الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعَمَلِ بِعُمُومِ النَّهْىِ.
فصل:
فأمَّا الدَّفْنُ لَيْلًا، فقال أحمدُ: ما (12) بَأْسٌ بذلك. وقال: أبو بكرٍ دُفِنَ لَيْلًا، وعلىٌّ دَفَنَ فاطمةَ لَيْلًا، وحديثُ عائشةَ: كُنَّا سَمِعْنَا صَوْتَ الْمَسَاحِى من آخِرِ اللَّيْلِ في دَفْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (13). ومِمَّنْ دُفِنَ لَيْلًا: عثمانُ، وعائشةُ، وابنُ مسعودٍ. وَرَخَّصَ فيه عُقْبَةُ بن عَامِرٍ، وسَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ، والثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وإسْحاقُ. وكَرِهَهُ الحسنُ؛ لما رَوَى مُسْلِمٌ، في "صَحِيحِه"(14)، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمًا، فذَكَرَ رَجُلًا من أصْحَابِه قُبِضَ، فكُفِّنَ في كَفَنٍ غيرِ طَائِلٍ، ودُفِنَ لَيْلًا، فزَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُقْبَرَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ، إلَّا أنْ يُضْطَرَّ الإِنْسانُ إلى ذلك. وقد رُوِىَ عن أحمدَ أنَّه قال: إليه أذْهَبُ. ولَنا، ما رَوَى ابنُ مسعودٍ، قال: واللهِ لَكَأنِّى أسْمَعُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ (15) تَبُوكَ، وهو في قَبْرِ ذِى الِبجَادَيْنِ، وأبو بكرٍ وعمرُ، وهو يقول:"أَدْنِيَا مِنِّى أخَاكُما حَتَّى أسْنُدَهُ فِي لَحْدِهِ". ثم قال لما فَرَغَ مِن دَفْنِه، وقامَ على قَبْرِهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَة:"اللَّهُمَّ إنِّي أَمْسَيْتُ عَنْهُ رَاضِيًا، فَارْضَ عَنْهُ". وكان ذلك لَيْلًا، قال: فوَاللهِ لقد رَأَيْتُنِى ولَوَدَدْتُ أنِّى مَكَانَهُ، ولقد أسْلَمْتُ قَبْلَه بخَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وأخَذَهُ مِن قِبَلِ القِبْلَةِ. رَوَاهُ الخَلَّالُ، في "جَامِعِه"(16). ورَوَى ابنُ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا، فأُسْرِجَ له
(12) في أ، م:"ولا".
(13)
أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 6/ 62، 242، 274. وابن أبي شيبة، في: باب ما جاء في الدفن بالليل، من كتاب الجنائز. المصنف 3/ 347.
(14)
في: باب في تحسين الكفن، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 651. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الكفن، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود 2/ 176. والنسائي، في: باب الأمر بتحسين الكفن، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 28. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 487. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 295.
(15)
في الأصل: "غزاة".
(16)
عزاه أبو بكر الهيثمي للطبراني في الأوسط. انظر مجمع الزوائد 3/ 43. ونسبه ابن حجر في الإِصابة 2/ 330 للبغوى.
سِرَاجٌ، فأخَذَ مِن قِبَلِ القِبْلَة، وقال:"رَحِمَكَ اللهُ، إنْ كُنْتَ لَأَوَّاهًا، تَلَّاءً لِلْقُرْآنِ"(17). قال التِّرْمِذِىُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ. ورُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَألَ عن رَجُلٍ، فقال:"مَنْ هَذَا؟ " قالوا: فُلَانٌ، دُفِنَ البارِحَةَ. فصَلَّى عليه. أخْرَجَهُ البُخَارِىُّ (18). فلم يُنْكِرْ عليهم، ولأنَّه أحَدُ الزَّمَنَيْن (19)، فجَازَ الدَّفْنُ فيه كالنَّهَارِ، وحديثُ الزَّجْرِ مَحْمُولٌ على الكَرَاهَةِ والتَّأْدِيبِ؛ فإنَّ الدَّفْنَ نَهَارًا أوْلَى؛ لأنَّه أسْهَلُ على مُتَّبِعِيها (20)، وأكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ عليها، وأمْكَنُ لاتِّبَاعِ السُّنَّةِ في دَفْنِه وإلْحادِهِ.
390 -
مسألة؛ قال: (وَلَا يُصَلِّى الْإِمَامُ عَلَى الغَالِّ [مِنَ الْغَنِيمَةِ] (1)، ولَا عَلَى (2) مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ)
الغَالُّ: هو الذي يَكْتُمُ غَنِيمَتَه أو بعضَها، لِيَأْخُذَه لِنَفْسِه، ويَخْتَصَّ به. فهذا لا يُصَلِّى عليه الإِمامُ، ولا على مَن قَتَلَ نَفْسَه مُتَعَمِّدًا. ويُصَلِّى عليهما (3) سائرُ النَّاسِ. نَصَّ [أحمدُ على هذا](4). وقال عمرُ بنُ عبدِ العزِيزِ، والأوْزَاعِىُّ: لا يُصَلَّى على قَاتِلِ نَفْسِهِ بِحَالٍ؛ لأنَّ مَن لا يُصَلِّى عليه الإِمامُ لا يُصَلِّى عليه غيرُه، كشَهِيدِ
(17) تقدم تخريجه في صفحة 401.
(18)
في: باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز، وباب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز، وباب الدفن بالليل، من كتاب الجنائز. صحيح البخاري 2/ 109، 111، 114. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الصلاة على القبر، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 490. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 224، 283.
(19)
في أ، م:"الآيتين".
(20)
في أ، م:"متبعها".
(1)
سقط من: أ، م.
(2)
سقط من: م.
(3)
في أ، م:"عليه".
(4)
في أ، م:"عليهما أحمد".
المَعْرَكَةِ. وقال عَطَاءٌ، والنَّخَعِىُّ، والشَّافِعِىُّ (5): يُصَلِّى الإِمامُ وغيرُه على كل مُسْلِمٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلهَ إلَّا اللهُ". رَوَاهُ الخَلَّالُ بإسْنَادِهِ (6). ولَنا، ما رَوَى جابِرُ بنُ سَمُرَةَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم جَاءُوه بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ (7)، فلم يُصَلِّ عليه. رَوَاهُ مُسْلِمٌ (8). ورَوَى أبو دَاوُدَ (9) أنَّ رَجُلًا انْطَلَقَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فأخْبَرَهُ عن رَجُلٍ أنَّه قد ماتَ، قال:"وما يُدْرِيكَ؟ " قال: رَأيْتُه يَنْحَرُ نَفْسَهُ بمَشاقِصَ (10)، قال:"أنْتَ رَأيْتَهُ؟ "(11) قال: نعم، قال:"إذًا لَا أُصَلِّى عَلَيْهِ". ورَوَى زيدُ بنُ خَالِدٍ الجُهَنِىُّ، قال: تُوُفِّىَ رَجُلٌ مِن جُهَيْنَةَ يومَ خَيْبَرَ، فذُكِرَ ذلك لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ". فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ القَوْمِ، فلمَّا رَأَى ما بهم قال:"إنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ مِنَ الْغَنِيمَةِ"(12). احْتَجَّ به أحمدُ. واخْتَصَّ هذا الامْتِناعُ بالإِمامِ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا امْتَنَعَ مِن الصَّلَاةِ على الغَالِّ، قال:"صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ". ورُوِىَ أنَّه أمَرَ بالصلاةِ على قاتِلِ نَفْسِه، وكان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم هو الإِمامَ، فأُلْحِقَ به مَن سَاوَاهُ في ذلك، ولا يَلْزَمُ مِن تَرْكِ صلاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَرْكُ صَلَاةِ غيرِه؛ فإنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان في
(5) سقط من: الأصل.
(6)
تقدم تخريجه في صفحة 357.
(7)
المشقص: سهم ذو نصل عريض.
(8)
في: باب ترك الصلاة على القاتل نفسه، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 672. كما أخرجه النسائي، في: باب ترك الصلاة على من قتل نفسه، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 53. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 87، 94، 97، 107.
(9)
في: باب الإِمام لا يصلى على من قتل نفسه، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود 2/ 184.
(10)
سقط من: م.
(11)
في الأصل زيادة: "ينحر نفسه بمشاقص". وليس في سنن أبي داود.
(12)
في ازيادة: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي".
وأخرجه أبو داود، في: باب في تعظيم الغلول، من كتاب الجهاد. سنن أبي داود 2/ 62. والنسائي، في: باب الصلاة على من غل، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 52. وابن ماجه، في: باب الغلول، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 950. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 114.