الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشْبَهَ ما لو رَكَعَ وسَجَدَ معه. ونَقَلَ صَالِحٌ، وابنُ مَنْصُورٍ، وغيرُهما، أنَّه يَسْتَقْبِلُ الصلاةَ أَرْبَعًا. وهو ظاهِرُ قولِ الْخِرَقِىِّ، وابنِ أبي موسى، واخْتِيَارُ أبي بكرٍ، وقولُ قَتادَةَ، وأيُّوبِ السَّخْتِيَانِىّ، ويُونُسَ بن عُبَيْد، والشَّافِعِىِّ، وأبى ثَوْرٍ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لأنَّه لم يُدْرِكْ رَكْعَةً كامِلَةً، فلم يكن مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ، كالتى قبلَها.
فصل:
ومتى قَدَرَ المَزْحُومُ [على السُّجُودِ](9) على ظَهْرِ إنْسَانٍ، أو قَدَمِه، لَزِمَهُ ذلك، وأجْزَأهُ. قال أحمدُ، في رِوَايَةِ أحمدَ بنِ هاشِمٍ (10): يَسْجُدُ على ظَهْرِ الرَّجُلِ والقَدَمِ، ويُمَكِّنُ الجَبْهَة والأَنْفَ، في العِيدَيْنِ والجُمُعَةِ. وبهذا قال الثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال عَطاءٌ، والزُّهْرِىُّ، ومالِكٌ: لا يَفْعَلُ. قال مالِكٌ: وتَبْطُلُ الصلاةُ إن فَعَلَ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ومَكِّنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الأَرْضِ"(11). ولَنا، ما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، أنَّه قال: إذا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فلْيَسْجُدْ على ظَهْرِ أخِيهِ. رَوَاه سَعِيدٌ في "سُنَنِه"(12). وهذا قالَه بمَحْضَرٍ من الصَّحابَةِ وغيرِهم في يومِ جُمُعَةٍ، ولم يَظْهَرْ له مُخَالِفٌ، فكان إجْماعًا. ولأنَّه أتَى بما يُمْكِنُه حالَ العَجْزِ، فصَحَّ، كالمَرِيضِ يَسْجُدُ على المِرْفَقَةِ (13)، والخَبَرُ لم يَتَنَاوَل العاجِزَ؛ لأنَّ اللهَ لا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، ولا يَأْمُرُ العاجِزَ عن الشىءِ بِفِعْلِه.
فصل: وإذا زُحِمَ في إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، لم يَخْلُ مِن أن يُزْحَمَ في الأُولَى أو في
(9) في الأصل: "عن أن يسجد".
(10)
أحمد بن هاشم بن الحكم الأنطاكى، ذكر أبو بكر الخلال أنه سمع منه حديثا كثيرا، سنة سبعين أو إحدى وسبعين ومائتين، ونقل عن الإِمام أحمد مسائل حسانا، طبقات الحنابلة 1/ 82.
(11)
تقدم تخريجه في 2/ 122.
(12)
وأخرجه عبد الرزاق، في: باب من حضر الجمعة فزحم فلم يستطع يركع مع الإِمام، من كتاب الجمعة. المصنف 3/ 233.
(13)
المرفقة: المخدة.
الثَّانِيَةِ؛ فإن زُحِمَ في الأُولَى، ولم يَتَمَكَّنْ من السُّجُودِ على ظَهْرٍ ولا قَدَمٍ، انْتَظَرَ حتى يَزُولَ الزِّحَامُ، ثم يَسْجُدُ، ويَتْبَعُ إمَامَه، مثل ما رُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الخَوْفِ بِعُسْفَانَ، سَجَدَ معه صَفٌّ، وبَقِىَ صَفٌّ لم يَسْجُدْ معه، فلما قَامَ إلى الثانيةِ [سَجَدُوا، وجازَ](14) ذلك لِلْحَاجَةِ، كذا ها هُنا. فإذا قَضَى ما عليه، وأدْرَكَ الإِمامَ في القِيَامِ، أو في الرُّكُوعِ، تَبِعه (15) فيه، وصَحَّتْ له الرَّكْعَةُ، وكذا إذا تَعَذَّرَ عليه السُّجُودُ مع إمَامِه، لِمَرَضٍ، أو نَوْمٍ، أو نِسْيَانٍ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ في ذلك، فأشْبَهَ المَزْحُومَ. فإن خافَ أنَّه إنْ تَشَاغَلَ بالسُّجُودِ فاتَهُ الرُّكُوعُ مع الإِمَامِ في الثانيةِ، لَزِمَتْهُ (16) مُتابَعَتُه، وتَصِيرُ الثانيةُ أُولَاهُ. وهذا قولُ مالِكٍ. وقال أبو حنيفةَ: يَشْتَغِلُ بقَضَاءِ السُّجُودِ؛ لأنَّه قد رَكَعَ مع الإِمامِ، فيَجِبُ عليه السُّجُودُ بعدَه، كما لو زالَ الزِّحامُ والإِمامُ قائِمٌ. ولِلشَّافِعِىِّ كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا"(17). فإنْ قيل: فقد قال: "فَإذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا". قُلْنا: قد سَقَطَ الأَمْرُ بالمُتَابَعَةِ في السِّجُودِ عن هذا لِعُذْرِه، وبَقِىَ الأمْرُ بالمُتَابَعَةِ في الرُّكُوعِ مُتَوَجّهًا لإِمْكَانِه، ولأنَّه خَائِفٌ فَوَاتَ الرُّكُوعِ، فلَزِمَتْهُ (18) مُتَابَعَة إمَامِه فيه (19)، كالمَسْبُوقِ، فأَمَّا إذا كان الإِمَامُ قَائِمًا فليس هذا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وقد فَعَلَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مثلَه بِعُسْفَانَ. إذا تَقَرَّرَ هذا، فإنَّه إن اشْتَغَلَ بالسُّجُودِ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَه، لم تَصِحَّ صلاتُه؛ لأنَّه تَرَكَ وَاجِبًا عَمْدًا، وفَعَلَ ما لا يَجُوزُ له فِعْلُه. وإن اعْتَقَدَ جَوَازَ ذلك فسَجَدَ، لم يُعْتَدَّ بِسُجُودِه؛ لأنَّه
(14) في الأصل: "سجد وأجاز". ويأتى الحديث وتخريجه في صلاة الخوف، أثناء المسألة 316.
(15)
في الأصل: "اتبعه".
(16)
في أ، م:"لزمه".
(17)
تقدم تخريجه في 2/ 131.
(18)
في أ، م:"فلزمه".
(19)
سقط من: الأصل.
سَجَدَ في مَوْضِعِ الرُّكُوعِ جَهْلًا، فأشْبَهَ السَّاهِىَ، ثم إنْ أدْرَكَ الإِمامَ في الرُّكُوعِ؛ رَكَعَ معه، وصَحَّتْ له الثانيةُ دونَ الأُولَى، وتَصِيرُ الثانيةُ أُولَاهُ، وإن فَاتَهُ الرُّكُوعُ سَجَدَ معه، فإنْ سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ معه، فقال القاضي: يُتِمُّ بهما الرَّكْعَةَ الأُولَى. وهذا مذهبُ الشَّافِعِىِّ. وقِيَاسُ المذهبِ أنَّه متى قَامَ إلى الثانيةِ، وشَرَعَ في رُكُوعِها، أو شيءٍ من أفْعالِها المَقْصُودَةِ، أنَّ الرَّكْعَةَ الأُولَى تَبْطُلُ، على ما ذُكِرَ في سُجُودِ السَّهْوِ، ولكنْ إن لم يَقُمْ، ولكن سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ مِن غير قِيامٍ، تَمَّتْ رَكْعَتُه. وقال أبو الخَطَّابِ: إذا سَجَدَ مُعْتَقِدًا جَوَازَ ذلك، اعْتُدَّ له به، وتَصِحُّ له الرَّكْعَةُ، كما لو سَجَدَ وإمامُه قائِمٌ، ثم إنْ أدْرَكَ الإِمامَ في رُكُوعِ الثَّانِيةِ، صَحَّتْ له الرَّكْعَتَانِ، وإنْ أدْرَكَ رَكْعةً (20) بعد رَفْعِ رَأْسِه من رُكوعِها (21)، فيَنْبَغِى أن يَرْكَعَ ويَتْبَعَهُ، لأنَّ هذا سَبْقٌ يَسِيرٌ. ويَحْتَمِلُ أنْ تَفُوتَهُ الثانيةُ بِفَوَاتِ الرُّكُوعِ. وإن أَدْرَكَهُ في التَّشَهُّدِ، تَابَعَهُ، وقَضَى رَكْعَةً بعد سَلامِه كالمَسْبُوقِ. قال أبو الخَطَّابِ: ويَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. ولا وَجْهَ لِلسُّجُودِ ها هُنا؛ لأنَّ المَأْمُومَ لا سُجُودَ عليه لِلسَّهْوِ (22)، ولأنَّ هذا فَعَلَهُ عَمْدًا، ولا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِلْعَمْدِ. وإن زُحِمَ عن سَجْدَةٍ واحِدَةٍ، أو عن الاعْتِدالِ بين السَّجْدَتَيْنِ، أو بين الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، أو عن جَمِيعِ ذلك، فالحُكْمُ فيه كالحُكْمِ في الزِّحَامِ عن السُّجُودِ. فأمَّا إنْ زُحِمَ عن السُّجُودِ في الثانيةِ، فزَالَ الزِّحامُ قبل سَلامِ الإِمامِ، سَجَدَ، وتبِعَهُ (23)، وصَحَّتِ الرَّكْعَةُ. وإن لم يَزُلْ حتى سَلَّمَ، فلا يَخْلُو من أن يكونَ أدْرَكَ الرَّكْعَةَ الأُولَى، أو لم يُدْركْها، فإنْ أدْرَكَها فقد أدْرَكَ الجُمُعَةَ بإدْرَاكِها، ويَسْجُدُ للثانيةِ (24) بعد سَلَامِ
(20) سقط من: ا، م.
(21)
في أ، م:"ركوعه".
(22)
في أ، م:"لسهو".
(23)
في أ، م:"واتبعه".
(24)
في أ، م:"الثانية".