الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: دعوى الخطية ولزوم الفداء والرد عليها
وقبل أن نتحدث عن عملية الصلب ينبغي أن نناقش القضية من أصلها، إذ إن عملية الصلب تعتمد اعتمادًا كليًّا على فكرة الفداء، وسنحاول في هذا المبحث - بإذن الله تعالى - أن نثبت بالأدلة العلمية من الكتاب المقدس بطلان عقيدة الفداء والتي كانت الأساس الأوحد لعقيدة الصلب (1).
تمهيد:
1 -
معنى كلمة (الخلاص) في الكتاب المقدس:
أطلقت هذه الكلمة في الكتاب المقدس بمعنى الإنقاذ والنجاة.
ففي قاموس الكتاب المقدس:
يراد بالخلاص في العهد القديم: النجاة من الشر أو الخطر. (2)
أما في العهد الجديد فقد خلع عليه معنى آخر هو إنقاذ الخطاة بالإيمان بيسوع المسيح. (3)
والمعنى الرئيسي - عندهم - هو الخلاص من خطيئة آدم التي ورَّثها لأبنائه والجنس البشري من بعده، والخلاص من الخطايا الأخرى التي يفعلها الإنسان في حياته.
فالخلاص من الخطيئة عندهم يشمل الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، بمعنى غفران الخطايا التي فعلها الإنسان في ماضيه، والتي يفعلها في حاضره، والتي سيفعلها في المستقبل. (4)
يقول إلياس مقار: "الخلاص هو تحرير الإنسان الكامل من دين الخطية (5)، ومرضها وسلطانها واستعبادها نفسًا وروحًا وجسدًا، والأخذ بيده حتى يقف أمام الله في كمال البر والقداسة والمجد والعزة والبهاء إلى أبد الآبدين. (6)
(1) أشرنا إجمالًا لهذا الكلام في الوجه السابق وآن تفصيله.
(2)
راجع خروج 14: 13، مزمور 106: 8 - 10.
(3)
قاموس الكتاب المقدس (344).
(4)
هذه عقائدنا، كلايد تارنر (113)، قضاء الله ومسئولية الإنسان، القس بخيت متى (115).
(5)
دين الخطية: وراثة خطية آدم.
(6)
قضايا المسيحية الكبرى (288).
2 -
معنى كلمة (فداء) عند النصارى:
وكلمة (فداء) قريبة في المعنى لكلمة (خلاص) ولذلك يراد بها في بعض الأحيان ما يراد بكلمة (خلاص).
في قاموس الكتاب المقدس: تشير لفظة "فداء" في العهد القديم في أغلب الأحيان إلى خلاص الجسد.
أما في العهد الجديد فتشير إلى الخلاص من الخطيئة ومن نتائجها. (1)
يقول أندرو وطسون: "يراد بالفداء كل بركات الخلاص المعلن في الكتاب المقدس للخطاة الهالكين". (2)
وقد يراد بها أيضًا - عند النصارى - الفدية التي نال البشر بها الخلاص.
يقول القس صموئيل حبيب: "تستخدم كلمة الفداء أصلا لشخص يسترد أرضه التي وقعت في يد غيره فيشتريها لنفسه ثانية، فإذا رأي الله الإنسان قد باع نفسه للخطية وصار عبدًا لها، قدم نفسه في المسيح فداء للبشرية ثانية."(3)
3 -
أصل عقيدة الفداء في التصور النصراني.
تبدأ هذه العقيدة - في التصور النصراني - من آدم عليه السلام. وهاك التفصيل:
1 -
يعتقد النصارى أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم على حالة الطهارة والبر والقداسة والنعمة (4) ووضعه في جنة غرسها الله بيده" 9 وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ"(تكوين 2/ 8).
2 -
وفي وسط هذه الجنة غرس الله شجرتين عجيبتين هما - كما يقول كلايد تارنر: شجرة الحياة التي جعلها الله لخلاص الإنسان من الموت لو لم يخطئ، وشجرة معرفة الخير
(1) قاموس الكتاب المقدس (672).
(2)
شرح أصول الإيمان (210).
(3)
الخلاص في مفهومه الكتابي، صموئيل حبيب (42، 43).
(4)
المسيح حياة النفس، دوم كولومبا مرميون (66).
والشر التي جعلت لامتحان مقدار ولاء الإنسان لله. (1)
3 -
ثم بعد ذلك أوصى الله آدم بألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر.
"عاش الإنسان (آدم) الحياة أسعد ما تكون الحياة، ولكي يحفظ له الرب هذه القامة الشامخة في السمة والترفع فإنه علمه بوصية ألا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر حتى لا يقع في المخالفة وتكون عقوبته الموت (لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ".) (تكوين 2/ 17). وفي نفس الوقت أعطاه شجرة الحياة التي تثبته في مكانه من الحياة وقداسة الحق". (2)
جاء في سفر التكوين عن هذا (15 وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا. 16 وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلًا: "مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الجْنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، 17 وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلَا تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ)(تكوين 2/ 18: 15).
4 -
ولكن آدم خالف وصية الله فأكل هو وحواء من شجرة معرفة الخير والشر، في نظرهم - وحينئذ - كما يقول سفر التكوين "7 فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا وَعَلِمَا أَنَّهُمَا عُرْيَانَانِ. فَخَاطَا أَوْرَاقَ تِينٍ وَصَنَعَا لأَنْفُسِهِمَا مَآزِرَ."(3/ 7).
5 -
ونتيجة لهذه المعصية - كما يعتقد النصارى - فقد آدم حالة الكمال الأدبي الذي خلقه الله عليها وأصبح خاضعا لناموس الفساد وسلطان الخطية. (3)
ويقول حبيب جرجس: "وكان من نتيجة مخالفتهما لعهد الله تعالى ما يأتي:
1 -
سقطا من حال القداسة وحياة النعمة وفقدا الشركة مع الله.
2 -
صارا أسيرين للخطية والموت.
3 -
طردًا من الفردوس وخضعا للبلايا كالتعب والجوع والعطش والفقر والأمراض والشيخوخة.
4 -
فقدا ميراث الحياة الأبدية واستحقا غضب الله. (4)
(1) هذه عقائدنا (54).
(2)
شجرة الحياة، راغب عبد النور (8).
(3)
المسيحية في الإسلام، إبراهيم لوقا (158).
(4)
خلاصة الأصول الإيمانية (21، 22).