الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني: لا تصلح الأعمال الصالحة للتكفير عن الذنوب عند النصارى لأن في القبول بذلك هدم لمعتقدهم
؟ .
إن النصارى يزعمون أن البشر جميعًا خطاة بسبب وراثتهم لذنب آدم عليه السلام الذي أكل من الشجرة التي نهاه الله عنها في الجَنَّة، وأن الإنسان بطبيعته الخاطئة التي ورثها من آدم عليه السلام لا يستطيع القيام بحقوق الله إلا بإيمانه بأن المسيح الإله صُلب كفارةً لخطايا البشر، وبالتالي فإن النصارى يشككون في صلاحية الأعمال الصالحة للتكفير عن الذنوب، وذلك لأن في قبولهم بالأعمال الصالحة وسيلة لتكفير الذَّنْب هدم لأصل معتقدهم الذي هو الإيمان بأن صلب المسيح الإله لنفسه كوسيلة وحيدة لتكفير الذَّنْب.
وحتى لا يصبح الناس مستهترين ومتكلون على الكفارة المجانية، فكل من يعتقد بأن المسيح صُلب فقد غُفر له كل خطاياه، ولذا فإن النصارى (الأرثوذكس) يقولون أنه لكي تحصل على الخلاص الذي تم بصلب المسيح لا بد أن تعمل أعمالا تتم هذا الخلاص من جهتك من خلال سلطان الكنيسة وممارسة طقوسها السبعة (المعمودية، الشكر، التوبة
…
)، وهم في ذلك يتناقضون، فالخلاص المزعوم بصلب المسيح الإله هل تحقق به غفران الذنوب أم لم يتحقق؟ ، فإذا كان تحقق به غفران الذنوب فما هو فائدة أسرار الكنيسة السبعة، وإذا كان هو موقوف على ممارسة هذه الأسرار فكيف يمكن أن يقول أنه تم الخلاص.
ثانيًا: أنَّ هذا التضخيم لذنب آدم والإدعاء أنه خطية لا محدودة ولا تصلح التوبة كعمل صالح لمحوها، وذلك من أجل الوصول إلى نتيجة أن الخطية اللا محدودة لا يكفرها إلا الغير محدود مثله للوصول أن صلب المسيح هو الحل، وهو وحده الذي يستطيع أن يدفع الثمن عن هذه الخطية.
الوجه الثالث: الأعمال الصالحة أسباب شرعها الله للتكفير عن الذنب وليس ثمنًا للخلاص
.
فالمسلمون يرون أن الأعمال الصالحة ليست ثمنًا ولا عوضًا عن الذَّنْب، إنما النجاة بفضل الله ورحمته، وأن هذه الأعمال إنما هي أسباب قدَّرها الله وشرعها للتكفير عن الذَّنْب، فإن الإنسان ضعيف أمام الشهوات، فإذا غلبته شهوته وأغواه الشيطان فإنه يتوب إلى الله
ويستغفره ويعمل صالحًا ليكفِّر عن ذنبه، فنحن إذًا لا نقول بأن الأعمال ثمنًا للخلاص، فإن نعم الله عز وجل على العبد لا تُعد ولا تُحصى، وإن أعمال العبد من توفيق الله، وهي لا توفي شكر هذه النعم فضلًا عن وقوع الذنوب من العبد التي تحتاج لأعمال تكفِّرها، فإن النجاة هي من فضل الله ومنِّه، وتتحقق بطاعته واجتناب نهيه وإخلاص العمل له وحده.
حق الله تعالى على العباد كما يعرِّفه أهل الإسلام: وهذا الحق من أعظم الحقوق وأجلَّها قدرًا، وهو يدور على أصلين:
الأول: عبادته سبحانه.
الثاني: توحيده عز وجل وعد الإشراك به شيئًا، ومعنى حق الله تعالى على العباد ما يستحقه عليهم متحتمًا عليهم (1).
قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} ، فالعبادة هي الغاية التي خلق لها الجن والإنس والخلائق كلها قال الله تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)} أي مهملًا، قال الشافعي: لا يؤمر ولا ينهى وقال غيره لا يثاب ولا يعاقب والصحيح الأمران فإن الثواب والعقاب مترتبان على الأمر والنهي والأمر والنهي طلب العبادة وإرادتها وحقيقة العبادة امتثالهما، فالله تعالى إنما خلق الخلق لعبادته الجامعة لكمال محبته مع الخضوع له والانقياد لأمره، هاذا كانت المحبة له هي حقيقة عبوديته وسرها فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه فعند اتباع الأمر واجتناب النهي تتبين حقيقة العبودية والمحبة (2).
حق الله على عباده: سأل النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل فقال له: هل تدري ما حق الله على عباده؟ ، فقال معاذ: الله ورسوله أعلم، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.
فالحق هو كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة، وكذا الحق المستحق على الغير إذا
(1) موسوعة الحقوق الإسلامية (15).
(2)
مدارك السالكين لابن القيم 1/ 77 - 91.