الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى أحَبَّ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَقْضِيها إلَّا مِن الغَدِ، قِيَاسًا على المَسْألَةِ التي قبلَها. وهذا لا يَصِحُّ، لأنَّ ما يَفْعَلُه تَطوُّعٌ، فمتى (11) أحَبَّ أَتَى به، وفارَق ما إذا لم يَعْلَم الإِمامُ والنَّاسُ، لأنَّ النّاسَ تَفَرَّقُوا يَوْمَئِذٍ على أنَّ العِيدَ في الْغَدِ، فلا يَجْتَمِعُونَ إلَّا من الغَدِ، ولا كذلك ها هُنا، فإنَّه لا يَحْتَاجُ إلى اجْتِمَاعِ الجماعةِ، ولأن صلاةَ الإِمامِ هي الصلاةُ الوَاجِبَةُ، التي يُعْتَبَرُ لها شُرُوطُ العِيدِ ومكانُه وصِفَةُ صلاتِه، فاعْتُبِرَ لها الوَقْتُ، وهذا بخِلافِه.
فصل:
ويُشْتَرَطُ الاسْتِيطانُ لِوُجُوبِها؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّها في سَفَرِه. ولا خُلَفاؤُه، وكذلك العَدَدُ المُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ؛ لأنَّها صلاةُ عِيدٍ، فأشْبَهَتِ الجمعةَ. وفى إذْنِ الإِمَامِ رِوَايتانِ [أَصَحُّهُما، ليس](12) بِشَرْطٍ، ولا يُشْتَرَطُ شيءٌ من ذلك لِصِحَّتِها، لأنَّها تَصِحُّ من الوَاحِدِ في القَضاءِ. وقال أبو الخَطَّابِ: في ذلك كلِّه رِوَايتانِ. وقال القاضي: كلامُ أحمدَ يَقْتَضِى رِوايَتَيْنِ: إحْدَاهما، لا يُقامُ العِيدُ إلَّا حيثُ تُقامُ الجمعةُ. وهذا مذهبُ أبى حنيفةَ، إلَّا أنَّه لا يَرَى ذلك إلَّا في مِصْرٍ، لقولِه: لا جُمُعَةَ ولا تَشْرِيقَ إلَّا في مِصْرٍ جامِعٍ (13). والثانيةُ، يُصَلِّيها المُنْفَرِدُ والمُسَافِرُ، والعَبْدُ والنِّسَاءُ، على كلِّ حالٍ. وهذا قولُ الحسنِ والشَّافِعىِّ؛ لأنه ليس من شَرْطِها الاسْتِيطانُ، فلم يَكُنْ من شَرْطِهَا الجماعةُ، كالنَّوَافِلِ، إلَّا أنَّ الإِمامَ إذا خَطَبَ مَرَّةً، ثم أرَادُوا أن يُصَلُّوا، لم يخْطُبوا وصَلَّوْا بغيرِ خُطْبَةٍ، كيلا يُؤَدِّىَ إلى تَفْرِيقِ الكَلِمَةِ، والتَّفْصِيلُ الذي ذَكَرْنَاه أوْلَى ما قِيلَ به، إن شاءَ اللهُ تعالى.
312 - مسألة؛ قال: (ويَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ)
لا خِلافَ بين العُلماءِ، رحمهم الله، في أنَّ التَّكْبِيرَ مَشْرُوعٌ في عِيدِ النَّحْرِ،
(11) في أ، م:"فمن".
(12)
في الأصل: "إحداهما ليست".
(13)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب صلاة العيدين في القرى الصغار، من كتاب العيدين. المصنف 3/ 301.
واخْتَلَفُوا في مُدَّتِه، فذَهَبَ إمامُنا، رَضِىَ اللهُ عنه، إلى أنَّه مِن صلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ من آخِرِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ. وهو قولُ عمرَ، وعليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وإليه ذَهَبَ الثَّوْرِىُّ، وابنُ عُيَيْنَةَ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ، وأبو ثَوْرٍ، والشَّافِعِىُّ في بعضِ أَقْوَالِه. وعن ابنِ مسعُودٍ أنَّه كان يُكَبِّرُ من غَدَاةِ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ مِن يَوْمِ النَّحْرِ (1). وإليه ذَهَبَ عَلْقَمَةُ، والنَّخَعِىُّ، وأبو حنيفةَ؛ لقولِه:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (2) وهى العَشْر، وأجْمَعْنا على أنَّه لا يُكَبِّرُ قبل يَوْمِ عَرَفَةَ، فَيَنْبَغِى أن يُكَبِّرَ يَوْمَ عَرَفَةَ ويَوْمَ النَّحْرِ. وعن ابنِ عمرَ (3)، وعمرَ بن عبدِ العزيزِ، أنَّ التَّكْبِيرَ من صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلى الصُّبْحِ من آخِرِ أيَّامَ التَّشْرِيقِ. وبه قال مالِكٌ، والشَّافِعِىُّ في المَشْهُورِ عنه؛ لأنَّ النَّاسَ تَبَعٌ لِلْحاجِّ، والحاجُّ يَقْطَعُونَ التَّلْبِيَةَ مع أَوَّل حَصاةٍ، ويُكَبِّرُونَ مع الرَّمْىِ، وإنَّما يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ، فأوَّلُ صلاةٍ بعد ذلك الظُّهْرُ، وآخِرُ صلاةٍ يُصَلُّونَ بمِنًى الفَجْرُ من اليَوْمِ الثَّالِثِ من أيَّامِ التَّشْرِيقِ. ولَنا، ما رَوَى جَابِرٌ، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وأقْبَلَ علينا، فقال:"اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ". ومَدَّ التَّكْبِيرَ إلى العَصْرِ من آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. أخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِىُّ مِن طُرُقٍ (4)، وفى بعضِها:"اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ (5) وللهِ الحَمْدُ". ولأنَّه إجْمَاعُ الصَّحابةِ، رَضِىَ اللهُ عنهم، رُوِىَ ذلك عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ، وابنِ مسعودٍ. رَوَاهُ سَعِيدٌ عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ عَبَّاسٍ، ورَوَى بإسْنَادِه عن عُمَيْرِ (6)
(1) أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب التكبير من أي يوم هو إلى أي ساعة، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 166.
(2)
سورة الحج 28.
(3)
أخرج خبر ابن عمر البيهقي، في: باب من قال يكبر في الأضحى. . . إلخ، من كتاب العيدين. السنن الكبرى 3/ 313.
(4)
في: أول كتاب العيدين. سنن الدارقطني 2/ 50.
(5)
في ازيادة: "اللَّه أكبر".
(6)
في أ، م:"محمد" وهو أبو يحيى عمير بن سعيد النخعى الكوفى، روى عن على وابن مسعود، وكان ثقة، =
ابن سَعِيدٍ، أن عبدَ اللهِ كان يُكَبِّرُ من صلاةِ الغَداةِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى العَصْرِ من (7) يَوْمِ النَّحْرِ، فأتَانَا (8) عليٌّ بعدَه فَكَبَّرَ مَن غَدَاةِ عَرَفَةَ إلى صَلَاةِ العَصْرِ من آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لا إله إِلَّا اللهُ، واللهُ أكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الحَمْدُ (9). قِيلَ لأحمدَ، رحمه الله: بأىِّ حَدِيثٍ تَذْهَبُ، إلى أنَّ التَّكْبِيرَ من صلاةِ الفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟ قال: بالإِجْمَاعِ (10)، عمرُ، وعليٌّ، وابنُ عَبَّاسٍ، وابنُ مسعودٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم. ولأنَّ اللَّه تعالى قال:{وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (11). وهى أيَّامُ التَّشْرِيقِ، فيتعيَّنُ (12) الذِّكْرُ في جَمِيعِها. ولأنَّها أَيَّامٌ يُرْمَى فيها، فكان التَّكْبِيرُ فيها كيَوْمِ النَّحْرِ. وقولُه تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (13). فالمُرَادُ به ذِكْرُ اللهِ تعالى على الهَدايَا والأضَاحِى. ويُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ عندَ رُؤْيَةِ الأَنْعامِ في جَمِيعِ العَشْر، وهذا أوْلَى من قَوْلِهِم وتَفْسِيرِهم؛ لأنَّهم لم يَعْمَلُوا به في كُلِّ العَشْر ولا في أكْثَرِه، وإنْ صَحَّ قَوْلُهم فقد أَمَرَ اللهُ تعالى بالذِّكْرِ في أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ، وهى أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فيُعْمَلُ به أيضًا. وأمَّا المُحْرِمُونَ فإنَّهم يُكَبِّرُونَ من صلاةِ الظُّهْرِ يومَ النَّحْرِ؛ لما ذَكَرُوه، لأنَّهم كانوا مَشْغُولِينَ قبلَ ذلك بالتَّلْبِيَةِ، وغَيْرُهم يَبْتَدِئُ من يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لِعَدَمِ المانِعِ في حَقِّهم مع وُجُودِ
= توفى سنة سبع ومائة. تهذيب التهذيب 8/ 146.
(7)
سقط من: الأصل.
(8)
في الأصل: "فأتى".
(9)
أخرج خبر على وابن مسعود ابن أبي شيبة، في: باب كيف يكبر يوم عرفة، من كتاب الصلوات. المصنف 2/ 167، 168.
(10)
في م: "الإجماع".
(11)
سورة البقرة 203.
(12)
في أ، م:"فتعين".
(13)
سورة الحج 28.