الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
فإنْ مَرَّ بين يَدَيْهِ إنْسَانٌ فعَبَرَ، لم يُسْتَحَبَّ رَدُّهُ مِن حيثُ جاءَ. وهذا قولُ الشَّعْبِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وإسحاقَ، وابن المُنْذِرِ، وَرُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه يَرُدُّهُ مِن حيثُ جَاءَ، وفَعَلَه سَالِمٌ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بِرَدِّه، فتَنَاوَلَ العَابِرَ. ولَنا، أنَّ هذا مُرُورٌ ثانٍ، فيَنْبَغِى أنْ لا يُنْسَبَ إليه كالأوَّلِ، ولأنَّ المارَّ لو أرادَ أنْ يَعُودَ مِن حيثُ جاءَ لكان مَأْمُورًا بِمَنْعِه، ولم يَحِلَّ لِلْعَابِرِ العَوْدُ، والحَدِيثُ لم يتناوَلِ العَابِرَ، إنَّما (11) في الخَبَرِ:"فأرَادَ (12) أن يَجْتَازَ بين يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ". وبعدَ العُبُورِ فليس هذا مُرِيدًا للاجْتِيَازِ.
فصل: والمُرُورُ بين يَدَىِ المُصَلِّى يَنْقُصُ الصلاةَ ولا يَقْطَعُها. قال أحمدُ: يَضَعُ من صلاتِه، ولكن لا يَقْطَعُها. وَرُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّ مَمَرَّ الرَّجُلِ لَيَضَعُ (13) نِصْفَ الصلاةِ. وكان عبدُ اللَّه إذا مَرَّ بين يَدَيْه رَجُل الْتَزَمَهُ حتى يَرُدَّهُ. رَوَاه البُخَارِىُّ (14) بإسْنَادِه. قال القاضي: يَنْبَغِى أن يُحْمَلَ نَقْصُ الصلاةِ على مَنْ أمْكَنَه الرَّدُّ فلم يَفْعَلْهُ، أمَّا إذا رَدَّ فلم يُمْكِنْه الرَّدُّ فصَلَاتُه تَامَّةٌ؛ لأنَّه لم يُوجَدْ منه ما يَنْقُصُ الصلاةَ، فلا (15) يُؤَثِّرُ فيها ذَنْبُ غيرِه.
فصل: ولا بَأْسَ بالعَمَلِ اليَسِيرِ في الصلاةِ لِلْحاجةِ. قال أحمدُ: لا بَأْسَ أن يَحْمِلَ الرَّجُلُ ولدَه في الصلاةِ الفَرِيضَةِ؛ لِحَديثِ أبى قَتَادةَ، وحَدِيثِ عائشةَ، أنَّها اسْتَفْتَحَتِ البابَ، فمشَى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاةِ حتى فَتَح لها (16). وأمَرَ
(11) في أ، م زيادة:"هو".
(12)
في أ، م ريادة:"أحد".
(13)
في م: "يضع".
(14)
لعل الصواب "النجاد". وانظر ما تقدم في حاشية 38 صفحة 85.
(15)
في الأصل: "فلم".
(16)
تقدم تخريجه في 2/ 401.
النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الأسْوَدَيْنِ في الصلاةِ (17). فإذا رَأَى العَقْرَبَ خَطَا إليها، وأخذ النَّعْلَ، وقَتلَها، ورَدَّ النَّعْلَ إلى مَوْضِعِها؛ لأنَّ ابْنَ عمرَ نَظَرَ إلى رِيشَةٍ فحَسِبَها عَقْرَبًا، فضَرَبَهَا بنَعْلِه، وحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه الْتَحَفَ بإزَارِه وهو في الصَّلاةِ (18). فلا بَأْسَ إن سَقَطَ رِدَاءُ الرَّجُلِ أن يَرْفَعَه، وإن انْحَلَّ إزَارُه أن يَشُدَّهُ. وإذا عَتَقَتِ الأمَةُ وهى تُصَلِّى اخْتَمَرَتْ، وبَنَتْ على صلاتِها. وقال: من فَعَلَ كفِعْلِ أبى بَرْزَةَ، حين مَشَى إلى الدَّابَّةِ وقد أفْلَتَتْ منه (19)، فصَلَاتُه جَائِزَةٌ. وهذا لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم هو المُشَرِّعُ، فما فَعَلَهُ أو أَمرَ به، فلا بَأْسَ به. ومثلُ هذا ما رَوَى سَهْلُ بنُ سَعْدٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على مِنْبَرِهِ، فإذا أرادَ أن يَسْجُدَ نَزَلَ عن المِنْبَرِ فسَجَدَ بالأرْضِ، ثم رَجَعَ إلى المِنْبَرِ كذلك، حتى قَضَى صلاتَهُ (20). وحَدِيثُ جَابِرٍ في صَلَاةِ الكُسُوفِ، قال: ثم تَأَخَّرَ، وتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ خَلْفَه، حتى انْتَهَيْنَا إلى النِّسَاءِ، ثم تَقَدَّم، وتَقَدَّمَ النّاسُ معه، حتى قَامَ في مَقَامِه. مُتَّفَقٌ عليه (21). وعن أبي بَكْرَةَ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّى بنا، فكان الحسنُ بنُ عليٍّ يَجىءُ وهو صَغِيرٌ، فكان كُلَّما سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَثَبَ على ظَهْرِه، ويَرْفَعُ (22) النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَه رَفْعًا رَفِيقًا حتى يَضَعَهُ بالأرْضِ (23). رَوَاهُ الأثْرَمُ (24).
(17) تقدم تخريجه في 2/ 399.
(18)
أخرج الإِمام أحمد، في: المسند 2/ 319 أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشتمل في إزاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بين طرفيه على عاتقه.
(19)
تقدم تخريج الحديث في 2/ 402. ويضاف إليه: وأخرجه البخاري أيضًا، في: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا، من كتاب الأدب. صحيح البخاري 8/ 37.
(20)
تقدم في صفحة 47.
(21)
أخرجه مسلم، في: باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار، من كتاب الكسوف. صحيح مسلم 2/ 623. وأبو داود، في: باب من قال: أربع ركعات، من كتاب الاستسقاء. سنن أبي داود 1/ 269. والإمام أحمد، في: المسند 3/ 318، 5/ 137.
(22)
في الأصل: "فيرفع".
(23)
سقط من: الأصل، أ.
(24)
أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 5/ 51.
وحَدِيثُ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَزَلْ يُدَارِئُ البَهْمَةَ حتى لَصِقَ بِالجَدْرِ (25). وحدِيثُ أبي سَعِيدٍ [في الأمْرِ](26) بِدَفْعِ المارِّ بين يَدَىِ المُصَلِّى، ومُقَاتَلَتِه إذا أبَى الرُّجُوعَ (27). فكُلُّ هذا وأشْبَاهُه لا بَأْسَ به في الصلَاةِ، ولا يُبْطِلُها، ولو فَعَلَ هذا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، كُرِهَ، ولا يُبْطِلُها أيضًا. ولا يَتَقَدَّرُ الجائِزُ من هذا بثَلَاثٍ ولا بِغَيْرِها من العَدَدِ؛ لأنَّ فِعْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظَّاهِرُ منه زِيَادَتُه (28) على ثَلَاث، كتَأخُّرِه حتى تَأخَّرَ الرِّجَالُ فانْتَهَوا إلى النِّساءِ، وفي حَمْلِه أُمَامَةَ وَوضْعِها في كُلِّ رَكْعَةٍ، وهذا في الغَالبِ يَزِيدُ على ثلاثةِ أفْعَالٍ، وكذلك مَشْىُ أبِى بَرْزَةَ مع دَابَّتِه. ولأنَّ التَّقْديرَ بابُه التَّوْقِيفُ، وهذا لا تَوْقِيفَ فيه، ولكن يُرْجَعُ في الكَثِيرِ واليَسِيرِ إلى العُرْفِ، فيما يُعَدُّ كَثِيرًا أو يَسِرًا، وكُلُّ ما شَابَه فِعْلَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فهو مَعْدُودٌ يَسِيرًا. وإن فَعَلَ أفْعَالًا مُتَفَرِّقَةً لو جُمِعَتْ كانت كَثيرةً، وكُلُّ واحِدٍ منها بِمُفْرَدِه يَسِيرٌ، فهى في حَدِّ اليَسِيرِ؛ بِدَلِيلِ حَمْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لأُمَامَةَ في كُلِّ رَكْعَةٍ وَوَضْعِها. وما كَثُرَ وزَادَ على فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أبْطَلَ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ كان لِحَاجَةٍ أو غيرِها، إلَّا أن يكُونَ لِضَرُورَةٍ، فيكونُ حُكْمُه حُكْمَ الخَائِفِ، فلا تَبْطُلُ صلاتُه به، وإن احْتاجَ إلى الفِعْلِ الكَثِيرِ في الصلاةِ لِغيرِ ضَرُورَةٍ، قَطَعَ الصلاةَ، وفَعَلَه. قال أحمد: إذا رَأى صبيينِ يَقْتَتِلَانِ، يتَخَوَّفُ أن يُلْقَىَ أَحدُهما صَاحِبَه في البِئْرِ، فإنَّه يَذْهَبُ إليهما فيُخَلِّصُهما، ويَعُودُ في صلاتِه. وقال: إذا لَزِمَ رَجُلٌ رَجُلًا، فدَخَلَ المَسْجِدَ، وقد أُقِيمَتِ الصلاةُ، فلمَّا سَجَدَ الإِمامُ خَرَجَ المَلْزُومُ، فإنَّ الذي كان يلْزَمُه (29) يَخْرُجُ في طَلَبِه. يَعْنِى: ويَبْتَدِئُ الصلاةَ. وهكذا لو رَأَى حَرِيقًا يُرِيدُ
(25) تقدم في صفحة 82.
(26)
في م: "بالأمر".
(27)
تقدم في صفحة 92.
(28)
في م: "بزيادته".
(29)
في أ، م:"يلزم".