الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعد موت سليمان انقسمت المملكة إلى مملكتين: جنوبية اسمها يهوذا، وقد بقي الملك فيها في بيت داود إلى نهايتها. وشمالية اسمها إسرائيل، وقد تنقل الملك فيها بين بيوتات مختلفة. (سفر الملوك الأول 12/ 21).
وحدث خلال ذلك أحداث عجيبة؛ فقد عكف معظم بني إسرائيل مع ملوكهم على عبادة الأصنام وترك أحكام التوراة مددا طويلة وأعصارًا متصلة، وكانت الأنبياء تتتابع عليهم ولكن هيهات، كفر مستمر وقتل للأنبياء.
8 - سقوط دولة إسرائيل:
كان الكفر والارتداد في مملكة إسرائيل أشد منه في مملكة يهوذا، ولذلك هاجر الكهنة ومن بقي معهم إلى مملكة يهوذا.
وسلط الله أعداء بني إسرائيل عليهم، ففي عام 721 ق. م أغار ملك آشور (شلمناصر) على عاصمة إسرائيل وحاصرها، ثم دكها دكًا، ثم جاء خليفته (سرجون) فأسر شعب إسرائيل، وأجلاهم عن بلادهم وفرقهم في مملكته، وأسكن بدلًا منهم وثنيين من بابل وغيرها، ولم يبق من اليهود إلا شرذمة قليلة اختلطت بالوثنيين، فتزاوجوا وتوالدوا.
فمنذ قيام دولة إسرائيل إلى أن محتها يد الأسر الآشوري، وأزالت شعبها من الوجود، لم يكن للأسباط الذين فيها غرض بالتوراة، وكان وجودها في تلك الدولة أندر من الكبريت الحمر.
9 - العثور على التوراة قبيل سقوط مملكة يهوذا:
جلس على حكم يهوذا بعد موت سليمان أكثر من عشرين ملكًا كان المرتدون منهم أكثر ممن يعترف بالدين، حتى غدا أهل المملكة وثنيين، ووضعت الأصنام حتى في البيت المقدس وبنيت لها المذابح، فضاعت التوراة وأصبحت نسيًا منسيًا (سفر الملوك الثاني 21، وسفر أخبار الأيام الثاني 33).
وآل الأمر إلى الملك يوشيا بنآمون وكان فتى طيبًا، فتاب إلى الله واتجه إلى نشر الإيمان، فرمم الهيكل وأزال رسوم الكفر منه وبحث عن التوراة، ولكن دون جدوى، ومضى سبعة
عشر عامًا من حكمه دون أن يعثر أحد على نسخة للتوراة أو يسمع شيئًا عنها.
وفي السنة الثامنة عشرة من حكمه ادَّعى رئيس الكهنة حلقيا أنه وجد سفر شريعة الرب بيد موسى -أى التوراة- في بيت الرب بين الفضة التي جمعت من الشعب، وسلمه للكاتب شوفان ليقرأه على الملك. فلما سمع الملك كلام سفر الشريعة مزق ثيابه. (الملوك الثاني 22/ 1 - 11) وأخبار الأيام الثاني (34/ 1 - 25).
ثم إن الملك جمع شعب يهوذا بعد الهيكل وقرأ عليهم السفر، فتعجب الناس والملك من فرط ما ارتكبه اليهود في تاريخهم من مخالفات. ثم أخبر عن عزمه على العمل به (الملوك الثاني 23/ 1 - 23)، أخبار الأيام الثاني 34/ 29 - 33، 35/ 1).
هذا، ولا يقبل الباحثون ادعاء حلقيا لأن البيت نهب مرتين قبل عهد الملك آخذ، ثم جعل بيتًا للأصنام وكان سدنة الأصنام يدخلون البيت كل يوم، وفي عهد يوشيا كان الكهنة يدخلون البيت كل يوم مدة سبعة عشر عامًا في أثناء الترميم وبعده، فلا يعقل أن تكون نسخة التوراة في البيت، ولا يراها أحد خلال تلك المدة الطويلة رغم البحث والتفتيش، ويرى الباحثون أن حلقيا وغيره من الكهنة لما رأوا ميل الملك يوشيا إلى الدين والعمل بالتوراة، انتهزوا هذه الفرصة للوقوف في وجه ارتداد اليهود والعودة بهم إلى الدين فجمعوا هذه النسخة من الروايات اللسانية التي وصلت إليهم دون تحر خلا السبعة عشر عامًا من حكمه، وأضافوا إليها ما يوافق رغبات اليهود من تاريخ وعقيدة وغير ذلك ولما انتهوا من الكتابة، سلم حلقيا النسخة للكاتب شوفان ليسلمها للملك مدعيًا أنه عثر على التوراة. (1)
واستمر العمل بتلك التوراة ثلاثة عشر عامًا، وهي ما تبقى من حكم يوشيا، فما إن مات وخلفه في الحكم ابنه يوحاز حتى ارتد وأشاع الكفر. واستمر الكفر والارتداد وقتل الأنبياء ومطاردة المصلحين في عهد إخوته وأولادهم من بعده، وطوال هذه المدة لم يكن للتوراة ذكر ولا رسم ولا أثر، وإنما كانت في التابوت عند الكاهن الأكبر، وتوالت
(1) الكتب المقدسة في ميزان التوثيق (96 - 73).