الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأعمال الصالحة من توفيق الله وفضله ومنه، وصدقته على عبده، فإنه أعانه عليها ووفقه لها، وخلق فيه إرادتها والقدرة عليها وحببها إليه وزينها في قلبه، وكره إليه أضدادها، فالحسنات التي هي الإيمان والعمل الصالح مصدرها من الله وغايتها منتهية إليه، والسيئات من النفس قال تعالى:{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ، فليس للحسنات سبب إلا مجرد فضل الله ومنه، فالأعمال الصالحة وإن كانت أسباب النعم والخيرات فمن وفقه لها وأعانه عليها وشاءها له سواه، فالنعم وأسبابها من الله وقبول العمل منه وحده، قال تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] أي من الذين يتقونه في العمل، والتقوى في العمل بشيئين أحدهما إخلاصه لله، والثاني أن يكون مما أمره الله به، ولا يقبل العمل حتى يكون خالصًا وصوابًا، خالصًا بأن يكون لله صوابًا أن يكون على السنة فالسعيد يخاف في أعماله أن لا يكون صادقًا في إخلاصه الدين لله أو أن لا تكون موافقة لما أمر الله به على لسان رسوله، وهذا حال الصالحين كانوا يتهمون أعمالهم وتوباتهم ويخافون ألا يكون قبل منهم ذلك فكان ذلك يوجب لهم شدة الخوف وشدة الاجتهاد في العمل الصالح، وإن التائب توبة نصوحًا، مغفور له جزمًا، ولكن المؤمن يتهم توبته، ولا يجزم بصحتها ولا بقبولها فلا يزال خائفًا من ذنبه وجلًا. (1)
ومعنى التوبة وحقيقتها:
هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا.
والنصح في التوبة: تخليصها من كل غش وفساد وإيقاعها على أكمل الوجوه.
والصدق فيها والإخلاص وتعميم الذنوب بها، ولا ريب أن الله يسامح عبده المرة والمرتين والثلاث، والذنوب إنما تغلظ وتكبر في حق من تكررت منه مرارا عديدة، واتخذ الذَّنْب عادته. (2)
شروط التوبة: التوبة واجبةٌ من كل ذنبٍ:
(1) فتح الباري لابن رجب 1/ 82.
(2)
مدارج السالكين ص 156.
1 -
أن يقلع عن المعصية.
2 -
أن يندم على فعلها.
3 -
أن يعزم أن لا يعود إليها أبدًا.
4 -
رد المظلمة إذا كان الذَّنْب يتعلق بحق آدمي.
فالواجب على العبد الندم والاستغفار والاشتغال بالتكفير بحسنة تضاده، فإن لم تساعده النفس على الندم على الترك لغلبة الشهوة، فقد عجز عن أحد الواجبين فلا ينبغي أن يعجز عن الواجب، الثاني: وهو أن يدرأ بالحسنة السيئة ليمحوها، قال تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} .
فإن قلت: فكيف يكون الاستغفار نافعًا من غير حل عقدة الإصرار؟
فنقول: الاستغفار الذي هو توبة الكاذبين هو الاستغفار بمجرد اللسان من غير أن يكون لقلب فيه شركه، فأما إذا انضاف إليه تضرع القلب إلى الله تعالى وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق إرادة وخلوص نية ورغبة، فهذه حسنة في نفسها فتصلح لأن تدفع بها السيئة.
والمقصود أن للتوبة ثمرتان: إحداهما تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له. الثانية: نيل الدرجات حتى يصير حبيبًا.
فالاستغفار بالقلب والتدارك بالحسنات وإن خلا من حل عقدة الإصرار من أوائل الدرجات، فليس يخلو من الفائدة أصلًا فلا ينبغي أن يظن أن وجودها كعدمه.
درجات الأعمال الصالحة في تكفير الذنوب الكبائر والصغائر هي: أولًا: أن تقصر عن تكفير الصغائر لضعفها وضعف الإخلاص فيها، الثانية: أن تقاوم الصغائر ولا ترتقي إلى تكفير شيء من الكبائر، الثالثة: أن تقوى على تكفير الصغائر وتبقى فيها قوة تكفر بها بعض الكبائر، والفائدة من تعدد وتنوع الأعمال الصالحة التي تصلح لتكفير الذنوب سواء كانت صلاة أو صوم أو صدقة أونحو ذلك، فإن وجد ما يكفره من الصغائر يكفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة تثبت به حسنات ورفعت به درجات.