الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول بألوهية المسيح (325 م) في المرتبة الثامنة والعشرين. (1)
ثالثا: بعض الملامح في شخصية بولس كما وردت في رسائله:
ولا بد من سبر هذه الشخصية الهامة في تاريخ المسيحية بقراءة الرسائل المنسوبة إليه أو ما جاء عنه في سفر أعمال الرسل، وعند قيامنا بهذا السبر سنجد عدة ملاحظات هامة:
1 - تناقضات قصة الرؤية والنبوة المزعومة:
زعم بولس أنه لقي المسيح بعد ثلاث سنوات من رفعه، حين كان متجهًا إلى دمشق، لكن عند التحقيق في قصة رؤية بولس للمسيح يتبين أنها إحدى كذبات بولس وأوهامه، ودليل لذلك يتضح بالمقارنة بين روايات القصة في العهد الجديد، حيث وردت القصة ثلاث مرات: أولاها في أعمال الرسل (9/ 3 - 22)، من رواية لوقا أو كاتب سفر الأعمال، والثانية من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (انظر أعمال 22/ 6 - 11)، والثالثة أيضًا من رواية بولس أمام الملك أغريباس (انظر أعمال 26/ 12 - 18)، كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله، ولدى دراسة القصة في مواضعها الثلاث يتبين تناقضها في مواضع:(2)
1 -
جاء في الرواية الأولى (أعمال 9)"7 وَأَمَّا الرِّجَال المُسَافِرُونَ مَعَهُ فَوَقَفُوا صَامِتِينَ، يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلَا يَنْظُرُونَ أَحَدًا."(أعمال 9/ 7)، بينما جاء في الرواية الثانية (أعمال 22):"9 وَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا النُّورَ وَارْتَعَبُوا، وَلكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الَّذِي كَلَّمَنِي. "(أعمال 22/ 9)، فهل سمع المسافرون الصوت؟ أم لم يسمعوه؟ .
2 -
جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح طلب من بولس أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات: "فَقَال لَهُ الرَّبُّ: "قُمْ وَادْخُلِ المُدِينَةَ فَيُقَال لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي
(1) هل العهد الجديد كلمة الله؟ (ص 31 - 32).
(2)
وانظر: الإسلام والأديان الأخرى نقاط الاتفاق والاختلاف، أحمد عبد الوهاب، (ص 137 - 138)، "بولس وتحريف المسيحية"، هايم ماكبي (ص 35) حيث حقق الهدف الذي من أجله كان بولس راحلا إلى دمشق، وأثبت - تاريخيا - كذب الدعوى التي قالها بولس عن نفسه - أنه كان يحمل رسائل رسمية من الكاهن الأكبر كما يزعم - بما لا يدع مجالا للشك.
(تنبيه) مؤلف هذا الكتاب من ألمع مؤرخي الأديان في تاريخنا المعاصر. "أفادته مترجمة الكتاب".
أَنْ تَفْعَلَ"."(أعمال 9/ 6)، وفي الثانية:"10 فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَارَبُّ؟ فَقَال لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ، وَهُنَاكَ يُقَال لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ."(أعمال 22/ 10).
بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة (أعمال 26) أن المسيح أخبره بتعليماته بنفسه، فقد قال له: "لأَنِّي لهِذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بَما رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ،
…
" (أعمال 26/ 16 - 18).
3 -
جاء في الرواية الثانية أن المسافرين مع بولس "نَظروا النُّورَ وَارْتَعَبُوا"(أعمال 22/ 9)،
لكنه في الرواية الأولى يقول: "يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ وَلَا يَنْظُرُونَ أَحَدًا."(أعمال 9/ 7).
4 -
جاء في الرواية الأولى والثانية أن بولس "فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ"(أعمال 9/ 4)، بينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع سقطوا، فقد جاء فيها "فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى الأَرْضِ"(أعمال 26/ 14).
5 -
جاء في الرواية الأولى "أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، "(أعمال 9/ 3)، ومثله في الرواية الثانية (انظر أعمال 22/ 6)، غير أن الرواية الثالثة تقول:"قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ الذَّاهِبِينَ مَعِي."(أعمال 26/ 13).
فحدث بهذه الأهمية في تاريخ بولس ثم النصرانية لا يجوز أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات، "وإن تقديم شهادتين مثل هاتين (الرواية الأولى والثالثة) أمام محكمة ابتدائية في أي قضية، ولتكن حادثة بسيطة من حوادث السير على الطرق لكفيل برفضهما معًا، فما بالنا إذا كانت القضية تتعلق بعقيدة يتوقف عليها المصير الأبدي للملايين من البشر"(1)، إذ بعد هذه الحادثة أصبح شاول الرسول بولس مؤسس المسيحية الحقيقي.
لكن إذا أردنا تحليل الهدف الذي جعل بولس يختلق هذه القصة فإنا نقول: يبدو أن بولس اندفع للنصرانية بسبب يأسه من هزيمة أتباع المسيح، فقد رآهم يثبتون على الحق
(1) اختلافات في تراجم الكتاب المقدس، أحمد عبد الوهاب (ص 103) ولنظر للأهمية أيضًا "بولس وتحريف المسيحي"(ص 40 - 42).