الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في البشر، وقد تفرع عن عقيدته مذهب الموحدين، الذين قاموا يدعون إلى تطهير المسيحية من أدران الوثنية وجهالة التجسيد. وكان جزاؤهم كمن سبقوهم.
وهكذا لاحق عباد المسيح الموحدين في كل مكان وفي كل زمان، حتى انتشر الظلام في جميع أرجاء المعمورة وكان لابد من رسول ودين جديد لأهل الأرض، فجاء نور الإسلام فبدد ظلمات الشرك والأوثان، وأرسى عقيدة توحيد الخالق المنزه عن الشريك والوالد والصاحبة والولد، فأرجع القلوب والأفئدة إلى التوحيد الذي هو دين الأنبياء جميعا من لدن آدم أبي البشر حتى ختام رسالات السماء بمحمد صلى الله عليه وسلم.
يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} (الأنبياء/ 25).
ويقابل ذلك ما جاء في إنجيل يوحنا، منسوبا إلى المسيح عليه السلام:"وَهذه هِيَ الحيَاةُ الأبدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أنتَ الإِلهَ الحقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ المُسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ."(17/ 3).
وسبق ذلك في العهد القديم، في سفر الخروج ضمن وصايا الرب لموسى-عليه السلام"أَنا الرَّبُّ إِلهُك الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لَا يَكُنْ لَكَ آلهةٌ أُخْرَى أَمَامِي. لَا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلَا صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الماءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لَا تَسْجُدْ لهنَّ وَلَا تَعْبُدْهُنَّ". (20/ 3 - 5).
ملخص الاتفاق والاختلاف العقدي بين الكنائس
أولا: ما هي التعاليم التي تتفق فيها الكنيستان الشرقية (الأرثوذكسية) والتقليدية (الكاثوليكية) والتعاليم التي تختلفان فيها؟
أولًا- الاتفاقات هي:
(1)
قبول تعاليم القوانين الثلاثة الأولى المسكونية، أي الرسولي والنيقوي والأثناسي، ما عدا كلمة "والابن" التي أضافها الغربيون على قانون الإيمان النيقوي، وكذلك كلمة "والابن" في القانون الأثناسي.
(2)
التعاليم الآتية التي نشأت بعد نشر القوانين المسكونية (وهي مرفوضة عند
الإنجيليين) وهي:
(أ) سلطان التقليد الكنسي وعقيدة أنه دستور للإيمان مع الكتاب المقدس.
(ب) شفاعة مريم العذراء والقديسين وصورهم (لا تماثيلهم) وذخائرهم.
(ج) عصمة الكنيسة، غير أن الكنيسة التقليدية تحصر العصمة في المنصب التقليدي، والكنيسة الشرقية في المجامع المسكونية السبعة وفي مجمع البطاركة.
(د) التبرير بالإيمان والأعمال معًا أي أن الإيمان والأعمال شرطان للتبرير.
(هـ) الأسرار السبعة مع فرق زهيد في ما يتعلق بالتثبيت والمسحة.
(و) التجديد بواسطة المعمودية، وضرورة المعمودية بالماء للخلاص.
(ز) الحِل الكهنوتي من الخطايا بالسلطان الإلهي.
(ح) استحالة الخبز والخمر بعد تقديسهما والسجود لهما.
(ط) ذبيحة القداس لأجل الأحياء والأموات. وهذا هو محور العبادة عندهم، وأما التبشير فثانوي.
(ي) الصلاة لأجل الموتى.
ثانيًا- ما تختلفان فيه:
(1)
الكتاب المقدس: لم تمنع الكنيسة الشرقية استعمال الشعب للكتاب المقدس كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية.
(2)
انبثاق الروح القدس الأزلي (لا إرساله الزمني) من الابن، فإن الكنيسة الغربية تعتقد به والشرقية تنكره.
(3)
رياسة البابا وعصمته. فالكنيسة الغربية تعتقد أنهما حجر الزاوية في الإيمان المسيحي، والشرقية ترفضهما مطلقًا، وتحسبهما من تعاليم ضد المسيح.
(4)
الحبل بمريم العذراء بلا دنس، الذي نادى به الكاثوليك سنة 1854 م.
(5)
زواج أصحاب الدرجات الكهنوتية الأقل. فالكنيسة الشرقية تجيزه، والغربية تمنعه حيثما استطاعت.
(6)
منع كأس الأفخارستيا عن الشعب عند الكاثوليك.
(7)
أسلوب ممارسة عدة من الطقوس والفرائض. ومما تنفرد فيه الكنيسة الشرقية تغطيس المعتمد ثلاث مرات عوضًا عن السكب أو الرش، واستعمال الخمير في الأفخارستيا عوضًا عن الفطير، والصلاة للروح القدس ليبارك العناصر المقدسة، وشركة الأطفال في العشاء الرباني، ودهن الأطفال المعتمدين بالميرون، وتكرار المسحة في المرض.
ثانيا: ما هي التعاليم التي تتفق فيها الكنيستان الشرقية والإنجيلية (البروتستانتية) والتعاليم التي تختلفان فيها؟
أولًا- ما تتفقان فيه:
(1)
الإيمان بالكتاب المقدس وقبول تعاليم قوانين الإيمان الثلاثة الأولى المسكونية.
(2)
تتفقان في رفض ما يأتي:
(أ) رياسة البابا وعصمته. (ب) الحبل بمريم العذراء بلا دنس. (ج) منع الكأس عن الشعب. (د) بتولية الكهنة والشمامسة الإلزامية. (غير أن الكنيسة الشرقية تمنع زواج الكاهن ثانية، وتأمر ببتولية الأساقفة).
ثانيًا- ما تختلفان فيه:
(1)
انبثاق الروح القدس الأزلي (لا إرساله الزمني): هل هو من الآب وحده، أو من الآب والابن معًا. ويتفق الإنجيليون والكاثوليك في انبثاق الروح الأزلي. ولم يكن هذا الموضوع في عصر الإصلاح موضوع بحث، ولا جرى عليه جدال وخصام، فاتّخذته الكنائس المصلحة أمرًا مسلّمًا به. غير أن بعض اللاهوتيين يميلون إلى تقليل أهمية هذه المسألة كموضوعٍ للخلاف بين الشرقيين والغربيين، كما تبين في قرار مؤتمر بون سنة 1874 م المؤلّف من نوَّاب من الكاثوليك القدماء والكنيسة الشرقية وبعض أساقفة وقسوس الكنيسة الأسقفية. وقد قامت هذه المسألة حاجزًا بين الشرق والغرب منذ أكثر من ألف سنة: هل انبثاق الروح الأزلي هو من الآب وحده، أو هل هو من الآب والابن معًا؟ فالكنيسة الشرقية (حفظًا لشأن الآب في الثالوث الأقدس) اعتقدت بالانبثاق من
الآب وحده. والكنيسة الغربية (حفظًا لشأن الابن في الثالوث) اعتقدت بالانبثاق من الآب والابن معًا. غير أنه لا فرق بينهما في أن الروح القدس مرسَلٌ من الآب والابن معًا لإتمام مقاصد إلهية في عمل الفداء (يو 14: 26 و 15: 26 و 16: 7). ولا فرق أيضًا من جهة عمله الخاص في تجديد القلب وتقديسه.
(2)
التعاليم التي نشأت بعد نشر القوانين الثلاثة الأولى المسكونية: الرسولي والنيقوي والأثناسي؛ فإن الكنيسة الشرقية تتفق فيها مع الغربية ضد الإنجيليين.
ثالثا: ما هي التعاليم التي تختلف فيها الكنيستان التقليدية والإنجيلية؟
ما تختلفان فيه فهو:
(1)
دستور الإيمان: تعتبر الكنيسة التقليدية أن الكتاب المقدس والتقليد هما معًا دستور الإيمان. بينما يقول الإنجيليون أن الكتاب المقدس هو القانون الوحيد المعصوم للإيمان والأعمال، وهو كافٍ لإرشادنا إلى الخلاص وأن له سلطانًا على كل ما سواه.
(2)
الكتاب المقدس: وحوله اختلافات، منها:
(أ) عدد الأسفار القانونية: فإن أسفار العهد القديم الأبوكريفية تدخل عند التقليديين في الأسفار القانونية، والإنجيليون لا يحسبونها.
(ب) مطالعة الشعب للكتاب المقدس ونشره بين الناس: لا تستحسن الكنيسة التقليدية ذلك، والإنجيلية تنادي بلزومه وتسعى في توزيعه، لأن تعاليمها مؤسسة على الكتاب المقدس فقط.
(3)
مواضيع العبادة: وهي عند التقليديين:
(أ) الله (ب) مريم العذراء (ج) الملائكة والقديسون (د) صور القديسين وذخائرهم. وعند الإنجيليين الله فقط. فالتقليدي يقترب إلى المسيح بوسطاء من البشر، ويجعل عبادته لمريم العذراء تنوب عن عبادته ليسوع. والإنجيلي يقترب إلى المسيح مباشرة، ويصلي له باعتبار أنه كاهنه ومخلّصه العظيم الوحيد الكافي له، وشفيعه عن الآب.
4 -
الحالة الأصلية: ""نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتنَا كَشَبَهِنَا" (تكوين 1: 26). تقول الكنيسة التقليدية إن المقصود بكلمة "صورتنا" غير المقصود بكلمة "شبهنا" فكلمة "صورتنا" تعني أن الإنسان عاقل حرّ الاختيار، وإن كلمة "شبهنا" تعني أنه يشبه الله بما ناله من موهبة القداسة الأصلية، فقد وشّحه الله بالبر والقداسة بعد أن خلقه على صورته. أما الكنيسة الإنجيلية فتقول إن المقصود بكلمتي "صورتنا وشبهنا" هو واحد، لأن صورة الله التي خُلق عليها الإنسان أصلًا تشمل البر والقداسة.
(5)
الخطية الأصلية: يعلّم التقليديون أن الخطية الأصلية عيبٌ سلبيٌ، أو ضياع موهبة القداسة الأصلية المشار إليها بكلمة "كشبهنا" (تك 1: 26) (أي ضياع مشابهة الله لا صورته). وهم يقولون إنه يزول تمامًا بالعمودية. ويعلّم الإنجيليون أن الخطية الأصلية هي فساد إيجابي كلي يعمّ تشويه صورة الله الأصلية ومشابهته اللتين خلق عليهما الإنسان، وأن الإنسان يميل دائمًا إلى الخطية بعد العمودية.
(6)
التبرير: يقول التقليديون إنه يتم بالإيمان والأعمال الصالحة معًا، ويقول الإنجيليون إنه بالإيمان فقط. ومما يختلفان فيه في شأن التبرير:(أ) معنى التبرير وفعله. يقول التقليديون إن التبرير يجعل الخاطئ بارًا في الذات بالتدريج (وعلى ذلك هو مرادف للتقديس عند الإنجيليين). ويقول الإنجيليون إنه هو قضاء الله وتصريحه بأن الخاطئ صار بارًا شرعًا، فصفح عن الخاطئ التائب بناء على استحقاق المسيح، وعلى شرط الإيمان به، وأن التقديس يتبعه، وهو عمل متميّز عنه.
(ب) معنى الإيمان. يقول التقليديون إنه تسليم عقلي وخضوع للسلطان الكنسي النائب عن الإلهي. ويقول الإنجيليون إنه قبول تعاليم الله بالثقة وإنه الاتكال الشخصي على المسيح والشركة الحيَّة معه.
(ج) المقام المعيَّن للأعمال الصالحة. يقول التقليديون إنها شروط التبرير. ويقول الإنجيليون إنها برهان التبرير ونتيجته، فهي ثمار التبرير لا سببه.
(د) إمكان التحقُّق من التبرير والخلاص. ينكره التقليديون إلا إذا أُسند على إعلان خاص من الله عن لسان الكنيسة المعصومة. ويثبته الإنجيليون على درجات مختلفة.
(7)
الكنيسة:
(أ) يعتقد التقليديون أن كنيسة المسيح الحقيقية هي كنيستهم لا غير، ويعتقد الإنجيليون أن الكنيسة غير المنظورة واحدة وعامة وتحت رياسة المسيح فقط، وأن الكنيسة المنظورة مؤلفة من جماعات كثيرة منتظمة تحت أسماء مختلفة.
(ب) يعتقد التقليديون أن صفات الكنيسة هي الوحدة والقداسة والجامعية والرسولية والعصمة وعدم إمكان السقوط، وأن هذه الصفات اجتمعت في كنيستهم وحدها، فهي الكنيسة الوحيدة الصحيحة في العالم، ولا خلاص لمن هو خارج عنها. وينكر الإنجيليون بعض تلك الصفات على المعنى البابوي، ويقولون إن كنيسة المسيح الصحيحة ليست تحت نظام واحد خارجي، بل هي الكنيسة غير المنظورة الروحية المؤلفة من كل المؤمنين بالحق في كل زمان ومكان، وأنها جسد المسيح وهو رأسها وربها بغضّ النظر عن نظامها الخارجي.
(8)
البابا: يعتقد الكاثوليك أنه خليفة بطرس، ورأس الكنيسة الجامعة، ونائب المسيح على الأرض. وينكر الإنجيليون ذلك، ويعتقدون أن المسيح هو رأس الكنيسة الوحيد.
(9)
الأسرار على وجه الإجمال:
(أ) تعريف السر: هو إشارة منظورة لنعمة غير منظورة، مرسوم بأمر صريح في العهد الجديد من المسيح (عند الإنجيليين) أو بمجرد سلطان الكنيسة (عند التقليديين).
(ب) عدد الأسرار: هي سبعة عند التقليديين واثنان عند الإنجيليين، وهما المعمودية والعشاء الرباني.
(ج) فائدة الأسرار: تُنال عند التقليديين بواسطة ممارستها بواسطة الكهنة خلفاء الرسل، وعند الإنجيليين بواسطة الإيمان في قلب كل تائب مؤمن يقبلها.
(10)
المعمودية: كلاهما يختلفان في عملها في الخطية الأصلية وفي علاقتها بالتجديد
وفي ضرورتها للخلاص وغير ذلك.
(11)
الأفخارستيا: ما يعتقده التقليديون ويرفضه الإنجيليون:
(أ) الاستحالة والسجود للخبز والخمر. (ب) منع الكأس عند الكاثوليك عن الشعب. (ج) الأفخارستيا ذبيحة حقيقية، وسمُّوها "غير دموية" وهي تكرار ذبيحة المسيح على الصليب بواسطة الكاهن لأجل خطايا الأحياء والأموات، أي النفوس في المطهر.
(12)
الأسرار الخمسة الأخرى هي: التثبيت، والاعتراف أو التوبة، والكهنوت أو الرسامة، والزيجة، والمسحة الأخيرة: يعتقد التقليديون أنها أسرار حقيقية. ويرفض الإنجيليون ذلك، غير أن بعضهم يمارس جزءًا منها بغير المعنى التقليدي.
(أ) التثبيت: تقبله الكنائس اللوثرية والأسقفية والمصلحة الألمانية كعملٍ يُضاف لمعمودية الأطفال بعد تعليمهم التعليم المسيحي. وأما باقي الكنائس الإنجيلية فترفضه، معتقدةً أن الاتحاد الاختياري بالكنيسة (الاشتراك في العشاء الرباني) بواسطة الاعتراف بالإيمان جهارًا يغني عنه.
(ب) الاعتراف أو التوبة: يعتقد التقليديون أن الاعتراف الشفاهي للكاهن والحِلّ منه كافيان لغفران الخطايا والآثام القابلة للغفران. وتستحسن قوانين الكنائس اللوثرية والأسقفية الاعتراف السري للراعي، وفي بعض الأحوال لا توجبه. والكنائس الأخرى تتركه لاختيار كل شخصٍ. ويرفض جميع الإنجيليين الحِلّ الكهنوتي. لكن القس عند الأسقفيين يصرّح جهارًا بمغفرة الله للتائبين إذا تمت فيهم شروط المغفرة.
(ج) الكهنوت أو الرسامة: يعتقد التقليديون بالكهنوت الخاص ووجوب الرسامة من الأساقفة فقط. وعندهم أن الكاهن ينال بتلك الرسامة السلطان الكهنوتي الخاص بالتقليديين. ويعتقد الإنجيليون بكهنوت جميع المؤمنين بالإجمال وحقهم في الاشتراك في سياسة الكنيسة، ولا ينسبون إلى خدّام الكنيسة شيئًا من السلطان الكهنوتي.