الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجماعية، لأنه يوجد هذان النوعان في العبادة. فالصوم الفردي في الخفاء لا يمنع الصوم العام لكي يشترك كل المؤمنين معًّا في صومهم.
وتستند المسيحية في الصيام على ما جاء في العهد القديم من صوم الشعب أيام أستير وصوم أهل نينوى. وصوم الشعب أيام عزرا ونحميا والصوم أيام يوئيل. أما الصوم في العهد الجديد فقد ورد أن الرسل قد صاموا وليس في الخفاء فالصوم الجماعي مقبول وليس فيه رياء كما يقول البروتستانت.
الحج ومفهومه في المسيحية
لم يكن الحج يومًا من الأيام عبادة من عبادات العقيدة النصرانية. فلم تشر الأناجيل إلى ذلك، ولم تظهر هذه العبادة في الكتابات المسيحية الأولى. وكبقية العبادات خضعت هذه العبادة أو الشعيرة لاختراعات وابتداعات من قبل اللاهوتيين المسيحيين وخاصة البابا.
وباعتبار أن المسيح عليه السلام قد ولد في فلسطين، ورفع إلى السماء منها فقد أنشئت له كنيسة في الناصرة وكنيسة القيامة في مدينة القدس، وكذلك كنيسة أخرى في بيت لحم، واعتبر المسيحيون كل بقعة تجول فيها المسيح مكانًا مقدسًا.
وراح اللاهوتيون مع مرور السنين يفلسفون مفهوم الحج بأنه زيارة واجبة على كل مسيحي إلى تلك الأماكن المقدسة.
كيف نشأ مفهوم الحج إلى الأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين؟
في القرن الحادي عشر كانت الكنيسة مالكة غنية للحقول والمروج والبساتين، وكانت تستثمر العبيد والفلاحين الذين يخصونها استثمارًا وحشيًا. ربما أن الكنيسة كانت أكبر ملاك عقاري إقطاعي فقد كانت حصنًّا روحيًا لعموم طبقة الإقطاعيين، وفي ذلك كانت تتلخص وظيفتها الاجتماعية، وكان رجال الدين يساعدون الإقطاعيين في السيطرة على الفلاحين والحرفيين، وذلك بالوعظ بالتعاليم المسيحية التي تقول: إن النظم الأرضية هي من صنع الرب، وإنه لا يصلح ولا يمكن بالتالي تغييرها وبمطالبة الكادحين بالخضوع التام لأسيادهم، وبوعد الودعاء بالنعيم في الجنة بعد الموت، وبتهديد المتمردين والعصاة
بالعذابات الأبدية في الجحيم.
وعندما أخذ العبيد يهبون ضد الأسياد في القرنين العاشر والحادي عشر وعندما بدأت أفعال الفرسان والإقطاعيين تصيب بالضرر أتباع الكنيسة من رهبان وغيرهم راحت الكنيسة تبتدع أساليب جديدة توطد من خلالها مواقعها المادية والمعنوية، وكان من أهم الأساليب التي ابتدعتها الكنيسة تحويل أنظار طبقة العبيد والفقراء نحو الشرق. فبدل النهب والسلب وجهتهم تجاه الشرق، أي تجاه بلاد الشام وفلسطين بالذات من خلال مفهوم الحج الذي طرحته.
وقد وجه البابا آنذاك نداء إلى جموع المسيحيين في الغرب يدعوهم فيه للحج إلى فلسطين، والقدس بالذات.
ويرى الباحثون أن التوجه لزيارة كنيسة القيامة وكنيسة المهد والأماكن الأخرى يعود للقرن الرابع الميلادي. لكن لم يكن ملحوظًا باعتباره طقسًا أو عبادة كالصلاة.
وما إن حل القرن الحادي عشر حتى غدا منتشرًا بقوة كبيرة في أوساط المسيحيين الغربيين وبدأت عمليات الحج بشكل فردي، ثم تطورت حتى أصبحت عملياتها تتكاثر وتكتسب طابعًا عامًا. وقد أشارت المصادر إلى أن جموعًا لا تحمى كانت تمضي من جميع أنحاء العالم إلى القدس.
وعمليات الحج أو زيارات الأماكن المقدسة انتشرت على درجة كبيرة بحيث انعكس هذا على كل قيم نظام المجتمع الإقطاعي الروحية، وفي المقام الأول على التصورات عن القداسة التي كانت لها أهمية كبيرة في الفكر الإقطاعي. وأصبحت عمليات الحج بمنزلة قسم إلزامي من الزهد والنسك. والتوجه بالسفر إلى القدس صفة لا غنى عنها في سيرة القديسين، وكل من كان يريد أن يخلق ويثبت لنفسه سمعة الطاهر (الفقير بالمسيح) كان يذهب إلى القدس لتكريم المقدسات المسيحية الموجودة هناك من قديم الزمان. والصلاة في كنيسة القيامة والتمتع بإجلال ومهابة بمشاهدة جميع الأماكن التي تجول فيها المسيح يومًا ما.
وقد ترابطت مفاهيم عادة الحج مع مفاهيم العهد بممارسة سلوك النساك المقدسين بدرجة عالية من الثقة، إلى حد أنه كان لا يندر لسير القديسين أن تنسب السفر إلى القدس، بقدر ما تنسب للقديسين أنفسهم على الرغم من أن كثيرًا منهم لم يذهب إلى فلسطين ولم يحج إلى القدس. وقد ألفت الكنيسة قصصًا خيالية قالت فيها إن القديسين الذين لم يحجوا إلى فلسطين كانت في نيتهم زيارة القدس.
لقد أصبح السفر إلى فلسطين للحج إلى الأماكن المقدسة لدى المسيحيين قانونًا في سرد قصص القديسين.
أما من حيث التركيب الاجتماعي فقد كانت عمليات الحج حركة مزخرفة ملونة، وبدا أن أهداف الحجاج الفعلية كانت مختلفة على الرغم من أن الحج بدا للجميع مشروعًا دينيًا صرفًا. فكانت مثلًا لدى الفئات الفقيرة تعبيرًا مغلفًا بغلاف الدين، أما في عيون طبقة الإقطاعيين فقد كانت الأهداف المهمة هي البواعث الدنيوية، أي الرغبة في اكتساب سلع البذخ في الشرق، ورؤية أماكن جديدة والتخلص ولو مؤقتًا من رتابة الحياة القروية مع همومها اليومية.
ومن أمثلة ذلك أن أسقف أورليان المدعو أود إلرك عندما ذهب وحج إلى القدس اشترى فانوسًا نفيسًا من بطريرك القدس مقابل رطل من الذهب، وقال في ذلك أحد شواهد الحملات الصليبية، وهو رادولف غلابر: إن الأسقف حمل الفانوس إلى أورليان لأجل تجميل كنيسته حيث عاد على المرضى بالكثير من النفع.
وهناك أهداف أخرى تجلت من خلال مواقف بعض زعماء الإقطاعيين الأوربيين، ومثال ذلك أن روبير الأول النورماندي الذي انطلق إلى الشرق سنة 1035 م أجبر أتباعه الكبار قبل بداية الحج على حلف اليمين والاعتراف بابنه غير الشرعي غليوم ابن الزنى (والذي أصبح الفاتح فيما بعد) وريثًا له. وهكذا كان الحج في هذه الحالة ذريعة مناسبة لأجل بلوغ هدف سياسي معين.
ومن عادات الزعماء الإقطاعيين أثناء سفرهم إلى فلسطين بغية الحج أنهم كانوا يوزعون شتى المجوهرات التي أخذوها مهم لهذه الغاية. وكانوا يعتبرون ذلك بمنزلة توطيد لنفوذهم في أوساط الشعب البسيط، وكانت الكنيسة تشجع هذه التوزيعات بوصفها فعلًا يرضي الله.
وتحت ذريعة الحج كان الفرسان ينضمون إلى الزعماء والملوك. ففي سنة 1065 م انطلق من ألمانيا إلى الحج زهاء سبعة آلاف شخص إلى اثني عشر ألفًا. وكان الذين لا أرض لهم وكذلك المعدمون يفتشون فيما وراء البحار عن الفرص لإصلاح أوضاعهم، وكان بعض منهم يرغبون في غفران الجرائم التي اقترفوها في بلادهم، والواقع أن الفرسان نهبوا في بلادهم الكنائس والأديرة، وعلى الرغم من ذلك توجهو إلى الحج لغايات وأهداف كثيرة أخرى. لقد تقبل هؤلاء المسيحية على طريقتهم كما فهموها وكيفوها للمفاهيم المألوفة على الإقطاعيين، وكانوا يتصورون الرب بصورة المولى الأعلى الذي يكافىء أتباعه الأرضيين بسخاء على خدمتهم الأمينة، ويغفر الخطايا، ويمنح الغبطة الأبدية في الجنة، كل هذا يفسر اتساع اشتراك الفرسان في عمليات الحج، وهذه العمليات كانت تلقى التحبيذ التام من جانب رجال الكنيسة.
إن حركة الحج التي اخترعها البابا والإقطاع قد هيأت للحروب الصليبية فكريًا وعمليًا، فقد أسهمت في تعاظم الأمزجة والميول الدينية الزهدية، وعرفت الأوربيين على الطرق إلى الشرق وعلى الوضع في الوطن العربي. وأهم ما أسهمت فيه تعطش الإطاعيين لامتلاك إقطاعات وأراض واسعة في الشرق العربي.
وإذا نظرنا إلى مفهوم الحج في وقتنا المعاصر الذي يخص المسيحية فإننا نرى ضعفًا كبيرًا فيه. بل انقطاعًا تامًا لدى بعض الفئات المسيحية، ومع الاحتلال الصهيوني لفلسطين زاد ضعف مفهوم الحج لدى المسيحيين.
ومن جانب آخر فقد أصدر البابا شنودة قرارًا يمنع فيه المسيحيين الأقباط من الذهاب