الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطوفان حدث ذو جلالة عظيمة إنه حكم يصيب الجنس البشري كله) ولقد تأثر في ذلك بكتابات أوريجن في مواعظه عن حزقيال عندما تحدث عن حطام السفينة التي أنقذت العالم كله، ثم يستطرد الكاردينال دانييلو في بيان أهمية وقيمة الرقم ثمانية (8) وهو الرقم الذي ذكرت التوراة أن الله قد أمر سيدنا نوحًا أن يأخذ معه في السفينة من كل نوع من أنواع الموجودات وهو أيضًا الرقم الذي يحدد عدد البشر على السفينة (باعتبار أنهم نوح وزوجته وأبناؤه الثلاثة وزوجاتهم) ويستعير دانييلو أيضا ما سبق أن كتبه أيضًا جوستين في (المحاورة) عندما قال إن العدد (8) يرمز أيضًا إلى اليوم الثامن (عندما قام المسيح من بين الموتى) ويقول أيضًا (ولقد كان نوح وهو أول من كتبت له الحياة بعد الطوفان صورة حية معبرة عن الدور الذي أداه المسيح في حقيقة حياة البشرية).
وتستمر المقارنة ويستمر الاستطراد في المقارنة بين سيدنا نوح الذي نجا وأنقذه البشرية من الهلاك بواسطة السفينة المصنوعة من الخشب الشبيه بخشب الصليب وطفت وعامت السفينة فوق الماء الشبيه بماء التعميد الذي ينقذ البشر من الهلاك من الجهة الأخرى، ويمكن أن يقال الكثير عن مثل هذه المقارنة.
وينبغي أن نتذكر أنها تعليقات على حادثة لا يمكن الدفاع عنها كحقيقة، سواء تعلقها بالعالم كله أو تعلقها بالوقت الذي وقعت فيه حادثة الطوفان، كما تحدد التوراة زمان حدوث الطوفان.
إن تعليقات الكاردينال دانييلو ترجع بنا إلى العصر الوسيط حيث كانت نصوص التوراة يتم قبولها دون أي مناقشة حيث كانت المعقولية معدومة الصلة بالنصوص. (1)
5 - إقرار آخر وتبرير:
ومع ذلك نجد بعض الكتابات المشجعة في ظلمات العصر الوسيط مثل كتابات القديس أوغسطين التي نبعت من تفكيره الشخصي المستقل المستنير الذي انفرد بالتقدم
(1) التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث 73 - 74.
بالنسبة للعصر الذي عاش فيه القديس أوغسطين.
ومما لا شك فيه أن عصر آباء الكنيسة قد عرف مشاكل تتعلق بنقد النصوص إذ أننا نجد أن القديس أوغسطين يتحدث عن إحدى هذه المشكلات في خطابه رقم (82) وعلى وجه الخصوص نجد ذلك في الفقرة التالية من هذا الخطاب إذ يقول فيها القديس أوغسطين ما نصه كما يلي: (إن الكتب المقدسة المعروفة باعتبار أنها وحدها هي الكتب القانونية هي الكتب التي تعلمت أن أوليها التفاتًا واحترامًا، وأعتقد أن محرريها لم يرتكبوا أي أخطاء في تحريرها. وعندما أصادف في أحدها كلامًا مناقضًا للحقيقة لا يخالجني أي شك في أن خطأ ما قد اعترى النسخة التي أجدها في يدي أو أن المترجم لم يكن دقيقًا أمينًا في الترجمة أو أن القصور إنما هو في قدرتي أنا على الفهم).
لم يكن من المعقول في نظر القديس أوغسطين القبول بأن النصوص المقدسة تحتوي على أخطاء.
كان القديس أوغسطين يؤمن تمامًا بعقيدة (عصمة النصوص المقدسة من الخطأ)، ولكنه كان يقر أيضًا ويعترف أيضًا بوجود أخطاء ومتناقضات في النصوص المقدسة، فيرجعها إلى أسباب إنسانية محضة.
وهذا المنحنى الذي نحاه القديس أوغسطين إنما هو منحى إنسان مؤمن يتمتع بحاسة نقدية سليمة في الوقت نفسه.
وفي عصر القديس أوغسطين لم تكن حقائق العالم من الوضوح والذيوع بحيث يظهر تناقضها مع نصوص الكتاب المقدس. وكانت رؤية مرنة واسعة الأفق مثل رؤيته لمبررات عدم المعقولية في بعض النصوص المقدسة كافية لتبرير وتسطيح كثير من المشكلات التي تثار في أيامنا الراهنة عند مقابلة بعض نصوص التوراة بحقائق العلم. (1)
ولا يزال مفسرو الكتاب المقدس في أيامنا الراهنة يجتهدون في الدفاع عن نصوص التوراة أمام أي اتهام بالخطأ.
(1) التوراة والأناجيل والقرآن الكريم بمقياس العلم الحديث صـ 75.