الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول إلياس مقار: "وأجرة الخطية هي موت، وقد مات آدم وحواء في اللحظة التي سقطا فيها وانفصلا عن الله، لقد ماتا في الحال الموت الروحي والأدبي،
…
، بل لقد شعرا للمرة الأولى بأن غشية من الظلام استولت على عيونهما فلم يعودا يميزان بين الحق والباطل والنور والظلام، والجمال والقبح والخير والشر
…
". (1)
ونرد عليهم فنقول: هذا كلام مناقض تماما لما ورد في كتابكم، إذ كيف يمكن القول بأن آدم بعدما أكل من شجرة معرفة الخير والشر لم يعد يميز بين الخير والشر والحق والباطل؟ .
يقول سفر التكوين: "وَقَال الرَّبُّ الإِلهُ: "هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ". 23 فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24 فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ."(3/ 22 - 24).
كيف يمكن بعد هذا أن نقول إنهما - أي آدم وحواء - أصبحا لا يفرقان بين الخير والشر والحق والباطل والنور والظلام؟
الفصل الأول: الرد على ادعاءات النصارى
أولًا: يدعي النصارى أن الخطية سبّبت الموت لآدم وحواء، وهذا ادعاء خاطئ.
ذلك أننا لو نظرنا في قصة مخالفة آدم وحواء لأمر الله تعالى وأكلهما من الشجرة والملابسات المصاحبة لها - في سفر التكوين - نجد أنه يمكن استنباط أن الإنسان خاضع للموت قبل أن يأكل من الشجرة، ذلك أن سفر التكوين يوضح لنا أن هناك شجرتين في الجنة التي سكن فيها آدم قبل نزوله إلى الأرض إحداهما تسمى شجرة الحياة وثمرها يمنح الإنسان - في نظر المسيحيين - الحياة الخالدة، فلو تناول الإنسان من هذه الشجرة - في نظرهم - لأصبح خالدا وعاش إلى الأبد بدليل قوله "وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأبَدِ"." (تكوين 3/ 22).
(1) رجال الكتاب المقدس، إلياس مقار (1/ 12)، قضايا المسيحية الكبرى (378).
وحيث إن آدم وحواء لم يأكلا من هذه الشجرة التي تمنح الخلود فمعنى ذلك أنهما كانا معرضين للموت قبل المخالفة وبعدها.
هذا فضلًا عن أن الكتاب المقدس يببين أن آدم كان قابلًا للفناء والموت حتى قبل المخالفة وذلك لأنه من التراب، يقول سفر التكوين "لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ". (تكوين 3/ 19).
ثانيًا: ويدعون أيضًا أن أكل آدم من الشجرة سبب له الفساد والبعد عن الله.
وهذا قول يفتقر إلى الحجة والبرهان، خاصة وأن سفر التكوين قد جاء فيه فقرة تدل على أن آدم وحواء تابا، والله سبحانه وتعالى قبل توبتهما، ذلك أنهما حين أكلا من الشجرة انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، واختبآ خوفا وخجلا من الله، ثم بعد ذلك يبين سفر التكوين أن الله صنع لآدم وحواء أقمصة من جلد وألبسهما، والتوبة تغفر الذنب وتكفره. يقول سفر الأعمال:"19 فَتُوبُوا وَارْجِعُوا لِتُمْحَى خَطَايَاكُمْ"(أعمال 3/ 19). (1)
ثالثا: يعتقد المسيحيون أن آدم وحواء لم يجلبا الدمار والهلاك والفساد على أنفسهما بعصيانهما فحسب، بل على كل ذريتهما أيضا؛ لأنهم أصبحوا ورثة لطبيعتهما الساقطة الآثمة. (2)
يقول حبيب جرجس: "إن خطية آدم عمت جميع نسله وعادت بالويل والشقاء على سائر الجنس البشري، وصار محكوما عليهم بأن يولدوا أثمة وعبيدا للخطية والموت، وذلك لأن آدم لم يلدهم إلا وهو في حالة الإثم والمعصية والغضب، فبناء عليه كان جميع الجنس المتناسل منه بالطبيعة آثما ومخطئا وواقعا في المعصية ومعاقبا عليها كما عوقب آدم وزوجته من قبل، ولذلك حسبت المعصية عليهم كما حسبت عليه". (3)
وأصبح الإنسان بموجب هذه الفكرة - عند المسيحيين - عاجزًا عن كل خير روحي. يقول الأب بولس إلياس اليسوعي: "إن سقطة الإنسان الأول كانت جسيمة أفقدته توازن قوة الروحية فأصيب بجراح بليغة وبنوع خاص في عاقلته وإرادته، فعاقلته
(1) انظر: تأثر المسيحية بالأديان الوضعية (535 - 536).
(2)
هذه عقائدنا، كلايد تارنر (59)، طريق الخلاص، عوض سمعان (12).
(3)
خلاصة الأصول الإيمانية (23).
أصبحت محدودة القدرة تعجز عن إدراك الله كما في أول عهدها وشلت إرادته وأصبحت عاجزة عن صنع الخير والشر وحتى السعي إليه". (1)
وبناء عليه لا يستطيع الإنسان في - نظرهم - أن يخلص نفسه من هذا الفساد.
رابعًا: دعوى عدم التوفيق بين عدل الله ورحمته:
لقد وضع المسيحيون فكرتهم عن توارث الخطيئة على هيئة مأزق لله سبحانه وتعالى، فباعتبار أن الإنسان في نظرهم غير مؤهل لأن يشق طريقه إلى الله لأنه متصف بالعجز لأن طبيعته فاسدة، فماذا يفعل الله في نظرهم إزاء هذا؟
والجواب: أن الله تعالى في نظرهم لا يستطيع أن يغفر هذه الخطية أو يعفو عنها.
وها هي بعض أقوالهم:
يقول إلياس مقار: "قد يقال: أليس من حق الله وسلطانه وهو صاحب السلطان الأعلى أن يعفو بكلمة عمن يريد أو يشاء؟ وهل يكون الله أقل من الملوك والرؤساء الذين يستطيعون بكلمة أن يعفو عن المجرمين والمحكوم عليهم بأقسى العقوبات؟
إنه قياس مع الفارق؛ لأن عفو الملوك الأرضيين أو الرؤساء إذا صح أنه نبيل أو عظيم إلا أنه على حساب العدالة في إطلاقها وكمالها ومجدها، وأنه إذا صح أن البشر لأنهم ناقصون يعفون أو يتساهلون بدافع من نقصهم أو ضعفهم عن العدالة المطلقة، فإن الله لا يمكن أن يعفو أو يتساهل قيد شعرة عن العدالة المطلقة، وأن القول إن الله قادر على العفو بمجرد كلمة وإن أحدًا لا يمكن أن يجرده أو يطلب إليه أن يتنازل عن السلطان عن هذا القول يفهم القدرة الإلهية فهما خاطئًا؛ لأن الله مع قدرته اللانهائية تُورد أشياء نقول بكل احترام وإجلال لا يقدر عليها". (2)
ثم يقول: "يمكن أن نقول بملء اليقين إن الله لا يمكن أن يغفر الخطية بمجرد كلمة
(1) يسوع المسيح (83).
(2)
قضايا المسيحية الكبرى (390).