الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني.
وبناءً على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحيًا". (1)
إنكار صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا
وتوجهت جهود المحققين لدراسة نسبة الإنجيل إلى يوحنا، ومعرفة الكاتب الحقيقي له، فقد أنكر المحققون نسبة الإنجيل إلى يوحنا الحواري، واستندوا في ذلك إلى أمور منها:
1 -
أن ثمة إنكار قديمًا لصحة نسبته إلى يوحنا، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق النصرانية القديمة، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني، يقول صاحب كتاب (رب المجد):"وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود، وحجر عشرة في سبيلهم، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة يوحنا". ولقد قال استادلن في العصور المتأخرة: "إن كافة إنجيل يوحنا تصنيف طالب من طلبة مدرسة الإسكندرية."
وتقول دائرة المعارف البريطانية: "هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا، وذلك في نحو 165 م، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد)، ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئًا.
لكن السؤال عن هذه الطبقة المسيحية البالغة في كثرة عددها إلى أن رآه سانت
(1) انظر: قاموس الكتاب المقدس، ص (110 - 111)، محاضرات في النصرانية (56) وانظر الرد على كلام بوست السابق في نفس المصدر، هل العهد الجديد كلمة الله؟ (62) وقد أخطأ د. بوست حين ذكر أن بطرس نقل من يوحنا، إذ تشابه الألفاظ لا يعني النقل عن السابق، ولو لزم ذلك فإن يوحنا هو الذي نقل عن بطرس الذي توفي سنة 65 م، فيما كتب يوحنا إنجيله سنة 95 م، ثم إن الإحالة التي قصدها د. بوست ليست في (بطرس (2) 1/ 14)، بل في (بطرس (1) 1/ 14).
اييفانيوس جديرة بالحديث الطويل عنها في (374 - 377 م)"أسماها القس "ألوغي" (أي معارضة الإنجيل ذي الكلمة).
لئن كانت أصلية إنجيل يوحنا فوق كل شبهة، فهل كانت مثل هذه الطبقة لتتخذ نحوه أمثال هذه النظريات في مثل هذا العصر، ومثل هذا البلد؟ لا وكلا".
وأقوى برهان على خطأ نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا أن جاستن مارتر في منتصف القرن الثاني تحدث عن يوحنا، ولم يذكر أن له إنجيلًا، واقتبس فيلمو - 165 م - من إنجيل يوحنا، ولم ينسبه إليه.
وقد أُنكر نسبة الإنجيل إلى يوحنا أمام أرينيوس تلميذ بوليكارب الذي كان تلميذًا ليوحنا، فلم ينكر أرينيوس على المنكرين، ويبعد كل البعد أن يكون قد سمع من بوليكارب بوجود إنجيل ليوحنا، ثم لا يدافع عنه. (1)
وقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصورًا متلاحقة، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته إلى يوحنا.
منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية: "ينسب إلى يوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تُسلم بصحة هذه النسبة".
ويقول القس الهندي بركة الله في كتابه "لواء الصليب وتزوير الحقائق": "الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدي الرسول، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية".
وتقول دائرة المعارف البريطانية: "أما إنجيل يوحنا، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما، وهما القديسان متى ويوحنا .... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل
(1) انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي (1/ 155 - 156)، الفارق بين المخلوق والخالق، عبد الرحمن باجي البغدادي، ص (560 - 561) وانظر أيضًا: الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف (155 - 159)، المدخل إلى العهد الجديد (551).
الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى". (1)
وعند تفحص الإنجيل أيضًا تجد ما يمتنع معه نسبته الإنجيل إلى الحواري يوحنا، فالإنجيل يظهر بأسلوب غنوصي يتحدث عن نظرية الفيض المعروفة عند فيلون الإسكندراني.
ولا يمكن لصائد السمك يوحنا أن يكتبه، خاصة أن يوحنا عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل "فَلَمّا رَأَوْا مُجَاهَرَةَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا، وَوَجَدُوا أَنَّهُمَا إِنْسَانَانِ عَدِيمَا الْعِلْمِ وَعَامِّيَّانِ، تَعَجَّبُوا."(أعمال 4/ 13). وأما ما جاء في خاتمة الإنجيل مما استدل به القائلون بأن يوحنا هو كاتب الإنجيل وهو قوله: "24 هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ"(يوحنا 21/ 24). فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب.
ويرى ويست أن هذه الفقرة كانت في الحاشية، وأضيفت فيما بعد للمتن، وربما تكون من كلمات شيوخ أفسس. ويؤيده بشب غور بدليل عدم وجودها في المخطوطة السينائية.
وأما مقدمة الرهبانية اليسوعية فتقول عنها وعن الفقرة التي بعدها: "تشكان إضافة يعترف بها جميع المفسرين".
ويرى العلامة برنت هلمين استرتير في كتابه "الأناجيل الأربعة" أن الزيادات في متن يوحنا وآخره كان الغرض منها "حث الناس على الاعتراف في شأن المؤلف بتلك النظرية التي كان ينكرها بعض الناس في ذلك العصر". (2)
1 - انظر: اليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي (326 - 329)، الفارق بين الخالق والمخلوق، عبد الرحمن باجه البغدادي (561)، المسيح عليه السلام بين الحقائق والأوهام، محمد وصفي (41 - 42)، اختلافات في تراجم الكتاب المقدس، أحمد عبد الوهاب (87 - 88) محاضرات في النصرانية (55).
(2)
انظر: الكتب المقدسة بين الصحة والتحريف، يحيى ربيع، ص (155)، ما هي النصرانية، محمد تقي العثماني، ص (150 - 152)، اليهودية والمسيحية، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، ص (329)، هل الكتاب المقدس كلام الله، أحمد ديدات، ص (79).