الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويُسْتَحَبُّ أن يَقِفَ الإِمامُ في مُقَابَلَةِ وَسَطِ الصَّفِّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَسِّطُوا الإِمامَ، وسُدُّوا الخَلَلَ" رَوَاهُ أبو دَاوُد (47). ويُكْرَهُ أن يَدْخُلَ في طاقِ القِبْلَةِ، إِلَّا أنْ يكونَ المسجدُ ضَيِّقًا، وكَرِهَهُ ابنُ مسعودٍ، وعَلْقَمَةُ، والحسنُ، وإبْراهيمُ. وفَعَلَه سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ، وأبو عبدِ الرحمنِ السُّلَمِىُّ، وقَيْسُ بنُ أبِى حازِمٍ. ولَنَا: أنَّه (48) يَسْتَتِرُ به عن بعضِ المَأْمُومِينَ فَكُرِهَ، كما لو جَعَلَ بَيْنه وبَيْنَهم حِجَابًا.
فصل: ولا يُكْرَهُ لِلْإِمامِ أن يَقِفَ بين السَّوَارِى، ويُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِينَ؛ لأنَّها تَقْطَعُ صُفُوفَهم. وكَرِهَه ابنُ مسعودٍ، والنَّخَعِىُّ. وَرُوِىَ عن حُذَيْفَةَ، وابنِ عَبَّاسٍ. ورَخَّصَ فيه ابنُ سِيرِينَ، ومالِكٌ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وابنُ المُنْذِرِ؛ لأنَّه لا دَلِيلَ على المَنْعِ منه. ولَنَا، ما رُوِىَ عن مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عن أبِيهِ، قال: كُنَّا نُنْهَى أنْ نَصُفَّ بين السَّوَارِى على عَهْدِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، ونُطْرَدُ عنها طَرْدًا. رَوَاه ابنُ مَاجَه (49) ولأنَّها تَقْطَعُ الصَّفَّ. فإنْ كان الصَّفُّ صَغِيرًا قَدْرَ ما بين السَّارِيَتَيْنِ لم يُكْرَهْ، لأنَّه لا يَنْقَطِعُ بها.
260 - مسألة؛ قال: (وَإِذَا صَلَّى إمَامُ الْحَىِّ جَالِسًا صَلَّى مَنْ وَرَاءَهُ جُلُوسًا)
المُسْتَحَبُّ لِلإِمامِ إذا مَرِضَ، وعَجَزَ عن القِيامِ، أن يَسْتَخْلِفَ؛ لأنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا في صِحَّةِ إمامَتِه، فيَخْرُجُ من الخِلافِ، ولأنَّ صلاةَ القَائِمِ أَكْمَلُ،
= والثانى في: باب من يستحب أن يلى الإمام في الصف وكراهية التأخر، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 156. وكذلك أخرجه ابن ماجه، في: باب فضل ميمنة الصفوف، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 321.
(47)
في: باب مقام الإمام من الصف، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 157.
(48)
في النسخ: "أن".
(49)
في: باب الصلاة بين السوارى في الصف، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 320. وكذلك أخرج أبو داود نحوه عن أنس، في: باب الصفوف بين السوارى، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 155.
فَيُسْتَحَبُّ أنْ يكونَ الإِمامُ كامِلَ الصلاةِ. فإن قِيلَ: فقد صَلَّى النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قاعِدًا بأصْحَابِه، ولم يَسْتَخْلِفْ. قُلْنا: صَلَّى قاعِدًا لِيُبَيِّنَ الجَوَازَ، واسْتَخْلَفَ مَرَّةً أُخْرَى، ولأنَّ صلاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قاعِدًا أَفْضَلُ من صَلَاةِ غيرِه قَائِمًا. فإنْ صَلَّى بهم قاعِدًا جازَ، ويُصَلُّونَ من وَرَائِه (1) جُلُوسًا، فَعَلَ ذلك أَرْبَعَةٌ من الصَّحَابَةِ، أُسَيْدُ بنُ حُضَيْر (2)، وجابِر، وقَيْسُ بنُ قَهْدٍ (3)، وأبو هُرَيْرَةَ. وبه قال الأوْزَاعِىُّ، وحَمَّادُ بنُ زَيدٍ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال مالِكٌ في إحْدَى رِوَايَتَيْهِ: لا تَصِحُّ صلاةُ القادِرِ على القِيَامِ خَلْفَ القَاعِدِ. وهو قولُ محمدِ بن الحسنِ؛ لأنَّ (4) الشَّعْبِىَّ رَوَى عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:"لَا يَؤُمَّنَّ أحَدٌ بَعْدِى جَالِسًا" أخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (5). ولأنَّ القِيَامَ رُكْنٌ، فلا يَصِحُّ ائْتِمامُ القادِرِ عليه بالعاجِزِ عنه كسَائِرِ الأرْكانِ. وقال الثَّوْرِىُّ، والشَّافِعِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: يُصَلُّونَ خَلْفَه قِيَامًا؛ لما رَوَتْ عائشةُ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم[اسْتَخْلَفَ أبا بكرٍ، ثم إنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم](6) وَجَدَ في نَفْسِه خِفَّةً، فخَرَجَ بينَ رَجُلَيْنِ، فأجْلَسَاهُ إلى جَنْبِ أبي بكْرٍ، فجَعَلَ أبو بكرٍ يُصَلِّى وهو قائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاةِ أبي بكرٍ، والنَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم قاعِدٌ. مُتَّفَقٌ عليه (7). وهذا آخِرُ الأمْرَيْنِ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ولأنَّه رُكْنٌ قَدَرَ
(1) رسم الكلمة في النسخ: "وراءه".
(2)
أسيد بن حضير بن سماك الأوسى، شهد العقبة الثانية، وكان نقيبا لبنى عبد الأشهل. توفى سنة عشرين. أسد الغابة 1/ 111 - 113.
(3)
قيس بن قهد بن قيس الخزرجى، شهد بدرا وما بعدها، وتوفي في خلافة عثمان. أسد الغابة 4/ 440، 441.
(4)
في الأصل: "لقول".
(5)
في: باب صلاة المريض جالسًا بالمأمومين، من كتاب الصلاة. سنن الدارقطني 1/ 398.
(6)
سقط من: أ.
(7)
أخرجه البخاري، في: باب حد المريض أن يشهد الجماعة، وباب من قام إلى جنب الإمام لعلة، وباب إنما جعل الإمام ليؤتم به، وباب الرجل يأتم بالإِمام، من كتاب الأذان. صحيح البخاري 1/ 169، 174، 175، 176، 182، 183. ومسلم، في: باب استخلاف الإمام. . . إلخ، من كتاب الصلاة. صحيح مسلم 1/ 311 - 315. وكذلك أخرجه النسائي، في: باب الائتمام بالإِمام يصلى قاعدا، من =
عليه، فلم يَجُزْ له تَرْكُه، كسائِرِ الأرْكانِ. ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، رَضِىَ اللَّه عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ، وَإذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أجْمَعُونَ". مُتَّفَقٌ عليه (8). وعن عائشةَ، رَضِىَ اللهُ عنها، قالت:[صَلَّى النَّبِىُّ](9) صلى الله عليه وسلم في بَيْتِه، وهو شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا، وصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فأشَارَ إليهم، أنِ اجْلِسُوا، فلما انْصَرَفَ قال:"إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ به، فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وإذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَه، فَقُولُوا: رَبَّنَا ولَكَ الحَمْدُ. وإذا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ". ورَوَى أَنَسٌ نَحْوَه، أخْرَجَهما البُخَارِىُّ، ومُسْلِمٌ (8). ورَوَى جَابِرٌ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَه. أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (8). ورَوَاهُ أُسَيْدُ بن حُضَيْرٍ، وعَمِلَ به. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: رُوِىَ هذا الحَدِيثُ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ، من حَدِيثِ أَنَسٍ، وجَابِرٍ، وأبى هُريرَةَ، وابنِ عمرَ، وعائشةَ، كلُّها بأسَانِيدَ صِحَاحٍ. ولأنَّها حالَةُ قُعُودِ الإِمامِ، فكان على المَأْمُومِينَ مُتَابَعَتُه، كحالِ التَّشَهُّدِ. فأمَّا حديثُ الشَّعْبِىِّ فَمُرْسَلٌ، يَرْوِيهِ جابِرٌ الجُعْفِىُّ، وهو مَتْرُوكٌ. وقد فَعَلَه أرْبَعَةٌ من أصْحابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بعدَه. وأما حديثُ الآخَرِينَ، فقال أحمدُ: ليس في هذا حُجَّةٌ؛ لأنَّ أبا بكرٍ كان ابْتَدَأَ الصلاةَ، فإِذا ابْتَدَأ الصَّلَاةَ قَائِمًا صَلُّوا قِيَامًا. فأشارَ أحمدُ إلى أنَّه يُمْكِنُ الجَمْعُ بين الحَدِيثَيْنِ، بِحَمْلِ الأوَّل على من
= كتاب الإِمامة. المجتبى 2/ 77 - 79. وابن ماجه، في: باب ما جاء في صلاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 389. والدارمى، في: باب في من يصلى خلف الإمام والإِمام جالس، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 287، 288. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 356، 2/ 52، 6/ 224، 251.
(8)
سبق تخريج هذه الأحاديث مستوفاة في الجزء الثاني صفحة 131. في تخريج حديث: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به".
(9)
في م: "صلى بنا رسول اللَّه".