الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصهم فلا معنى لتوبة الله على عبده (1).
الوجه الخامس: أليس من رحمة الله أن يفتح لعباده باب التوبة والغفران
؟
فمن ظن أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصا فهو غالط غلطًا عظيمًا فإن الذم والعقاب الذي يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منه شيء أصلا، لكن إن قدم التوبة لم يلحقه شيء وإن أخر التوبة فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم والعقاب ما يناسب حاله. والأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه كانوا لا يؤخرون التوبة، بل يسارعون إليها ويسابقون إليها، لا يؤخرون ولا يصرون على الذَّنْبَ بل هم معصومون من ذلك، ومن أخر ذلك زمنا قليلا كفر الله ذلك بما يبتليه به كما فعل بذي النون عليه السلام (2).
فما وقع فيه آدم عليه السلام من مخالفته بأكله من الشجرة التي نهاه الله عنها، فقد نص القرآن أن الله ألقى في روع آدم عليه السلام أن يتوسل إليه بكلمات ألهمه إياها ليتوب عليه فاستقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حتى تعلمها فتاب عليه، وأصبحت خطيئته كأن لم تكن لأن التوبة الصادقة تمحو الذَّنْبَ، وبالتالي فلا حاجة إلى تسلسل الخطيئة من ذرية آدم أو توارثها في الأجيال التي من بعده، قال تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} ، بذلك فتح الله للعصاة طريق التوبة إذا عصوا فيتوب عليهم كما تاب على أبيهم آدم بدون واسطة من الكهان أو الرهبان؛ لأنه سبحانه التواب الرحيم (3).
فالتوبة من الذَّنْبَ كفارة له، وهي من فضل الله عز وجل على الخاطئين، فالتوبة تغسل الذَّنْبَ وتنقي القلب، فيكون الخاطئ التائب حبيبًا إلى الله، فلم لا يقول النصارى بأن آدم تاب وقبلت توبته؟ لم يصرون على القصاص؟ ولِمَ يصر الكاتب المجهول لرسالة العبرانيين على أنه" بدون سفك دم لا تحصل مغفرة"؟ (عبرانيين 9/ 22).
الوجه السادس: أليست توبة الله على آدم موافقه للعقل والنقل
؟
(1) تخجيل من حرف التوراة والإنجيل 1/ 380.
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية 1/ 309.
(3)
الميزان في مقارنة الأديان لعزت طهطاوي (162).
لقد تحدثت نصوص التوراة والإنجيل بإسهاب عن التوبة وقصصها وقبول الله لها، فها هو المسيح يجلس مع العشارين والخطاة، ولقد وعد الله التائبين بالقبول ففي سفر حزقيال:"فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقًّا وَعَدْلًا فَحَيَاةً يَحْيَا. لَا يَمُوتُ. 22 كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لَا تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا. 23 هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ "(حزقيال 18/ 21 - 23)، فالتوبة مقبولة عند الله كوسيلة للخلاص من الذَّنْبَ، ولا تتناقض مع قدر الله القاضي بالقصاص من العاصي، ولكن النصارى يقولون إن التوبة مهما كان شأنها ليست كافية للصفح عما مضى من خطايانا (1).
فالتوبة هي الطريق إلى المغفرة والخلاص، فالتوبة التي ذكر الله في القرآن أن آدم قد تاب، وهي باب عظيم من أبواب فضل الله جعله للخاطئين، فلمَ لا يقولون بأن آدم تاب وقُبلت توبته؟ ولم يصرون على القصاص الدموي؟ (2).
وذلك لأن في القول بالتوبة والأعمال الصالحة وسائل لتكفير الذنوب هدمٌ لأصل معتقدهم، والأساس الذي بُنيت عليه عقيدة الصلب هو خطيئة آدم عليه السلام الموروثة منه إلى أبنائه عقيدة باطلة من أساسها؛ لأن آدم عليه السلام عندما عصا ربه بالأكل من الشجرة المحرمة قد استغفر الله تعالى وتاب وأناب إليه، وقد قبل الله تعالى توبته، وهذا ما صرح به القرآن الكريم في عدة آيات من الذكر الحكيم، قال تعالى:{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)} (البقرة: 35 - 37).
وقال تعالى: {وَيَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَال مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
(1) هل افتدانا المسيح؟ لمنقذ سقار (161: 162).
(2)
ولكن شُبه لهم، لجمال شرقاوي (66).