الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يستقر في مكان على نية الإقامة فيه، بل على قصد في الرحيل إلى غيره - أشد دعاتها، وقد تأثر المسيحيون خطاه، وتعرفوا أخباره وأقواله، ما دونه منه في رسائله، وما ألقاه في الجموع وتناقلوه، وإن لم يدونه هو، وتأثروا أعماله فاحتذوا حذوه، وسلكوا مسلكه، واعتبروه القدوة الأولى" (1)
وسنتكلم عنه من خلال عدة عناصر:
أولًا: التعريف ببولس:
1 -
" لقد ولد من عائلة يهودية أقامت بمدينة طَرَسُوس في سيليقيا ووجدت له بها رزقًا، وكانت طرسوس مدينة نشطة غاية في النشاط، تقع على نهاية حدود إقليم سيليقيا وتعتبر مفتتح سبل النفوذ إليه، كانت حلقة الاتصال بين هضبة آسيا الصغرى وبين الشام ومفرق الطرق التجارية الهامة التي تجلب إليها في آن واحد، من اليونان وإيطاليا وفريجيا وكابا دوسيا والشام وقبرص وفينيقيا ومصر، سيلًا لا ينقطع من الأفكار والعقائد والتأثيرات المختلفة."(2)
ولقد جاء التعريف به ضمن أعمال الرسل ومن خلالها نستطيع أن ننسق تعريفًا به:
2 -
تربى في أورشليم، واسمه الأصلي شاول، "، ومعناه: "مطلوب"، ثم سمى نفسه بعد تنصره "بولس"، ومعناه "الصغير" وهذا ما ورد عنه في 22/ 3: "فَقَال: 3 "أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ، وَلكِنْ رَبَيْتُ فِي هذ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّبًا عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالائِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. "
3 -
ولقد جاء أيضًا أنه من الفريسيين الذين يقولون إن هناك قيامة يشاركون فيها ملك المسيح في الدنيا، فقد جاء في 23:"6 وَلمَّا عَلِمَ بُولُسُ أَنَّ قِسْمًا مِنْهُمْ صَدُّوقِيُّونَ وَالآخَرَ فَرِّيسِيُّونَ، صَرَخَ فِي الْمُجْمَعِ: "أَيُّهَا الرِّجَال الإِخْوَةُ، أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ. عَلَى
(1) محاضرات في النصرانية (ص 78).
(2)
المسيحية نشأتها وتطورها، شارل جنيبر (ص 68)، في مقارنة الأديان
…
بحوث ودراسات، محمد عبد الله الشرقاوي (ص 152).
رَجَاءِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أَنَا أُحَاكَمُ". "
ونجد كُتَّاب النصارى متفقين على أنه من اليهود، ولكن جاء في سفر أعمال الرسل أيضًا ما يدل على أنه روماني ففي (22/ 25 - 26):" 25 فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ، قَال بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: "أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَانًا رُومَانِيًّا غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟ " 26 فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ المئَةِ ذَهَبَ إِلَى الأَمِيرِ، وَأَخْبَرَهُ قَائِلًا: "انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ". "
فأنت تلاحظ بلا ريب التعارض الظاهر في أصل بولس، ولن نقف مع هذا طويلًا، فمهما يكن من أمر جنسه، فقد كان بولس هذا في صدر حياته من أشد أعداء المسيحية، وأبلغهم كيدًا لها، وأكثرهم إمعانًا في أذى معتنقيها ومن النصوص التي تثبت ذلك، ما جاء في أعمال الرسل (8/ 1 - 3):"وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الجْمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ. 2 وَحَمَلَ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ اسْتِفَانُوسَ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ مَنَاحَةً عَظِيمَةً. 3 وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالًا وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ. "
وفي (9/ 1 - 2): "1 أَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تهَدُّدًا وَقَتْلًا عَلَى تَلَامِيذِ الرَّبِّ، فتقَدَّمَ إِلَى رَئِيسِ الْكَهَنَةِ 2 وَطَلَبَ مِنْهُ رَسَائِلَ إِلَى دِمَشْقَ، إِلَى الْجَمَاعَاتِ، حَتَّى إِذَا وَجَدَ أُنَاسًا مِنَ الطَّرِيقِ، رِجَالًا أَوْ نِسَاءً، يَسُوقُهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ."(1)
ولا تذكر المصادر النصرانية لقيا بولس المسيح، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالنصرانية شهوده محاكمة وقتل استفانوس أحد تلاميذ المسيح، ويذكر بولس أنه كان راضيًا عن قتله. (انظر أعمال 8/ 1) فقد كان يهوديًّا معاديًا للمسيحيين الأوائل. (2)
4 -
تحول بولس العجيب إلى النصرانية:
ويقول سفر الأعمال إن ذلك الرجل الذي كاد للمسيحية هذا الكيد وآذى أهلها ذلك
(1) محاضرات في النصرانية (ص 79 - 81) بتصرف يسير، وانظر أيضًا للأهمية كتاب "بولس وتحريف المسيحية"، تأليف هايم ماكبي، ترجمة سميرة عزمي الزين.
(2)
هل العهد الجديد كلمة الله؟ (ص 32) وانظر أيضا: المسيحية د. أحمد شلبي (111 - 112).
الإيذاء، قد انتقل من الجبت والطاغوت إلى المسيحية فجأة من غير مقدمات تقدمت ذلك الانتقال، ولا تمهيدات مهدت له. (1)
فيقول في (9/ 3 - 6): "وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلًا لَهُ: "شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ " فَقَال:"مَنْ أَنْت يَا سَيِّدُ؟ " فَقَال الرَّبُّ: "أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ". 6 فَقَالَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: "يَارَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ " فَقَال لَهُ الرَّبُّ: "قُمْ وَادْخُلِ المدِينَةَ فَيُقَال لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ"."
وكان مما قاله المسيح كما زعم: "لأَنِّي لهِذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى الله، حَتَّى يَنَالوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ المُقَدَّسِينَ. "أعمال الرسل 16/ 16 - 18).
"ومكث بولس ثلاثة أيام في دمشق، ثم غادرها إلى العربية. (2)
ثم عاد إليها "ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ، فَمَكَثْتُ عِنْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا."(غلاطية 1/ 18).
ثم بدأ دعوته في دمشق، فحاول اليهود قتله، فهرب إلى أورشليم، فرحب به برنابا، وقدمه للتلاميذ الذين يصفه أعمال الرسل بأنهم "يَخَافُونَهُ غَيْرَ مُصَدِّقِينَ أَنَّهُ تِلْمِيذٌ."(أعمال 9/ 26).
ثم ذهب للدعوة في قيصرية (جنوب حيفا)، ثم سافر مع برنابا إلى آسيا الصغرى، ثم حضر مجمع أورشليم مع التلاميذ، ثم رجع إلى أنطاكيا، واختلف فيها مع برنابا بسبب (زعمته الأناجيل) وهو إصراره على اصطحاب مرقس معهما في رحلتهما التبشيرية، وعندها افترقا.
(1) محاضرات في النصرانية (ص 83)، الكتب المقدسة في ميزان التوثيق، عبد الوهاب عبد السلام طويلة (118).
(2)
يطلق اسم العربية في الكتاب القدس، ويراد منه جزيرة العرب كما قد يراد به بعض المواقع شمال الجزيرة كسيناء وجنوب الشام. انظر قاموس الكتاب المقدس، ص (615).