الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمَّا غيرُهم من النِّسَاءِ والصِّبْيَانِ والمُسَافِرِينَ، فلا يَثْبُتُ في حَقِّه ذلك. وذَكَرَ ابنُ أبي موسى في غيرِ المُخَاطَبِينَ رِوَايَتَيْنِ. والصَّحِيحُ ما ذَكَرْنَا؛ فإنَّ اللَّه تعالى إنَّما نَهَى عن البَيْعِ مَنْ أمَرَهُ بالسَّعْيِ، فغيرُ المُخَاطَبِ بالسَّعْيِ لا يَتَنَاوَلُه النَّهْيُ، ولأنَّ تَحْرِيمَ البَيْعِ مُعَلَّلٌ بما يَحْصُلُ به مِن الاشْتِغَالِ عن الجُمُعَةِ، وهذا مَعْدُومٌ في حَقِّهِم. فإنْ كان المُسَافِرُ في غير المصْرِ، أو كان إنْسَانًا مُقِيمًا بِقَرْيَةٍ لا جُمُعَةَ على أهْلِها، لم يَحْرُمِ البَيْعُ قَوْلًا وَاحِدًا، [ولم يُكْرَهْ](6). وإن كان أحَدُ المُتَبَايِعَيْنِ مُخَاطَبًا والآخَرُ غيرَ مُخَاطَبٍ، حَرُمَ في حَقِّ المُخَاطَبِ، وكُرِهَ في حَقِّ غيرِه؛ لما فيه من الإِعانَةِ على الإِثْمِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَحْرُمَ أيضًا؛ لِقَوْلِه تعالى:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (7).
فصل:
ولا يَحْرُمُ غيرُ البَيْعِ من العُقُودِ، كالإِجارَةِ والصُّلْحِ والنِّكَاحِ. وقيل: يَحْرُمُ؛ لأنَّه عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، أَشْبَهَ البَيْعَ. ولَنا، أنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بالبَيْعِ، وغيرُه لا يُسَاوِيهِ في الشّغْلِ عن السَّعْيِ؛ لِقِلَّةِ وُجُودِه، فلا يَصِحُّ قِيَاسُه علَى البَيْعِ.
فصل: ولِلسَّعْيِ إلى الجُمُعَةِ وَقْتَانِ: وَقْتُ وُجُوبٍ، وَوَقْتُ فَضِيلَةٍ. فأمَّا وَقْتُ الوُجُوبِ فما ذَكَرْنَاه، وأما وَقْتُ الفَضِيلَةِ فمِن أوَّلِ النَّهَارِ، فكُلَّما كان أبْكَرَ كان أوْلَى وأفْضَلَ. وهذا مَذْهَبُ الأوْزَاعِىِّ، والشَّافِعِيِّ، وابْنِ المُنْذِرِ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. وقال مالِكٌ: لا يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ قبلَ الزَّوَالِ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "من رَاحِ إلى الجُمُعَةِ"(8). والرَّوَاحُ بعدَ الزَّوَالِ، والغُدُوُّ قبلَه، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أو رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِن الدُّنْيَا وَمَا فِيها"(9). ويقال: تَرَوَّحْتُ
(6) سقط من: الأصل.
(7)
سورة المائدة 2.
(8)
يأتي بتمامه بعد قليل.
(9)
أخرجه البخاري، في: باب الحور العين وصفتهن. . . . إلخ، وباب الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، وباب فضل رباط يوم في سبيل اللَّه، من كتاب الجهاد، وفى: باب مثل الدنيا في الآخرة، وباب صفة الجنة والنار، من =
عند انْتِصَافِ النَّهارِ. قال امْرُؤُ القَيْسِ (10):
* تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أمْ تَبْتَكِرْ *
ولَنا، ما رَوَى أبو هُرَيْرَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ، ثم رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولَى، فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأنَّمَا قرَّبَ بَقَرَةً، ومَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فكَأَنَّما قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، ومَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فكَأَنَّما قَرَّبَ دَجَاجَةً، ومَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فكَأَنَّمَا قرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمامُ حَضَرَتِ المَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ". مُتَّفَقٌ عليه (11). وفى لَفْظٍ: "إذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وَقَفَ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ المَسْجِدِ مَلَائِكَةٌ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، فَإذَا خَرَجَ الْإِمَامُ
= كتاب الرقاق. صحيح البخاري 4/ 20، 43، 8/ 110، 145. ومسلم، في: باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اللَّه، من كتاب الإِمارة. صحيح مسلم 3/ 1499، 1500. والترمذي، في: باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل اللَّه، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 153. والنسائي، في: باب فضل غدوة في سبيل اللَّه عز وجل، من كتاب الجهاد. المجتبى 6/ 14. وابن ماجه، في: باب فضل الغدوة والروحة في سبيل اللَّه عز وجل، وباب تشييع الغزاة ووداعهم، من كتاب الجهاد. سنن ابن ماجه 2/ 921، 943. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 256، 3/ 132، 141، 153، 157، 207، 263، 433، 4/ 168، 5/ 266، 335، 337، 339، 6/ 401.
(10)
ديوان امرئ القيس 154، وهو صدر بيت عجزه:
* وماذا عليكَ بأنْ تَنْتَظِرْ*
(11)
أخرجه البخاري، في: باب فضل الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح البخاري 2/ 3. ومسلم، في: باب الطيب والسواك يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 582. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 85. والترمذي، في: باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذي 2/ 286. والنسائي، في: باب وقت الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 80، 81. وابن ماجه، في: باب ما جاء في التهجير إلى الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 347. والدارمي، في: باب فضل التهجير إلى الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 362. والإِمام مالك، في: باب العمل في غسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. الموطأ 1/ 101. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 239، 259، 272، 280، 457، 460، 505، 512.
طَوَوا الصُّحُفَ، وجَاءُوا يَستمِعُونَ". مُتَّفَقٌ عليه (12). وقال عَلْقَمَةُ: خَرَجْتُ مع عبدِ اللهِ إلى الجُمُعَةِ، فَوَجَدْتُ ثلاثةً قد سَبَقُوه، فقال: رَابِعُ أرْبَعَةٍ، وما رَابِعُ أَرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ، إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إنَّ النَّاسَ يَجْلِسُونَ مِنَ اللهِ عز وجل يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ رَوَاحِهِمْ إلَى الجُمُعَةِ". رَوَاه ابنُ مَاجَه (13). ورُوِىَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ غَسَّلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ واغْتَسَلَ، وبَكَّرَ وابْتَكَرَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أجْرُ سَنَةٍ، صِيَامُها وقِيَامُها". أخْرَجَه التِّرْمِذِيُّ (14)، وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ. رَوَاه ابنُ مَاجَه (14)، وزَادَ:"ومَشَى ولَمْ يَرْكَبْ، ودَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ ولَمْ يَلْغُ". قوله "بَكَّرَ" أي خَرَجَ في بُكْرَةِ النَّهَارِ، وهى أوَّلُه. "وابْتَكَرَ" بالَغَ في التَّبْكِيرِ، أي جاءَ في أَوَّلِ البُكْرَةِ، على ما قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
* تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أمْ تَبْتَكِرْ *
وقِيلَ: مَعْنَاه ابْتَكَرَ العِبادةَ مِن بكُورِه. وقيل: ابْتَكَرَ الخُطْبَةَ. أي حَضَرَ
(12) أخرجه البخاري، في: باب الاستماع إلى الخطبة، من كتاب الجمعة، وفى: باب ذكر الملائكة، من كتاب بدء الخلق. صحيح البخاري 2/ 14، 4/ 135، 136. ومسلم، في: باب فضل التهجير يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 587. كما أخرجه النسائي، في: باب التبكير إلى الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 79، 80. وابن ماجه، في: باب ما جاء في التهجير إلى الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 347. والدارمي، في: باب فضل التهجير إلى الجمعة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 363. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 239، 259، 263، 264، 272، 280، 343، 457، 483، 491، 505، 512، 3/ 81، 5/ 260، 263.
(13)
في: باب ما جاء في التهجير إلى الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 348.
(14)
أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في فضل الغسل يرم الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 281. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 346. كما أخرجه أبو داود، في: باب في الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 84. والنسائي، في: باب فضل الغسل يوم الجمعة، وباب فضل المشي إلى الجمعة، وباب الفضل في الدنو من الإِمام، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 77، 79، 83. والدارمي، في: باب الاستماع يوم الجمعة عند الخطبة والإِنصات، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 363. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 209، 4/ 8، 9، 10، 104.
الخُطْبَةَ، مَأْخُوذٌ مِن بَاكُورَةِ الثَّمَرَةِ، وهى أوَّلُها. وغيرُ هذا أجْوَدُ؛ لأنَّ مَن جاءَ في بُكْرَةِ النَّهَارِ، لَزم أن يَحْضُرَ أوَّلَ الخُطْبَةِ. وقوله:"غَسَّلَ واغْتَسَلَ" أي جَامَعَ امْرَأتَه ثم اغْتَسَلَ. ولهذا قال في الحَدِيثِ الآخَرِ: "من اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ"(15). قال أحمدُ: تَفْسِيرُ قَوْلِه: "من غَسَّلَ واغْتَسَلَ" مُشَدَّدَةً، يُرِيدُ يُغَسِّل أهْلَه، وكان (16) غيرُ وَاحِدٍ من التَّابِعِينَ: عبدُ الرحمنِ بن الأسْوَدِ، وهِلَالُ بن يَساف (17)، يَسْتَحِبُّونَ أن يُغَسِّلَ الرَّجُلُ أهْلَه يَوْمَ الجُمُعَةِ، وإنَّما هو علَى أنْ يَطَأَ. وإنَّما اسْتُحِبَّ ذلك ليكونَ أسْكَنَ لِنَفْسِه، وأغَضَّ لِطَرْفِهِ في طَرِيقهِ. ورُوِىَ ذلك عن وَكِيعٍ أيضًا. وقيل: المُرَادُ به غَسَّلَ رَأْسَه، واغْتَسَلَ في بَدَنِه. حُكِيَ هذا عن ابنِ المُبَارَكِ. وقوله:"غُسْلَ الجَنَابَةِ" على هذا التَّفْسِيرِ. أي كغُسْلِ الجَنَابَةِ. وأمَّا قولُ مالِكٍ فَمُخَالِفٌ لِلْآثَارِ؛ لأنَّ الجُمُعَةَ يُسْتَحَبُّ فِعْلُها عند الزَّوَالِ، وكان النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُبَكِّرُ بها، ومتى خَرَجَ الإِمَامُ طُوِيَت الصُّحُفُ، فلم يُكْتَبْ مَن أتَى الجُمُعَةَ بعدَ ذلك، فأىُّ فَضِيلَةٍ لهذا؟ وإن أخَّرَ بعدَ ذلك شَيْئًا دَخَلَ في النَّهْي والذَّمِّ، كما قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم للذى جَاءَ يَتَخَطَّى النَّاسَ:"رَأَيْتُكَ آنَيْتَ وآذَيْتَ"(18). أي أخَّرْتَ المَجِىءَ. وقال عمرُ لعثمانَ حين جاءَ وهو يَخْطُبُ: أىُّ سَاعَةٍ هذه؟ على سَبِيلِ الإِنْكَارِ عليه. وإن أَخَّرَ أَكْثَرَ من هذا فاتَتْهُ الجُمُعَةُ،
(15) أخرجه البخاري، في: باب فضل الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح البخاري 2/ 3. ومسلم، في: باب الطيب والسواك يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 582. وأبو داود، في: باب في الغسل يوم الجمعة، من كتاب الطهارة. سنن أبي داود 1/ 85. والترمذي، في: باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 286. والإِمام مالك، في: باب العمل في غسل يوم الجمعة، من كتاب الجمعة. الموطأ 1/ 101. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 460.
(16)
سقطت "كان" من: ا، م.
(17)
هلال بن يساف - ويقال: ابن إساف - الأشجعي مولاهم الكوفي، أدرك عليا رضي الله عنه، ثقة، كثير الحديث. تهذيب التهذيب 11/ 86، 87.
(18)
أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في النهي عن تخطى الناس يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 354. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 188، 190