الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظة من الكتاب (1).
- وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)} [البقرة: 79]).
قال مجاهد رحمه الله: "هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله، ثم يحرفونه". (2)
وهم أهل الكتاب كما علمت مسبقًا من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال الشوكاني في تفسيره لنفس الآية السابقة: والكتابة معروفة، والمراد: أنهم يكتبون الكتاب المحرف ولا يبينون ولا ينكرونه على فاعله. وقوله: "بأيديهم" تأكيد لأن الكتابة لا تكون إلا باليد فهو مثل قوله: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} ، وقوله "يَقُولُونَ بِأَفَوَاهِهِم" وقال ابن سراج: هو كناية عن أنه من تلقائهم دون أن ينزل عليهم. وفيه أنه قد دل على أنه من تلقائهم قوله: "يكتبون الكتاب" فإسناد الكتابة إليهم يفيد ذلك. (3)
ثانيًا: أدلة التحريف من السنة النبوية
.
1 -
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تجدون في التوراة في شأن الرجم). فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما. (4)
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم
(1) التفسير الكبير للرازي 10/ 118.
(2)
تفسير الطبري 1/ 423.
(3)
فتح القدير 1/ 105.
(4)
رواه البخاري (3436) باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم (1699).
وقولوا: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}
…
الآية". (1)
3 -
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله رضي الله عنه: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: أتى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابٍ أَصَابَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكُتُبِ فَقَرَأَهُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَغَضِبَ فَقَال: أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الخطَّابِ، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لا تَسْألوهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَيُخْبِرُوكُمْ بِحَقٍّ فَتكَذِّبُوا بِهِ أَوْ بِبَاطِلٍ فتصَدِّقُوا بِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صلى الله عليه وسلم كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي". (2)
وفي هذا الحديث الترياق الشافي عما يسأل عنه كثير من النصارى- كيف يكون الكتاب المقدس محرفًا ويستشهد به القرآن الكريم- فيظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم غضب من عمر رضي الله عنه لاطلاعه على صحيفة من التوراة، وهذا يدل على أنها محرفة، لأنه صلى الله عليه وسلم يؤمن بتوراة موسى ويعظمها كما أمرنا الله في كتابه الحكيم، فلا معنى للغضب إلا لأنها قد حرفت، إذ لو كانت صحيحة ما انتهر النبي صلى الله عليه وسلم عمر الذي كان يعلم أنها محرفة كما أشار القرآن الكريم، لكنه ظن رضي الله عنه أن الإطلاع عليها دون سبب شرعي جائز، وقوله صلى الله عليه وسلم عن شريعته أنها بيضاء نقية، يفيد العكس في صحيفة التوراة، بمعنى: لقد جئتكم بالشريعة النقية البيضاء الخالية من أوساخ التحريف والتزييف، فدع عنك يا عمر هذه الصحيفة الملوثة بالتحريف.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي" يدل على براءة موسى وكذلك عيسى عليهما السلام من هذه الكتب وهذه الشراع، واتباعهما لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، فإن ما في الكتب السابقة من خير موجود في القرآن الكريم، ففي القرآن الكريم ما يغني عن كل هذه الكتب لقوله تعالى:{نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ)} [آل عمران: 3].
4 -
عن عبيد الله بن عبد الله: أن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضًا لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو
(1) رواه البخاري (4215).
(2)
رواه أحمد (3/ 387)، وحسنه الألباني بشواهده في إرواء الغليل (1589).