ وفاسد بأعماله، هذا هو جوهر الخطأ والباطل والظلم واللامعقول الذي بُنيت عليه عقائد المسيحية كلها ففيه مصادمة للعدالة الإلهية، قال تعالى:{أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} (النجم 38: 41)، وفيه تجاهل لتوبة آدم من معصيته، وقبول الله سبحانه لتوبته، والاعتقاد أن آدم عليه السلام عندما أخطأ قد تاب عن نسله في الخطيئة، هذا القول مصادم للحقيقة التي تقول: إن الإنسان يُولد على الفطرة والبراءة، فكل هذا التصوير الظالم لحال آدم وذريته واللعنة المؤبدة والموروثة لماذا؟ لكي يصبح فداء المسيح - بذبحه وصلبه - مبررًا (1).
الوجه السابع: الإسلام يقرر أن كل إنسان مُحاسب عن نفسه
.
فالإسلام لا يعرف الخطيئة الموروثة، ولا يعرف السقوط عن طبيعة إلى ما دونها، فلا يُحاسب أحد بذنب أبيه ولا تزر وازرة وزر أخرى، وليس مما يدين به المسلم أن يرتد النوع الإنساني ما دون طبيعته، ولكنه مما يؤمن به أن ارتفاع الإنسان وهبوطه منوطان بالتكليف، وقوامه الحرية والتبعة، فهو بأمانة التكليف قابل للصمود إلى قمة الخليقة، وهو قابل للهبوط إلى أسفل سافلين، فهذا الإنسان من أحسن تكوين إلى أسفل سافلين، ولا يزال في الحالين إنسانًا مكلفًا قابلًا للنهوض بنفسه بعد العثرة قابلًا للتوبة بعد الخطيئة محاسبًا لما جنت يداه غير محاسبٍ لما جناه غيره، قال تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)} ، وقال:{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (2).
الفصل الخامس: كيف يكون في العفو عن المذنب تناقض بين العدل والرحمة الإلهية
؟ .
الوجه الأول: بيان المقصود بالعدل، وبم تحقق العدل
.
قال أهل السنة والحديث ومن وافقهم: إن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه،
(1) دراسات في اليهودية والنصرانية لمحمد ضياء الأعظمي (504).
(2)
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه لعباس العقاد (59: 62).
وهو سبحانه حكم عدل لا يضع الشيء إلا في موضعه الذي يناسبه ويقتضيه العدل والحكمة والمصلحة، وهو سبحانه لا يفرق بين متماثلين ولا يساوي بين مختلفين ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة، ويضعها بوضعها لما في ذلك من الحكمة ولا يعاقب أهل البر والتقوى، وهذا قول أهل اللغة قاطبةً.
قال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112)} قال المفسرون من السلف والخلف قاطبةً إن الظلم أن يحمل عليه سيئات غيره، والهضم هو أن ينقص من حسنات العامل (1).
فإن من عدل الرب أن لا ينقص أحدًا من حسناته ولا يعاقبه إلا بذنبه لم يجز حينئذ أن يعاقب ذرية آدم بذنب أبيهم ولم يجز أن يعاقب الأنبياء الذين ليس لهم ذنب إلا ذنبًا تابوا منه بذنب غيرهم فإن الأنبياء معصومون أن يقروا على ذنب فكل من مات منهم مات وليس له ذنب يستحق عليه العقوبة فكيف يعاقبون بعد الموت بذنب أبيهم؟ إن قدر أنه مات مصرًا على الذَّنْبَ مع أن هذا تقدير باطل (2).
والعدل إذا كان مصدرًا فمعناه خلاف الجور (الظلم) وهو ما قام بالنفوس أنه مستقيم، وقال الراغب: الظلم هو الانحراف عن العدل، ولذلك حد بأنه وضع الشيء في غير موضعه المخصوص به (3).
والنصارى يظنون أن العدل معناه وجوب معاقبة المذنب على ذنبه، والحق أن العدل معناه المساواة، فإذا ساوى الله تعالى بين جميع عباده في معاملته معهم بأن غفر مثلًا لجميع المذنبين وزاد في مقابلة ذلك في أجر المحسنين فهو لا شك عادل لغةً وعرفًا وعقلًا، وكذلك إذا وفَّى كل مخلوق حقه تمامًا بلا نقص في الأجر ولا زيادة في العقاب عما يستحقه كل شخص، ولا
(1) مختصر الصواعق المرسلة 1/ 222.
(2)
الجواب الصحيح لابن تيمية 1/ 220.
(3)
موسوعة نضرة النعيم 10/ 4872.