الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعلمه في قرارة نفسه بيقين، أما الشك فيمكن تعريفه في إحدى صوره التي تنطبق على حالتنا هذه بأنه تراجع - يجري داخل النفس - عن التصديق بالشيء.
لقد آمن التلاميذ بالمسيح رسولًا من الله يقول الصدق، وهو إذا تنبأ بمستقبل كانت تنبؤاته صادقة ولابد أن يحدث ما سبق وأن تنبأ به. أما إذا رأى التلاميذ أن ما حدث يعتبر مخالفًا لما سبقت به نبؤة المسيح فعندئذ يكون الشك، وهنا فقط يشك التلاميذ في المسيح، ويرتدون عن عقيدتهم في الإيمان به والتصديق برسالته. فهل حدث الشك أم لا؟ لننظر ونتأمل. (1)
7 - آلام المسيح
.
يقول مرقس: "32 وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ اسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَال لِتَلَامِيذِهِ: "اجْلِسُوا ههُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ". ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَابْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34 فَقَال لَهُمْ: "نَفْسي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا". 35 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلًا وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36 وَقَال: "يَا أَبَا الآبُ، كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هذ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِيَكُنْ لَا مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ". 37 ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَامًا، فَقَال لِبُطْرُسَ: "يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ". 39 وَمَضَى أَيْضًا وَصَلَّى قَائِلًا ذلِكَ الْكَلَامَ بِعَيْنِهِ. 40 ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضًا نِيَامًا، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. 41 ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَال لَهُمْ: "نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ! هُوَذَا ابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. 42 قُومُوا لِنَذْهَبَ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ! "."(14/ 32 - 42).
إن هذا الجزء" يصف آخر مرة كان فيها يسوع مع تلاميذه، إذ أننا نجد أن نهاية الفقرة التالية لنظيره متى تقول: "حِينَئِذٍ تَرَكَهُ التَّلَامِيذُ كُلّهُمْ وَهَربُوا." (26/ 56). (2)
ويروي لنا لوقا آلام المسيح أيضا فيقول: "39 وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ،
(1) المسيح في مصادر العقائد المسيحية (138 - 139).
(2)
تفسير إنجيل متى، مرجع سابق (421).
وَتَبِعَهُ أَيْضًا تَلَامِيذُهُ. 40 وَلمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَال لَهُمْ: "صَلُّوا لِكَيْ لَا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ". 41 وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42 قَائِلًا: "يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لَا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ". 43 وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44 وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ، وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ. 45 ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلَاةِ وَجَاءَ إِلَى تَلَامِيذِهِ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ. 46 فَقَال لَهُمْ:"لِمَاذَا أَنْتُمْ نِيَامٌ؟ قُومُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ"." (22/ 39 - 46).
فنلاحظ من خلال هذه الروايات مدى الفزع والهلع الذي حل بيسوع، يقول جورج كيرد في تفسيره لهذه الفقرات:"حسب رواية مرقس (الذي كان مصدرًا للوقا) نجد أن يسوع بدأ يكتنفه الآن الفزع والذهول، وقد تحدث إلى تلاميذه عن الحزن الذي صحب استنزاف حياته وتلاشيها، ولما كان غير قادر على رفقة أعز أصحابه (تلاميذه) فإنه قضى الليل في تشنجات متتالية من صلاة المكروب".
وعندما نتذكر الشجاعة والثبات التي واجه بها الموت رجال آخرون شجعان، بكل أشكاله البربرية وما كان يصحب ذلك من تعذيب مفرط، فلا يسعنا إلا أن نتسائل عن ماهية الكأس التي كان يسوع يرجو الله - في صلاته - أن يجيزها عنه. (1)
"إن تحذير يسوع لتلاميذه من خطر التجربة يكشف لنا عن شعوره بأنه شخصيًا وتلاميذه قد أحاطت بهم سلطات الظلمة الروحية، التي جاهدها في مستهل دعوته.
ولقد كان من بواعث محنته، ما شعر به من أن جهاده وما كان يمثله من طهر وكمال، يتعرض آنذاك بصورة مروعة لعملية اغتصاب نهائي على يد سلطات الظلمة". (2)
أما رواية يوحنا فإنها تذكر أن يسوع استنفد الفترة ما بين خروج يهوذا لتنفيذ مؤامرته، وعودته مع القوة التي جاءت للقبض على معلمه، في جعل يسوع يلقي محاضرة طويلة على
(1) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية (140 - 142).
(2)
تفسير إنجيل لوقا، مرجع سابق (243).