الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا، والله ما رأينا منهم رجلًا يسألكم عن الذي أنزل عليكم. (1)
فهذه من أعظم شهادات كبار الصحابة، لصدروها عن حبر هذه الأمة بتحريف اليهود والنصارى لأسفارهم. وقوله صلى الله عليه وسلم:(تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ). قال الحافظ في الفتح: "أي لم يخالطه غيره". وهي إشارة جلية من ابن عباس رضي الله عنه على أن كتب أهل الكتاب قد اختلطت بالتحريف والكذب، فلم تُصبح نقية، أما القرآن فلم يخالطه غيره.
قال الحافظ: "قوله (أَفلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ وَلَا وَالله مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا قَطُّ يَسْألكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيكُمْ) فيه تأكيد الخبر بالقسم، وكأنه يقول: لا يسألونكم عن شيء مع علمهم بأن كتابكم لا تحريف فيه، فكيف تسألونهم وقد علمتم أن كتابهم محرف". (2)
5 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى)(3).
وكان هذا في وجود معظم الصحابة رضي الله عنه، مما يعني علمهم اليقيني مما استاقوه من كلام ربهم وفهمهم لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اليهود والنصارى قد حرفوا أسفارهم فاختلفوا من بعد ذلك يكفر بعضهم بعضًا.
6 -
وعن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (كانت ملوك بعد عيسى ابن مريم عليه السلام بدلوا التوراة والإنجيل وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة)(4).
ثالثا: أقوال العلماء في التحريف
1 -
قال العلامة ابن كثير في تفسير قول الله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ
(1) رواه البخاري (6929).
(2)
فتح الباري 13/ 499.
(3)
أخرجه البخاري (4604).
(4)
رواه النسائي (5400)، وإسناده صحيح.
الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (يونس: 94)(وهذا فيه تثبيت للأمة وإعلام لهم أن صفة نبيهم صلى الله عليه وسلم موجودة في الكتب المتقدمة التي بأيدي أهل الكتاب كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157]. ثم مع هذا العلم الذي يعرفونه من كتبهم كما يعرفون أبنائهم يلبسون ذلك ويحرفونه ويبدلونه ولا يؤمنون به مع قيام الحجة عليهم)(1).
وقال رحمه الله: (وذكر غير واحد أن الإنجيل نقله عنه (أي عن المسيح) أربعة: لوقا ومتَّى ومرقس ويوحنا، وبين الأناجيل الأربعة تفاوت كثير بالنسبة لكل نسخة ونسخة وزيادات كثيرة ونقص بالنسبة إلى الأخرى ..... وقد اختلفوا في نقل الأناجيل على أربعة أقاويل ما بين زيادة ونقصان وتحريف وتبديل ((2).
2 -
قال الإمام القرطبي الأندلسي ما نصه: (إن الكتاب الذي بأيدي النصارى الذي يسمونه بالإنجيل ليس هو الإنجيل الذي قال الله فيه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ} (آل عمران: 3 - 4)(1).
وقال أيضًا: (فظهر من هذا البحث أن الإنجيل المدعى لم ينقل تواترًا، ولم يقم دليل على عصمة ناقليه. فإذًا يجوز الغلط والسهو على ناقليه فلا يحصل العلم بشيء منه، ولا غلبة الظن، فلا يلتفت إليه، ولا يعول في الاحتجاج عليه. وهذا كاف في رده وبيان قبول تحريفه وعدم الثقة بمضمونه. ولكنا مع ذلك نعمد منه إلى مواضع يتبين فيها تهافت نقلته ووقوع الغلط في نقله)(4) ثم نقل المواضع المذكورة ثم قال: (فقد حصل من هذا البحث
(1) تفسير ابن كثير 4/ 175.
(2)
قصص الأنبياء صـ 573 - 574.
(3)
الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام صـ 203.
(4)
المصدر السابق صـ 205 - 206.
الصحيح أن التوراة والإنجيل لا يحصل الثقة بهما، فلا يصح الاستدلال بهما لكونهما غير متواترين وقابلين للتغير. وقد دللنا على بعض ما وقع فيهما من ذلك. وإذا جاز مثل ذلك في هذين الكتابين، مع كونهما أشهر ما عندهم وأعظم عمدهم ومستند ديانتهم فما ظنك بغير ذلك من سائر الكتب التي يستدلون بها مما ليس مشهورًا مثلهما ولا منسوبًا إلى الله نسبتهما؟ فعلى هذا هو أولى بعدم التواتر وبقبول التحريف منهما) (1).
3 -
قال العلامة "أبو عبيدة الخزرجى" في رسالته إلى القسيس "حنا مقار العيسوي" بعد أن بيَّن له تضارب الأناجيل وما اشتملت عليه من تناقض: (وأقتصر على هذا من تهافت أناجيلكم، وما اشتملت عليه من الزلل والأباطيل. ومن طالع كتبكم (يعني كتب العهد القديم)، وأناجيلكم وجد فيها من العجائب ما يقضي له بأن شرائعكم وأحكامكم ونقولكم قد تفرقت تفرق أهل سبأ، وأنكم لا تلزمون مذهبًا، وليس هذا بغريب فأناجيلكم ما هي إلا حكايات، وتواريخ، وكلام كهنة، وتلاميذ وغيرهم حتى أني أحلف بالله الذي لا إله إلا هو، أن تاريخ الطبري عندنا أصح نقلًا من الإنجيل، ويعتمد عليه العاقل أكثر، مع أن التاريخ عندنا لا يجوز أن ينبني عليه شيء من أمر الدين، وإنما هو فكاهات في المجالس). (2)
4 -
قال شهاب الدين القرافى المالكي في شأن توراة العهد القديم: (نقول: التوراة مبدلة قطعًا، لما تقدم بيانه مما اشتملت عليه من نسبة الأنبياء عليهم السلام وخاصة عباد الله إلى الفسوق والزنا وشرب الخمر، وما يصدر من أدنى السفلة، حتى أنهم يسمون هذه الحكايات النجاسات، مع قيام الأدلة على عصمة الأنبياء، فيحصل الجزم بعدم صحة هذه التوراة). (3)
وقال في شأن الأناجيل: (ونحن ننازعهم في أن ما بين أيديهم -من الكتب- منزلة، بل هي مبدلة مغيرة في غاية الوهن والضعف، وسقم الحفظ والرواية والسند بحيث لا
(1) المصدر السابق ص 211 - 212.
(2)
بين الإسلام والمسيحية ص 149.
(3)
الأجوبة الفاخرة على الأسئلة الفاجرة ص 164.
يوثق بشيء منها) (1).
5 -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ادعوا (أي النصارى) أن محمدًا صلى الله عليه وسلم صدَّق بجميع ألفاظ الكتب التي عندهم. فجمهور المسلمين يمنعون هذا، ويقولون: إن بعض ألفاظها بُدِّل كما قد بُدِّل كثير من معانيها) (2).
6 -
قال ابن القيم: وقولهم "إن نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض ومغاربها" كذب ظاهر، فهذه التوراة التي بأيدي النصارى تخالف التوراة التي بأيدي اليهود، والتي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه، وهذه نسخ الأناجيل يخالف بعضها بعضًا ويناقضه. فدعواهم: أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شرقا وغربًا من البهت والكذب الذي يروجونه على أشباه الأنعام، وأن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعًا أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى، وأن هذه الأناجيل التي بأيدي النصارى فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعًا أن ذلك ليس في الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح) (3).
وقد بَيَّنَ أنواع التحريف الواقع في أسفار أهل الكتاب بشتى أنواعه (اللفظي والمعنوي.
7 -
يقول اللواء أحمد عبد الوهاب رحمه الله: لم تعد أسفار المسيحيين الدينية كتابًا مقدسًا، فهذا هو واقع الحال الآن. فبعد أن كانت طبعات تلك الأسفار تصدر معنونة باسم:"الكتاب المقدس"، إذ بها تصدر الآن وقد جردت من القداسة فصار عنوانها:"الكتاب"!
فمثلًا صدرت ترجمة الملك جيمس الإنجليزية، التي اعتمدت عام 1611 م هكذا: الكتاب المقدس the holy bible
ولكن صدرت الترجمة الإنجليزية التي شارك فيها اثنان وثلاثون عالمًا في منتصف هذا
(1) المصدر السابق ص 32.
(2)
الجواب الصحيح 2/ 407.
(3)
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ص 112.
القرن (1952 م) بعنوان:
الكتاب: ترجمة قياسية مراجعة the bible: revised standerd version وحدث مثل ذلك في التراجم الفرنسية، فبعد أن صدرت تحت اسم:
الكتاب المقدس LA SAINTE BIBLE إذًا بالتراجم اللاحقة تصدر هكذا: الكتاب الأورشليمي LA BIBLE de JERUSALEM
وكذلك: الترجمة المسكونية للكتاب TRADUCTION OECUMENIQU de LA BIBLe ومثل ذلك في اللغة الألمانية، فبعد أن كان العنوان هو: الكتاب المقدس DIEHEILIGE BIBLE، وصار الآن: الكتاب DIEBIBLE
(وفي العربية بعد أن كان التقليد المعروف في تسمية الأسفار الدينية بـ "الكتاب المقدس " صدرت العديد من الترجمات الحديثة فجردت الأسفار من القداسة واكتفت بذكر "الكتاب"، وأذكر منها ترجمة "كتاب الحياة").
إن السبب في هذا التغيير الهام لعنوان الأسفار الدينية واضح ومعروف لدى العلماء، وهو أن هذا "الكتاب" يحتوي في جملته، أسفارًا مؤلفة بكل معنى الكلمة. وهي ككل مؤلفات البشر لا عاصم لها من الخطأ.
والحق أن إطلاق اسم "الكتاب" فقط على أسفارهم الدينية، بعد تجريده من صفة المقدس لهو آية من آيات الله. فهذا ما خاطبهم به القرآن منذ 14 قرنًا في مثل قوله: 11 يَا أَهْلَ الْكِتَاب" ولم يقل لهم أبدًا: "يا أهل الكتاب المقدس"
…
وها هم قد عادوا مُسلِّمين بتسمية القرآن العظيم {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (النمل: 52)(1).
(1) البرهان البين في تحريف أسفار السابقين ص 50، 49.