الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: تناقضات الكتاب المقدس
.
تمهيد:
التناسق الداخلي شرط لا يختلف العقلاء على لزوم اشتراطه في توثيق نسبة أي كتاب إلى الله عز وجل، فالكتاب الذي يكذِّب بعضه بعضًا، لا يمكن اعتباره كتابًا مقدسًا، كما لا يمكن اعتبار بقيته مقدسًا، إذ وجود الكذب في بعضه يطرح الشك في مصدره الكاذب {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} (النساء: 82).
ولوجود التناقضات في الكتاب المقدس دلالات كثيرة أهمها: أنه يثبت أن هذه الأسفار بشرية في مصدرها، فقد وقع كُتّابها فيما يقع فيه البشر الضعفاء الذين يتوقع منهم الجهل، ولو كانت هذه الأسفار ملهمة من قبل الله لما خالف كُتابها بعضَهم فيما أوردوه من معلومات تاريخية وغيرها.
ووقوع الخطأ من أحد المتناقضين من كُتَّاب التوراة في قضايا بسيطة يسهل حفظها والتمكن منها يشير إلى إمكانية بل تحقق وقوع مثله في المسائل اللاهوتية والغيبية التي تحتاج إلى مزيد من العناية والتدقيق.
وهذه التناقضات التي نسوقها، معظمها توصلنا إليه من خلال دراسة أجزاء تم إعادة كتابتها ثانية من قبل كتاب الأسفار، ولو كتبت بقية الأجزاء ثانية لوقفنا على تناقضات تطال كل صفحة من صفحات هذا الكتاب الذي يدعي البعض أنه مقدس. (1)
أولًا: في العهد القديم
أنواع التناقضات الواردة في العهد القديم
التناقضات التوراتية كثيرة، ومنها ما هو متعلق باصول المعتقد، ومنها ما هو متعلق بصفات الله عز وجل، فالأسفار التوراتية تصف الله بالصفة ونقيضها.
أولًا: المتعلق بصفات الله عز وجل
1 -
وتحدثنا التوراة عن الله العظيم العليم، فتذكر أنه ليس كمثل البشر وضعفهم، فهو لا يندم ولا يكذب، فتقول: "19 لَيْسَ الله إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ، وَلَا ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ. هَلْ يَقُولُ وَلَا يَفْعَلُ؟ أَوْ
(1) هل العهد القديم كلمة الله؟ (133).
يَتكلَّمُ وَلَا يفي؟ " (العدد 23/ 19)، فالندم صفة الإنسان الجهول بعواقب الأمور "29 وَأيضًا نَصِيحُ إِسْرَائِيلَ لَا يَكْذِبُ وَلَا يَنْدَمُ، لأنهُ لَيْسَ إِنْسَانًا ليَنْدَمَ"."(صموئيل (1) 15/ 29).
ولكن التوراة تناقض ذلك فتنسب إلى الله الندم على أمور صنعها، ومن ذلك ندمه على اختيار شاول للك بني إسرائيل، حيث يقول:"وَكَانَ كَلَامُ الرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ قَائِلًا: ""نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكًا، لأنهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلَامِي". " (صموئيل (1) 15/ 10)، فهل الله يندم أم لا؟ .
3 -
وتذكر التوراة أن الله لا يرى "15 حَقًّا أَنْتَ إِلهًا محُتجِبٌ يَا إِلهَ إِسْرَائِيلَ المخَلِّصَ. "(إشعيا 45/ 15)، والإنسان لا يقدر على رؤيته، فقد قال الله لموسى:"20 وَقَال: "لَا تَقْدِرُ أَنْ ترَى وَجْهِي، لأَنَّ الإِنْسَانَ لَا يَرَانِي وَيَعِيشُ"."(الخروج 33/ 20).
لكن الأسفار التوراتية تذكر كثيرين رأوا الله، منهم شيوخ بني إسرائيل "ثُمَّ صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ وَنَادَابُ وَأَبِيهُو وَسَبْعُونَ مِنْ شُيُوخِ إِسْرَائِيلَ، 10 وَرَأَوْا إِلهَ إِسْرَائِيلَ"(الخروج 24/ 9)، ومنهم يعقوب فقد رآه حين صارعه "30 فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ "فَنِيئيلَ" قَائِلًا:"لأَنِّي نَظَرْتُ الله وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي"." (التكوين 32/ 30).
وقد يزعم البعض أن الذين رأوا الله رأوه حال تجسده، ولم يروه على هيئته وفي صورة مجده، ويرون أن المنفي رؤيته هو الله في مجده، وهذا التفريق لا دليل عليه، وتدحضه النصوص التي تحدثت عن أناس رأوا الله في صورة مجده.
منهم إشعيا حيث يقول: "1 فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَال وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. 2 السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ
…
5 فَقُلْتُ: "وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الجنُودِ". 6 فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى المَذْبَحِ، 7 وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَال:"إِنَّ هذ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ"." (إشعيا
6/ 7 - 1)، فقد رأى الله على عرشه وحوله الملائكة، وخاف على نفسه الموت، لأنه رأى الله الذي توعدت النصوص من يراه بالموت.
4 -
ومن تناقضات التوراة ترددها في وصف الله بالقدرة التامة تارة، وبالعجز تارة أخرى، فقد وصفه سفر طوبيا بوصف حق حين قال:"لا إله قادر على كل شيء سواه"(طوبيا 13/ 4).
وهذا المعتقد الصحيح تنقضه التوراة في مواطن كثيرة، نسبت إلى الله العجز كما في غلبة يعقوب عليه في المصارعة (انظر: التكوين 32/ 24 - 32)، كما عجز عن طرد الكنعانيين الذين كانوا يمتلكون مركبات حديدية، إذ تقول الأسفار:"19 وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يَهُوذَا فَمَلَكَ الجبَلَ، وَلكِنْ لَمْ يُطْرَدْ سُكَّانُ الْوَادِي لأَنَّ لهمْ مَرْكَبَاتِ حَدِيدٍ."(القضاة 1/ 19).
5 -
وتتحدث التوراة عن رحمة الله وحلمه، فتقول:"8 الْرَّبُّ حَنَّان وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ."(المزمور 145/ 8)، ثم تنقضه حين تذكر ما حصل مع أهل بيت شمس الذين رأوا التابوت فقتلهم جميعًا، وكانوا أكثر من خمسين ألف رجل "19 وَضَرَبَ أَهْلَ بَيْتَشَمْسَ لأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى تَابُوتِ الرَّبِّ. وَضَرَبَ مِنَ الشّعْبِ خَمْسِينَ أَلْفَ رَجُل وَسَبْعِينَ رَجُلًا."(صموئيل (1) 6/ 19) فهل يستحق هذا الفعل هذه العقوبة؟ مع أن " 8 الرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ."!
6 -
وأيضًا تصف التوراة بصر الله ومعرفته بما يصنعه عباده، فتقول:"3 فِي كُلِّ مَكَانٍ عَيْنَا الرَّبِّ مُرَاقِبَتَانِ الطَّالحِينَ وَالصَّالحِينَ."(الأمثال 15/ 3)، وتقول:"الرَّبَّ إِلا عَلِيمٌ"(صموئيل (1) 2/ 3).
ولكن في سفر التكوين تنقضه، فتجعله جاهلًا ببعض صنائع عباده، إذ لما اختبأ آدم في الجنة بحث عنه الإله "فَنَادى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَقَال لَهُ:"أَيْنَ أَنْتَ؟ "." (التكوين 3/ 9)، ثم لم يعرف أن آدم أكل من الشجرة وصار عارفًا للخير من الشر، وأنه قد أدرك سوءة العري، فقال له: "فَقَال: "مَنْ أَغلَمَكَ أَنَّكَ عُرْيَانٌ؟ هَلْ أَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ أَنْ لَا تَأْكُلَ مِنْهَا؟ "" (التكوين 3/ 11).