الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيانه: ولست أدري كيف دار في خلد كاتب نص سفر التكوين هذا في التوراة بأن رئيس الشرطة المصرية إنما كان خصيًا، أو لم يكن دافعًا له في دحض هذه الفرية -في نظر كتبة التوراة، ومن لف لفهم- أنه كان زوج أجمل سيدة في البلاد.
ولكن ما الحيلة وصاحب سفر التكوين، يرى أن حاشية القصر الملكي كلها من الخصيان، حتى لنجده إنما يصف رئيس سقاة الفرعون ورئيس الخبازين في قصره بأنهما من الخصيان، إذ يقول (فسخط فرعون على خصيه رئيس السقاة، ورئيس الخبازين)(التكوين: 40/ 2).
وفي الواقع، إن ذلك أمرًا، ما اعتدناه في مصر الفراعنة، وماحدثنا تاريخها به، وإنما ذلك رأي يهود الأسر البابلي، حين كتبوا توراتهم على ضفاف الفرات في القرن السادس قبل الميلاد، متأثرين بكل الحضارات القديمة التي شاهدوها، أو التي عاشوها في ظلالها من ناحية، وبحقدهم الأعمى من ناحية أخرى، حتى أعماهم عن حقائق التاريخ فجعلوا كل رجال البلاط المصري من الخصيان. (1)
سادسًا: الخطأ في الفترة التي يتم فيها التحنيط:
موضع الخطأ: ما جاء في سفر التكوين من أن الصديق عليه السلام إنما قد (أمر عبيده الأطباء أن يحنطوا أباه، فحنط الأطباء إسرائيل، وكان له أربعون يومًا لأن هكذا تكمل أيام المحنطين)(التكوين 50/ 2 - 3).
بيانه: وهذا في الواقع خطأ ذلك لأن مدة التحنيط إنما كانت سبعين يومًا -وليس أربعين يومًا- على أرخص الأنواع، ولأفقر الناس، وأن هناك أنواعًا ثلاثة من التحنيط، وهي -إن اختلفت في المواد المستعملة، أو في كيفية التحنيط- فإنها إنما تتفق جميعًا على أن مدة التحنيط إنما كانت سبعين يومًا. (2)
سابعًا: الخطأ في عصر إطلاق لقب فرعون على من يملك مصره
موضع الخطأ: ما درج عليه سفر التكوين من إطلاق لقب (فرعون) على ملك مصر، أثناء
(1) بنو إسرائيل الحضارة التوراة والتلمود 228.
(2)
بنو إسرائيل الحضارة والتوراة والتلمود 228.
سرده لقصتي إبراهيم ويوسف، عليهما السلام، دون أن يضيف اسمًا آخر إلى لقبه هذا. (التكوين (12: 14 - 20)، (39: 1)، (40: 2 - 21)، (41: 46)، (42: 15)، (47: 1 - 46)، (50: 4 - 7).
بيانه: ويرى الأستاذ حبيب سعيد أن هذه إنها كانت هي العادة المتبعة في القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، أما في عهد (سليمان)(965 - 922 ق. م) فقد جرت العادة أن تضاف كلمة (ملك مصر) إلى لقب (فرعون) أو اسم فرعون نفسه - كما في سفر الملوك الأول.
والرأي عندنا أن الأمر غير ذلك تمامًا -كما سوف نرى حالًا- وإن كان من الأفضل هنا، أن نشير -قبل أن نتعرض للقب (فرعون) بالمناقشة- إلى أن القرآن الكريم قد حرص في سرده لقصة يوسف الصديق عليه السلام الذي عاش في مصر أيام الهكسوس - على أن يلقب حاكم مصر الذي عاصره بلقب (الملك) بينما حرص على أن يلقب حاكم مصر الذي عاصر موسى الكليم عليه السلام بلقب (فرعون).
ومن المعروف تاريخيًا أن كلمة (فرعون) في صيغتها المصرية (بر- عو) أو (بر- عا) إنما كانت تعني- بادئ ذي بدء- (البيت العالي) أو (البيت العظيم) وهي طريقة من الطرائق الكثيرة التي كانت تشير إلى القصر الملكي وليس إلى ساكنه- ثم حدث خلال عصر (تحوتمس الثالث)(1490 - 1436 ق. م) أن الاصطلاح (بر- عو)(أو فرعون) إنما بدئ في إطلاقه على الملك نفسه وانطلاقًا من هذا، فإن إطلاق كلمة أو لقب (فرعون) على ملك مصر قبل عصر (تحوتمس الثالث) إنما يعد خطًا في تسلسل تواريخ الأحداث حيث أصبحت لفظة (فرعون) تعبيرًا محترمًا، يقصد به الملك نفسه منذ هذه الفترة من عصر الأسرة الثامنة عشرة وعلى أي حال فإن استعمال لقب (فرعون) إنما يبدو مؤكدًا منذ أيام (إخناتون)(1367 - 1350 ق. م) حيث يشير (سير أن جاردنر) العالم الحجة في اللغة المصرية القديمة - إلى أن هناك خطابًا من عهد (إخناتون) استعمل فيه لقب (فرعون) بالنسبة إلى ملك مصر (إي إخناتون) ثم سرعان ما أصبح لقب (فرعون) منذ الأسرة التاسعة عشرة (1308 - 1194