الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّارَقُطْنِىّ (14). وضَعَّفَهُ ابنُ الجَوْزِىِّ. وقولُ الصَّحَابِىِّ: مَضَتِ السُّنَّةُ. يَنْصَرِفُ إلى سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فأمَّا مَن رَوَى أنَّهم كانوا اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلًا، فلا يَصِحُّ؛ فإنَّ ما رَوَيْنَاهُ أصَحُّ منه رَوَاهُ أصْحَابُ السُّننِ. والخبَرُ الآخَرُ يَحْتَمِلُ أنَّهم عَادُوا فحَضَرُوا القَدْرَ الواجِبَ، ويَحْتَمِلُ أنَّهم عادُوا قبلَ طُولِ ال
فَصْلِ
. فأمَّا الثَّلاثةُ والأرْبَعَةُ فَتَحَكُّمٌ بالرَّأْىِ فيما لا مَدْخَلَ له فيه، فإنَّ التَّقْدِيراتِ بَابُها التَّوْقِيفُ، فلا مَدْخَلَ لِلرَّأْىِ فيها، ولا مَعْنَى لاشْتِرَاطِ كَوْنِه جَمْعًا، ولا لِلزِّيَادَةِ على الجَمْعِ، إذْ لا نَصَّ في هذا ولا مَعْنَى نَصٍّ، ولو كان الجَمْعُ كافِيًا فيه، لاكْتُفِىَ بالاثْنَيْنِ؛ فإنَّ الجماعةَ تَنْعَقِدُ بهما.
فصل: فأمَّا الاسْتِيطانُ، فهو شَرْطٌ في قَوْلِ أكْثَرِ أهْلِ العِلْمِ. وهو الإِقامَةُ في قَرْيَةٍ، على الأوْصافِ المَذْكُورَةِ، لا يَظْعَنُونَ عنها صَيْفًا ولا شِتَاءً، ولا تَجِبُ على مُسافِرٍ ولا على مُقِيمٍ في قَرْيَةٍ يَظْعَنُ أهْلُها عنها في الشِّتاءِ دُونَ الصَّيْفِ، أو في بعض السَّنَةِ، فإنْ خَرِبَتِ القَرْيَةُ أو بعضُها، وأهْلُها مُقِيمُونَ بها، عازِمُونَ على إصْلاحِها، فَحُكْمُها باقٍ في إقامَةِ الجُمُعَةِ بها. وإنْ عَزَمُوا على النُّقْلَةِ عنها، لم تَجِبْ عليهم؛ لِعَدَمِ الاسْتِيطانِ.
فصل: واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ في شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ (15): أحدهما، الحُرِّيَّةُ. ونَذْكُرُها في مَوْضِعِها إن شاءَ اللهُ تعالى. والثانى، إذْنُ الإِمامِ. والصَّحِيحُ أنَّه ليس بَشَرْطٍ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ. والثانية: هو شَرْطٌ. رُوِىَ ذلك عن الحسنِ، والأوْزَاعِىِّ، وحَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ، وأبى حنيفةَ؛ لأنَّه لا يُقِيمُها إلَّا الأئِمَّةُ في كل عَصْرٍ، فصارَ ذلك إجْماعًا. ولَنا، أنَّ عليًّا صَلَّى الجُمُعَةَ بالنَّاسِ
(14) في: باب ذكر العدد في الجمعة، من كتاب الجمعة. سنن الدارقطني 1/ 4.
(15)
سقط من: الأصل.
وعثمانُ مَحْصُورٌ، فلم يُنْكِرْهُ أحَدٌ، وصَوَّبَ ذلك عمانُ، وأمَرَ بالصلاةِ معهم. فَرَوَى حُمَيْدُ بن عبدِ الرحمنِ، عن عُبَيْدِ اللهِ بن عَدِىّ بن الْخِيَار، أنَّه دَخَلَ على عثمانَ وهو مَحْصُورٌ، فقال: إنَّه قد نَزَلَ بك ما تَرَى، وأنتَ إمَامُ العَامَّةِ، [وهو يُصَلِّى بنا إمَامَ فِتْنَةٍ، وأنا أَتَحَرَّجُ من الصَّلَاةِ معه](16). فقال: إنَّ الصَّلَاةَ مِن أحْسَنِ ما يَعْمَلُ النَّاسُ، فإذَا أحْسَنُوا فأحْسِنْ معهم، وإذا أساءُوا فاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُم. أخْرَجَهُ البُخَارِىُّ (17)، والأثْرَمُ. وهذا لَفْظُ رِوَايَةِ الأثْرَمِ. وقال أحْمَدُ: وَقَعَتِ الفِتْنَةُ بالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، فكانوا يُجَمِّعُونَ. ورَوَى مَالِكٌ، في "المُوَطَّأ"(18) عن أبى جَعفرٍ القَارِئ، أنَّه رَأى صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ في الفِتْنَةِ حين حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فخَرَجَ يَتْبَعُ النَّاسَ، يقولُ: مَن يُصَلِّى بالنّاسِ. حتى انْتَهَى إلى عبدِ اللهِ بن عمرَ، فقال له عبدُ اللهِ بن عمَرَ: تَقَدَّمْ أنتَ فَصَلِّ بين يَدَى النَّاسِ. ولأنَّها مِن فَرَائِضِ الأعْيَانِ، فلم يُشْتَرَطْ لها إذْنُ الإِمامِ، كالظُّهْرِ، ولأنَّها صلاةٌ أَشْبَهَتْ سائِرَ الصَّلَوَاتِ. وما ذَكَرُوهُ إجْمَاعًا لا يَصِحُّ، فإنَّ النَّاسَ يُقِيمُونَ الجُمُعَاتِ في القُرَى من غير اسْتِئْذَانِ أحَدٍ، ثم لو صَحَّ أنَّه لم يَقَعْ إلَّا ذلك لَكان إجْماعًا على جَوَازِ ما وَقَعَ، لا علَى تَحْرِيمِ غيرِه، كالحَجِّ يَتَوَلَّاهُ الأئِمَّةُ، وليس بِشَرْطٍ فيه. فإنْ قُلْنا: هو شَرْطٌ. فلم يَأْذَن الإِمامُ فيه (19)، لم يَجُزْ أن يُصَلُّوا جُمُعَةً، وصَلَّوْا ظُهْرًا. وإنْ أذِنَ في إقَامَتِها ثم مات، بَطَلَ إذْنُه بِمَوْتِه (19). فإنْ صَلَّوْا، ثم بَانَ أنَّه قد مَاتَ قبلَ ذلك، فهل تُجْزِئُهم صَلَاتُهم؟ على رِوَايَتَيْنِ: أصَحُّهما، أنَّها تُجْزِئُهم؛ لأنَّ المُسْلِمِينَ في الأمْصارِ النَّائِيَةِ عن بَلَدِ الإِمامِ لا يُعِيدُونَ ما صَلَّوْا من الجُمُعَاتِ بعدَ مَوْتِه، ولا نَعْلَمُ أحَدًا أنْكَرَ ذلك عليهم، فكان إجْماعًا. ولأنَّ وُجُوبَ الإِعادَةِ
(16) في صحيح البخاري: "ويصلى لنا إمام فتنة ونتحرج".
(17)
في: باب إمامة المفتون والمبتدع، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 178.
(18)
لم نجده في نسخة الموطأ التي بين أيدينا.
(19)
سقط من: الأصل.