الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أنَسٍ، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَرْفَعُ يَدَيْه في شيءٍ من دُعَائِه، إلَّا الاسْتِسْقَاءَ، وأنَّه يَرْفَعُ حتى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ. وفي حَدِيثٍ أيضًا لأنَسٍ: فَرَفَعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ورَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهم (14).
326 - مسألة؛ قال: (ويَدْعُو، ويَدْعُونَ، ويُكثِرُونَ في دُعَائِهِم إلاسْتِغْفَارَ)
وجُمْلَتُه أنَّ الإِمامَ إذا صَعِدَ المِنْبَرَ جَلَسَ، وإن شاءَ لم يَجْلِسْ؛ لأنَّ الجُلُوسَ لم يُنقَلْ، ولا ها هُنا أذانٌ لِيَجْلِسَ في وَقْتِه، ثم يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً، يَفْتَتِحُها بالتَّكْبِيرِ، وبهذا قال عبدُ الرحمنِ بن مَهْدِيٍّ. وقال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ: يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَىِ العِيدَيْنِ؛ لقولِ ابنِ عَبَّاسٍ: صَنَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم كما صَنَعَ في العِيدِ (1). ولأنَّها أشْبَهَتْها في التَّكْبِيرِ، وفى صِفَةِ الصلاةِ، فَتُشْبِهُها في الخُطْبَتَيْنِ. ولَنا، قولُ ابنِ عَبَّاسٍ: لم يَخْطُبْ كخُطْبَتِكُم (2) هذه، ولكن لم يَزَلْ في الدُّعَاءِ والتَّضَرُّعِ والتَّكْبِيرِ. وهذا يَدُلُّ على أنَّه ما فَصَلَ بينَ ذلك بِسُكُوتٍ ولا جُلُوسٍ. ولأنَّ كلَّ مَن نَقَلَ الخُطْبَةَ لم يَنْقُلْ خُطْبَتَيْنِ، ولأنَّ المَقْصُودَ إنَّما هو دُعاءُ اللهِ تعالى لِيُغِيثَهم، ولا أثَرَ لِكَوْنِها خُطبَتَيْنِ في ذلك، والصَّحِيحُ من حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه قال: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كما كان يُصَلِّى في العِيدِ. ولو كان النَّقْلُ كما ذَكَرُوهُ، فهو
= 2/ 612. وأبو داود، في: باب رفع اليدين في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء. سنن أبي داود 1/ 266. والنسائي، في: باب كيف يرفع، من كتاب الاستسقاء. المجتبى 3/ 128. وابن ماجه، في: باب من كان لا يرفع يديه في القنوت، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 373. والدارمى، في: باب رفع الأيدى في الاستسقاء، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 361.
(14)
أخرجه البخاري، في: باب رفع الناس أيديهم مع الإِمام في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء. صحيح البخاري 2/ 39.
(1)
تقدم في صفحة 334.
(2)
في الأصل: "خطبتكم".
مَحْمُولٌ على الصَّلَاةِ، بِدَلِيلِ أوَّل الحَدِيثِ. ويُسْتَحَبُّ أن يَسْتَفْتِحَ الخُطْبَةَ بالتَّكْبِيرِ، كَخُطْبَةِ العِيدِ، ويُكْثِرَ من الاسْتِغْفارِ والصَّلَاةِ على النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ويَقْرَأ كَثِيرًا:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} (3) وسائِر الآياتِ التي فيها الأمْرُ به، فإنَّ اللَّه تعالى وَعَدَهم بإرْسالِ الغَيْثِ إذا اسْتَغْفَرُوهُ. وَرُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه خَرَجَ يَسْتَسْقِى، فلم يَزِدْ على الاسْتِغْفارِ، وقال: لقد اسْتَسْقَيْتُ بمَجَادِيح السَّمَاءِ (4). وعن عمرَ بن عبدِ العزِيزِ، أنَّه كَتَبَ إلى مَيْمُون بن مِهْرَانَ يقولُ: قد كَتَبْتُ إلى البُلْدَانِ أن يَخْرُجُوا إلى الاسْتِسْقاءِ إلى مَوْضِعِ كذا وكذا، وأَمَرْتُهُمْ بالصَّدَقَةِ والصَلَاةِ، قال اللهُ تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (5). وأمَرْتُهم أن يَقُولُوا كما قال أبوهم آدَمُ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (6). ويقولُوا كما قال نُوحٌ: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (7). ويقولُوا كما قال يُونُس: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (8). ويقولوا كما قال موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (9). ولأنَّ المَعَاصِىَ سَبَبُ انْقِطَاعِ الغَيْثِ، والاسْتِغْفارُ والتَّوْبَةُ تَمْحُو المعاصِىَ المانِعة مِنَ الغَيْثِ، فيَأْتِى اللهُ
(3) سورة نوح 10، 11. ولم ترد الآية 11 في: أ، م.
(4)
مجاديح السماء: أنواؤها.
وأخرجه البيهقي، في: باب ما يستحب من كثرة الاستغفار في خطبة الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء. السنن الكبرى 3/ 351. وعبد الرزاق، في: باب الاستغفار، من كتاب الصلاة. المصنف 3/ 87.
(5)
سورة الأعلى 14، 15.
(6)
سورة الأعراف 23.
(7)
سورة هود 47.
(8)
سورة الأنبياء 87.
(9)
سورة القصص 16.
وأخرجه عبد الرزاق، في: باب الاستسقاء، من كتاب الصلاة. المصنف 3/ 87، 88.
به. ويُصَلِّى على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ويَدْعُو بِدُعَائِه، فَرَوَى جَابِرٌ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غيرَ آجِلٍ". رَوَاه أبو دَاوُدَ (10). قال الخَطَّابِىُّ (11): مرِيعا يُرْوَى على وَجْهَيْنِ باليَاءِ والبَاءِ، فمن رَوَاهُ باليَاءِ جَعَلَهُ من المِرَاعَةِ، يقال: أَمْرَعَ المَكَانُ: إذا أخْصَبَ، ومن رَوَاهُ مُرْبِعًا، كان معناه مُنْبِتًا لِلرَّبِيعِ. وعن عائشةَ قالتْ: شَكَا النّاسُ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَرِ، فأمَرَ بمِنْبَرٍ فَوُضِعَ له في المُصَلَّى، ووَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فيه، فخَرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حين بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فقَعَدَ على المِنْبَرِ، فَكَبَّرَ، وحَمِدَ اللهَ، ثم قال:"إنَّكُم شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، واسْتِئْخَارَ المَطَرِ عن إبَّانِ زَمَانِه عَنْكُمْ، وقد أَمَرَكُم اللهُ أن تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ". ثم قال: " {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لا إلهَ إلَّا اللهُ (12) يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللهُ لا إله إلَّا أنتَ الغَنِىُّ ونَحْنُ الفُقَرَاءُ، أنْزِلْ عَلَيْنَا الغَيْثَ وَاجْعَلْ ما أَنْزَلْتَ لنا قُوَّةً وبَلَاغًا إلى حِينٍ". ثم رَفَعَ يَدَيْه، فلم يَزَلْ في الرَّفْعِ حتى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ، ثم حَوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ وقَلَبَ أو حَوَّلَ رِدَاءَهُ، وهو رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثم أقْبَلَ على النَّاسِ، فَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. وقال عبدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا اسْتَسْقَى، قال:"اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وبَهَائِمَكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأَحْىِ بَلَدَكَ المَيِّتَ". رَوَاهما أبو دَاوُدَ (13). رَوَى ابنُ قُتَيْبَةَ، بإسْنَادِه في "غَرِيبِ الحَدِيثِ"(14)، عن أنَسٍ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ
(10) في: باب رفع اليدين في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء. سنن أبي داود 1/ 266.
(11)
في معالم السنن 1/ 255.
(12)
في أ، م:"هو".
(13)
تقدم تخريج حديث عائشة، في صفحة 337، وحديث عبد اللَّه بن عمرو أخرجه أبو داود، في: باب رفع اليدين في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء. سنن أبي داود 1/ 268. كما أخرجه مالك مرسلا: في: باب ما جاء في الاستسقاء، من كتاب الاستسقاء. الموطأ 1/ 190، 191.
(14)
لم نجده في غريب الحديث المطبوع.
لِلاسْتِسْقَاءِ، فصَلَّى بهم رَكْعَتَيْنِ، يَجْهَرُ فيهما بالقِرَاءَةِ، وكان يَقْرأُ في العِيدَيْنِ والاسْتِسْقاءِ في الرَّكْعَةِ الأُولَى بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ، وفى الرَّكعَةِ الثانيةِ فَاتِحَةَ الكِتابِ، و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} فلمَّا قَضَى صَلَاتَهُ اسْتَقْبَلَ القَوْمَ بِوَجْهِه، وقَلَبَ رِدَاءَهُ، ورَفَعَ يَدَيْه، وكَبَّرَ تَكْبِيرَةً قبلَ أن يَسْتَسْقِىَ، ثم قال:"اللَّهُمَّ اسْقِنَا وأَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، وَحَيًا رَبِيعًا، وجَدًا طَبَقًا غَدَقًا مُغْدِقًا مُونِقًا، هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا مُرْبعًا مُرْتِعًا، سائِلًا مُسْبِلًا مُجَلِّلًا، دَيْمًا دَرُورًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ رائِثٍ؛ اللَّهُمَّ تُحْيىِ بِهِ البِلَادَ، وتُغِيثُ به العِبَادَ، وتَجْعَلُه بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ مِنَّا وَالبَادِ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ في أَرْضِنَا زِينَتَها، وأَنْزِلْ عَلَيْنَا في أَرْضِنَا سَكَنَها، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنا من السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، فأَحْىِ، به بَلْدَةً مَيْتًا، وأَسْقِهِ ممَّا خَلَقْتَ أَنْعَامًا وأَنَاسِىَّ كَثِيرًا". قال ابنُ قُتَيْبَةَ: المُغِيثُ: المُحْيِى بإذْنِ اللهِ تعالى. والحَيَا: الذي تَحْيَا به الأرْضُ والمالُ. والجَدَا: المَطَرُ العَامُّ، ومنه أُخِذَ جَدَا العَطِيَّةِ، والجَدْوَى مَقْصُورٌ. والطَّبَقُ: الذي يُطَبِّقُ الأَرْضَ. والغَدَقُ والمُغْدِقُ: الكَثِيرُ القَطْرِ. والمُونِقُ: المُعْجِبُ. والمَرِيعُ: ذُو المَرَاعَةِ والخِصْبِ. والمُرْبِعُ من قَوْلِكَ: رَبَعْتُ مَكَانَ كذا: إذا أقَمْتَ به. وأَرْبِعْ على نَفْسِكَ: أَرْفِقْ. والمُرْتِعُ: من رَتَعَتِ الإِبلُ، إذا أَرْعَتْ. والسَّابِلُ: من السَّبَلِ، وهو المَطَرُ. يقال: سَبَلٌ سَابِلٌ، كما يقال: مَطَرٌ مَاطِرٌ. والرَّائِثُ: البَطِىءُ. والسَّكَنُ: القوة، لأنَّ الأَرْضَ تَسْكُنُ به. وَرُوِىَ عن عبدِ اللهِ بن عمرَ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اسْتَسْقَى، قال: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيعًا، غَدَقًا مُجَلِّلًا، طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ، ولا تَجْعَلْنا من القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إنَّ بالعِبَادِ والبِلَادِ من اللَّأْوَاءِ والضَّنْكِ والجَهْدِ ما لا نَشْكُوهُ إلَّا إلَيكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنا الزَّرْعَ، وأَدِرَّ لَنا الضَّرْعَ، واسْقِنَا من بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وأَنْزِلْ عَلَيْنَا من بَرَكَاتِكَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوعَ والعُرْىَ، واكْشِفْ عَنَّا من البَلَاءِ ما لا يَكْشِفُه غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّك كُنْتَ غَفَّارًا، فأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا