الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرد في إنجيل لوقا أن المسيح طلب السهر والصلاة من تلاميذه حتى يكونوا أهلًا للنجاة.
ويرد ما يسمى عشاء عيد الفصح، ويوم الفطير، وهو من الأعياد اليهودية المعروفة (وجاء يوم الفطير وفيه يجب ذبح حمل الفصح فأرسل بطرس ويوحنا وقال لهما اذهبا فأعدا لنا الفصح لنأكله).
ويرد أيضًا عن صلاته: (وأخذه الجهد فأمعن في الصلاة وصار عرقه كقطرات دم متخثر تتساقط على الأرض. ثم قام عن الصلاة فرجع إلى تلاميذه فقال لهم ما بالكم نائمين قوموا فصلوا لئلا تقعوا في التجربة).
فمن خلال ما تقدم نعرف أن الصلاة كانت موجود كعبادة يقوم بها الأنبياء والكهنة والناس، وكذلك الصيام والختان والطهارة والأعياد، فمن هذه الأمور ما ظل المسيح سائرًا عليها ومنها ما رفضه ووضع بديلًا تعبديًا عنه.
الصلاة في العقيدة النصرانية
.
من خلال النصوص التي وردت في الأناجيل ندرك أن المسيح عليه السلام كان يصلي وصلاته كانت تعبدًا لله وتقربًا له، وقد ورد في القرآن الكريم ما يشير إلى أن الله أمر المسيح بالصلاة فقال الله تعالى:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31].
والصلاة فرضت على سائر الأنبياء، لكن كل نبي يصلي حسب ما أملاه الوحي الإلهي عليه، ولم تشر الأناجيل ولا القرآن الكريم إلى كيفية الصلاة. بينما أشارت آية إلى أن زكريا كان يصلي وهو قائم، ولا ندري إذا كان القيام جزءًا من عدة حركات للصلاة أم أن الصلاة كانت تؤدى في حالة القيام فحسب.
وعندما يرد في إنجيل لوقا: (وأخذه الجهد فأمعن في الصلاة وصار عرقه كقطرات دم متخثر) نرى من خلال ذلك أن الصلاة التي كان يؤديها المسيح تأخذ جهدًا وليست هي صلاة بدون حركة، فإذا كان ساكنًا في وضع معين لا يتصبب العرق منه، ولا بد أن يكون قد أدى حركات عديدة حتى أخذ الجهد منه هذا المبلغ.
ويظهر أيضًا أن المسيح كان قد صلى في عدة أماكن فتارة في المعبد، وتارة في البرية،
وهذا يشير إلى أن صلاة المسيح لها مكان محدد، وعليه فإن حصر الصلاة في الكنيسة أو الدير لا يتبع الصلاة التي أداها المسيح في أي مكان دون تحديد.
وقد ورد في إنجيل متى في الفصل السادس ما يسمى الصلاة الربانية. وقد جاءت على لسان المسيح حسب هذا الإنجيل: ويقول فيها: (فصلوا أنتم هذه الصلاة أبانا الذي في السماء ليقدس اسمك ليأت ملكوتك، ليكن ما تشاء في الأرض كما في السماء أرزقنا اليوم خبز يومنا، وأعفنا مما علينا. فقد أعفينا نحن أيضًا من لنا عليه، ولا تعرضنا للتجربة. بل نجنا من الشرير).
وبشكل عام فإن الصلاة حسب أكثرية المذاهب سبع صلوات في اليوم والليلة، وهي صلاة البكور وصلاة الساعة السادسة والحادية عشرة والثانية عشرة ومنتصف الليل. واهتمام المسيحية بالصلاة هو أكثر من اهتمامهم بالصوم، وليس للصلاة ترتيب خاص، وإنما هي أدعية تختلف من مكان إلى مكان، وغاية ما يلزم أن تحويه أن تكون على نسق الصلاة الربانية التي ذكرناها.
وحسب المذهب الأرثوذكسي فإن الصلاة تبدأ بصلاة النهوض من النوم، واتفقوا على أدعية معينة تقال في هذه الصلاة، تبدأ بقولهم باسم الآب والابن والروح القدس آمين المجد لك يا إلهنا المجد لك. أيها الملك السماوي المعزى روح الحق الحاضر في كل مكان وصقع، والمالىء الكل كنز الصالحات، ورازق الحياة، هلم واسكن فينا وطهرنا من دنس وخلص أيها الصالح نفوسنا.
ويستمر هذا الدعاء حتى قولهم: وأمجدك أيها الإله الكلمة الممجد في الآب والروح آمين. ويستشف من هذا أن الذي وضع هذه الأدعية ليس المسيح عليه السلام بل القائمون على الديانة النصرانية. وتنبع هذه الأدعية من الإيمان بالتثليث وليس بالوحدانية، ويلاحظ كثرة الصفات التي يلصقونها بالمسيح عليه السلام وبعضها صفات من صفات الله التي تنم عن خلط بين المسيح وبين الذات الإلهية وصفاتها.
وعندهم كذلك الصلاة السحرية، وتبدأ أيضا بقولهم: باسم الآب والإبن والروح
القدس آمين، قدوسٌ الله قدوسٌ القوي الذي لا يموت ارحمنا (ثلاثًا) المجد للآب والابن والروح القدس، الآن وكل أوان وإلى الدهر دهر الداهرين آمين
…
أيها الثالوث القدوس ارحمنا يا رب اغفر خطايانا، ومن هذه الأدعية قولهم: أيتها الشفيعة الرهيبة غير المخذولة يا والدة الإله الكلية التسبيح لا تعرضي يا صالحة عن توسلاتنا .. ).
وعندما نراجع بعض الأدعية التي وردت في بعض العقائد الفرعونية والهندية نرى تشابها كبيرًا بينها وبين الأدعية التي مرت معنا، وخاصة تلك التي تتعلق بالعذراء أم المسيح عليه السلام.
ويستند المسيحيون في صلواتهم على بعض ما ورد من مزامير التوراة كالمزمور الثالث والمزمور السابع والثلاثين، والمزمور الثاني والستين، والمزمور السابع والثماني والمزمور الثاني بعد المئة والمزمور الثامن والأربعين بعد المئة. وبعد المزامير يرددون تراتيل لا توجه لله، بل توجه للملائكة كقولهم:(يا رئيسي الجنود السماويين إننا نبتهل إليكم نحن غير المستحقين طالبين أن تشملانا بتضرعاتكما بستر أجنحة مجدكما) وهذا يحدد بيوم الاثنين. أما في يوم الثلاثاء فيرتلون بقولهم: (إن تذكار الصديق بالمديح وأنت أيها السابق تكفيك شهادة الرب، لأنك ظهرت بالحقيقة أشرف من كل الأنبياء). وفي يومي الأربعاء والجمعة يقولون: (خلص يارب شعبك وبارك ميراثك وامنح المؤمنين الغلبة على محاربهم واحفظ بقوة صليبك جميع المختصين بك
…
) وفي يوم الخميس: (أيها الرسل القديسون تشفعوا إلى الإله الرحيم أن يمنح غفران الزلات لنفوسنا)، وفي يوم السبت:(أيها الرسل والشهداء والأنبياء ورؤساء الكهنة والأبرار والصديقون الذين أكملتم حسنًا سوط الجهاد وحفظتم الإيمان .. ).
وفي الصلاة هذه دعاء للأموات الراقدين يقولون فيه: (اذكر يارب عبيدك بما أنك صالح وسامحهم بكل ما خطئوا به إليك في هذا العمر لأنه ليس أحد بلا خطيئة إلا أنت القادر أن تمنح المنتقلين الراحة).
ويؤدون بعد هذه التراتيل المزمور الخمسين الموجود في التوراة الذي يقول (ارحمني يا الله كعظيم رحمتك وكمثل كثرة رأفتك امح مآثمي
…
الخ).
وفي الصلاة نفسها يوجد ما يسمى التسبحة التاسعة ويقال عنها تسبحة السيدة والدة الإله. ويقولون فيها: (تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي) وهي من إنجيل لوقا. ثم يقولون فيها المزمور الثامن والأربعين بعد المئة، والمزمور التاسع والأربعين بعد المئة ويقولون فيه:(رتلوا للرب ترتيلة جديدة، فإن تسبحته في مجمع الأبرار ليفرح إسرائيل بخالقه وليبتهج بنو صهيون بملكهم. ليسبحوا لاسمه بالطبول ليرتلوا بالدف والزمار) ثم يقولون في نفس الصلاة المزمور المئة والخمسين. وفيه أيضا ترتيلة تحت عنوان المجد له.
أما الصلاة الثالثة فهي صلاة الغروب ويقولون فيها: (هلموا نسجد ونركع لملكنا وإلهنا، هلموا نسجد ونركع للمسيح ملكنا وإلهنا. هلموا نسجد ونركع للمسيح هذا هو ملكنا وربنا وإلهنا. والمسيح نفسه قال في الإنجيل لا تسجد إلا للإله، ولم يقل لا تسجد إلا للمسيح)، وفي هذه الصلاة يرتلون المزمور الثالث بعد المئة والمزمور المئة والأربعين والمزمور الحادي والأربعين بعد المئة الذي يقال فيه:(بصوتي إلى الرب صرخت، بصوتي إلى الرب تضرعت، أسكب أمامه تضرعي وأحزاني قدامه أخبر).
وفي هذه الصلاة أيضا يرتلون المزمور التاسع والعشرين بعد المئة والمزمور السادس عشر بعد المئة. وفي هذه الصلاة أيضا تراتيل منها ترتيلة المساء، وتقال يوم الأحد مساء ويوم الاثنين مساء وفيها يقولون:(الرب يستمع لي حين أصرخ إليه "مرتين"، لما دعوت استجاب لي إله بري. الرب يستمع لي حين أصرخ إليه "مرة" ثم يوم الثلاثاء مساء والأربعاء مساء والخميس مساء والجمعة مساء والسبت مساء، وفي هذه الأخيرة يقولون: (أهلنا يا رب أن نحفظ في هذا المساء بغير خطيئة. مبارك أنت يا رب إله آبائنا مسبح وممجد اسمك إلى الأبد).
وهناك صلاة رابعة تسمى صلاة النوم الصغرى. ويقولون فيها المزمور الخمسين الذي يقول: (ارحمني يا الله كعظيم وكمثل كثرة رأفتك امح مآثمي).
ويقولون فيها أيضا المزمور التاسع والستين والمزمور الثاني والأربعين بعد المئة وفيها ما يسمى المجد له.
وهناك صلاة إلى الملك الحارس أو الملاك الحارس، يقولون فيها:(أيها الملاك القديس الملازم نفسي الشقية، وحياتي الذليلة، لا تهملني أنا الخاطيء، ولا تبتعد عني بسبب إسرافي وتبذخي، ولا تعط من فرصة للشيطان الشرير لكي يسود باقتداره على جسدي هذا المائت) وهناك صلوات إلى والدة الإله كما يقولون.
والصلاة الخامسة هي صلاة قبل المناولة. وهذه تعني أن المسيحي حين يزمع أن يتناول الأسرار المقدسة عليه أن يتلو صلاة النوم المعتادة، ويضيف عليها قانونًا آخر يقولون فيه:(أيها الرب المتحنن فليصر لي جسدك المقدس ودمك الكريم خبز حياة ودواء شافيا للأمراض الكثيرة).
ويلاحظ أيضا في هذه الصلاة التشابه الكبير بين ما يقال هنا وما قاله الوثنيون الهنود في صلواتهم عن الإله براهما. ولعل عبارة جسدك المقدس ودمك الكريم تدل على ذلك، وفي هذه الصلاة كلام ودعاء للقديس يوحنا الذهبي الفم ولسمعان المترجم.
وهناك أيضًا صلوات مختلفة مثل صلوات المائدة وتقال قبل الأكل وبعد الأكل، وهناك صلاة عند مطالعة ما يسمى الكتاب المقدس، وصلاة قبل الدرس، وصلاة بعد الدرس، وصلاة قبل الاعتراف، وصلاة التوبة.
وهناك أشبه شيء بالصلاة وهي التراتيل التي ترافق بالألحان، وهي عبارة عن أدعية أيضًا وتمجيد للسيد المسيح وللعذراء، ولكنها ترافق بموسيقا، وذلك داخل الكنيسة. ولم تشر الكتب والمصادر المسيحية إلى أن هناك غسلًا أو ما يشبه الوضوء والطهارة قبل الصلاة. ففي الإسلام لا تصح الصلاة دون وضو وتطهير. وهنا لا بد أن يطرح سؤال يقول: هل الصلاة في المسيحية معنوية لفظية فحسب ولا تستدعي الطهارة والغسل؟ هل يمكن للذي يقوم من نومه وهو جنب أن يؤدي الصلاة الصباحية أو صلاة بعد النوم؟ هل يستطيع أي إنسان الدخول إلى الكنيسة وتأدية الصلاة دون أن يكون مغتسلًا أو متطهرًا من نجاسة البول أو الغائط أو الجنابة؟
فالمسيح عليه السلام كان يتدين بالطهارة ويغتسل من الجنابة، ويوجب غسل الحائض، وطوائف
النصارى عندهم أن ذلك كله غير واجب، وأن الإنسان يقوم من على بطن المرأة ويبول ويتغوط ولا يمس الماء ولا يستجمر. والبول والنجو ينحدر على ساقه وفخذه ويصلي كذلك، وصلاته صحيحة تامة ولو تغوط وبال وهو يصلي لم يضره فضلًا عما سوى ذلك.
ويقولون إن الصلاة بالجنابة والبول والغائط أفضل من الصلاة بالطهارة، لأنها حينئذ أبعد من صلاة المسلمين واليهود، وأقرب إلى مخالفة الأمتين. ويستفتح الصلاة بالتصليب بين عينيه. وحاشى المسيح أن تكون هذه صلاته أو صلاة أحد الحواريين. والمسيح كان يقرأ في صلاته ما كان الأنبياء وبنو إسرائيل يقرؤون في صلاتهم من التوراة والزبور. وطوائف النصارى إنما يقرؤون في صلاتهم كلامًا قد لحنه لهم الذين يتقدمون ويصلون بهم، يجري مجرى النوح والأغاني. فيقولون هذا قداس فلان وهذا قداس فلان، ينسبونه إلى الذين وضعوه. وهم يصلون إلى الشرق، وما صلى المسيح إلى الشرق قط، وما صلى إلى أن رفعه الله إلا إلى بيت المقدس، وهي قبلة داود والأنبياء قبله). (1)
والواقع أن اختلافًا كبيرًا يقع بين المذاهب المسيحية بشأن الصلاة، فالبروتستانت لا يطلبون الرحمة لنفس الميت ولا النياح له. كل ما يحدث أن يدخل جثمان الميت إلى الكنيسة لتقرأ بعض الفصول، وتلقى العظة لمجرد تعزية أسرة المتوفى، أو للاستفادة من الموت، ولكن لا يصلون مطلقًا من أجل الميت، ولا يطلبون مغفرة ولا يسألون الله من أجل أبدية هذا الذي انتقل، وكنائس البوتستانت لا تتجه إلى الشرق مثل الأرثوذكس، كذلك إذا وقفوا للصلاة لا يتجهون إلى الشرق، بل في أي اتجاه حسب موضع كل منهم.
وليس للبروتستانت ما يسمى صلاة قنديل، أي صلاة مسحة المرضى سواء اعتبرت سرًّا من أسرار الكنيسة أم لا. فهم لا يؤمنون بالأسرار أو بأية صلاة طقسية ولا بالصلاة على المرضى كسر كنسي فيه تقديس الزيت والدهن به، ولا يؤمنون بالصلوات السبع التي للكنيسة، لا بمواعيدها ولا بمحتوياتها، ولا يلتزمون بمبدأ الصلوات المحفوظة عمومًا.
(1) هداية الحيارى.