الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَعِيدٌ: حدَّثنا إسماعيلُ بن عَيَّاشٍ، عن عَمْرِو بن مُهَاجِرٍ، أنَّ عمرَ بن عَبْدِ العزيزِ لمَّا ماتَ ابْنُهُ، أَمَرَهُمْ أن يَحْفِرُوِا قَبْرَهُ إلى السُّرَّةِ، ولا يُعَمِّقُوا، فإنَّ ما على ظَهْرِ الأرْضِ أفْضَلُ ممَّا سَفَلَ منها. وذكَرَ أبو الخَطَّاب أنَّه يُسْتَحَبُّ أن يُعَمَّقَ قَدْرَ قَامَةٍ وبَسْطَةً. وهو قولُ الشَّافِعِىِّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"احْفِرُوا، وأَوْسِعُوا، وَأَعْمِقُوا". رَوَاهُ أبو دَاوُدَ (5). ولأنَّ ابنَ عمرَ أوْصَى بذلك في قَبْرِه، ولأنَّه أحْرَى أن لا تَنَالَهُ السِّبَاعُ، وأبْعَدُ على مَن يَنْبُشُهُ. والمَنْصُوصُ عن أحمدَ أنَّ المُسْتَحَبَّ تَعْمِيقُه إلى الصَّدْر؛ لأنَّ التَّعْمِيقَ قَدْرَ قَامَةٍ وبَسْطَة يَشُقُّ، ويَخْرُجُ عن العَادَةِ. وقولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَعْمِقُوا" ليس فيه بَيَانٌ لِقَدْرِ التَّعمِيقِ، ولم يَصِحَّ عن ابنِ عمرَ أنَّه أوْصَى (6) بذلك في قَبْرِه، ولو صَحَّ عند أبى عبدِ اللهِ لم يَعْدُهُ إلى غيرِه. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُه وتَعْمِيقُه وتَوْسِيعُه؛ لِلْخَبَرِ، وقد رَوَى زيدُ بنُ أسْلَمَ، قال: وَقَفَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على قَبْرٍ، فقال:"اصْنَعُوا كَذَا، اصْنَعُوا كذا"، ثم قال:"مَا بِى أنْ يَكُونَ يُغْنِى عَنْهُ شَيْئًا، ولكِنَّ اللهَ يُحِبُّ إذَا عمِلَ العَمَل أن يُحكمَ". قال مَعْمَر: وبَلَغَنِى أنَّه قال: "ولَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِ أَهْلِهِ". رَوَاهُ عبدُ الرَّزَّاقِ، في كتابِ الجَنَائِزِ (7).
فصل:
والسُّنَّةُ أن يُلْحَدَ قَبْرُ المَيِّتِ، كما صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قال سعدُ بن أبى وَقَّاصٍ: الْحَدُوا لي لَحْدًا، وانْصِبُوا عَلَىَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كما صُنِعَ بِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَاه مُسْلِمٌ (8). ومَعْنَى اللَّحْد، أنَّه إذا بَلَغَ أرْضَ القَبْرِ حَفرَ فيه ممَّا يَلِى
(5) في: باب في تعميق القر، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود 2/ 191، 192. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في دفن الشهداء، من أبواب الجهاد. عارضة الأحوذى 7/ 206. والنسائي، في: باب ما يستحب من إعماق القبر، وباب ما يستحب من توسيع القبر، وباب دفن الجماعة في القبر الواحد، وباب من يقدم. من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 66، 67، 68، 69. وابن ماجه، في: باب ما جاء في حفر القبر، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 497. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 19، 20.
(6)
في الأصل: "وصى".
(7)
في: باب حسن عمل القبر، من كتاب الجنائز. المصنف 3/ 507، 508.
(8)
في: باب في اللحد ونصب اللبن على الميت، من كتاب الجنائز. صحيح مسلم 2/ 665. كما أخرجه =
القِبْلَةَ مَكَانًا يُوضَعُ المَيِّتُ فيه، فإن كانتِ الأرْضُ رُخْوَةً جَعَلَ له من الحِجَارَةِ شِبْهَ اللَّحْدِ. قال أحمدُ: ولا أُحِبُّ الشَّقَّ؛ لما رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:"اللَّحْدُ لَنَا، والشَّقُّ لِغيْرِنَا". رَوَاه أبو دَاوُدَ، والنَّسَائِىُّ، والترْمِذِيُّ (9). وقال: هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. فإن لم يُمكنِ اللَّحْدُ شُقَّ له في الأرْضِ، ومَعْنَى الشَّقِّ أن يَحْفِرَ في أرْضِ القَبْرِ شَقًّا يَضَعُ المَيِّتَ فيه، ويَسْقُفُه عليه بِشىءٍ. ويَضَعُ المَيِّتَ في اللَّحْدِ على جَنْبِه الأيْمَنِ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ بِوَجْهِه، ويَضَعُ تَحْتَ رَأْسِه لَبنَةً، أو حَجَرًا، أو شَيْئًا مُرْتَفِعًا، كما يَصْنَعُ الحَىُّ. وقد رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللهُ عنه، قال: إذا جَعَلْتُمُونِى في اللَّحْدِ فأَفْضُوا بِخَدِّى إلى الأرْضِ. ويُدْنَى من الحائِطِ لئلَّا يَنْكَبَّ على وَجْهِهِ، ويُسْنَدُ مِن وَرَائِه بِتُرَابٍ، لئلَّا يَنْقَلِبَ. قال أحمدُ، رحمه الله: ما أُحِبُّ أن يُجْعَلَ في القَبْرِ مَضْرَبَةٌ (10)، ولا مِخَدَّةٌ. وقد جُعِلَ في قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ (11)، فإنْ جَعَلُوا قَطِيفَةً فلِعِلَّةٍ (12). فإذا فَرَغُوا نَصَبُوا (13) عليه اللَّبِنَ نَصْبًا. ويُسَدُّ خَلَلُه بالطِّينِ لئلَّا يَصِلَ إليه التُّرَابُ، وإن جَعَلَ مكان اللَّبِن
= النسائي، في: باب اللحد والشق، من كتاب الجنائز. المجتبى 4/ 66. وابن ماجه، في: باب ما جاء في استحباب اللحد، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 496. والإِمام أحمد، في: المسند 1/ 169، 173، 184.
(9)
أخرجه أبو داود، في: باب في اللحد، من كتاب الجنائز. سنن أبي داود 2/ 190. والنسائي، في: باب اللحد والشق، من كتاب الجنائز. سنن النسائي 4/ 66. والترمذي، في: باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: اللحد لنا والشق لغيرنا، من أبواب الجنائز. عارضة الأحوذى 4/ 266. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في استحباب اللحد، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 496.
وقد عزاه ابن حجر في: تلخيص الحبير 2/ 137 للإِمام أحمد. وانظر: نصب الراية للزيلعى 2/ 296، والفتح الربانى 8/ 52، 53. وأخرجه الإِمام أحمد عن طريق جرير بن عبد اللَّه. المسند 4/ 357، 359.
(10)
المضربة: القطعة من القطن.
(11)
تقدم تخريجه في صفحة 385.
(12)
لعل صوابه: "فلَعَلَّه". أي فلعله يجوز.
(13)
في الأصل: "نصب".
قَصَبًا، فحَسَنٌ؛ لأنَّ الشَّعْبِىَّ قال: جُعِلَ على لَحْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طُنُّ (14) قَصَبٍ، فإنِّى رَأيْتُ المُهَاجِرِينَ يسْتَحِبُّون ذلك (15). قال الخَلَّالُ: كَان أبو عبدِ اللَّه يَمِيلُ إلى اللَّبنِ، ويَخْتَارُهُ على القَصَبِ، ثم تَرَكَ ذلك. ومالَ إلى اسْتِحْباب القَصَبِ على اللَّبِنِ، وأمَّا الخَشَبُ، فَكَرِهَهُ على كل حَالٍ. ورَخَّصَ فيه عند الضَّرُورَةِ إذا لم يُوجَدْ غيرُه، وأكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عن أبي عبدِ اللهِ اسْتِحْبَابُ اللَّبِنِ، وتَقْدِيمُه على القَصَبِ؛ لِقَوْلِ سعدٍ: انْصِبُوا عَلَىَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كما صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم. وقولُ سَعْدٍ أَوْلَى من قولِ الشَّعْبِىِّ، فإنَّ الشَّعْبِىَّ لم يَرَ، ولم يَحْضُرْ، وأيُّهما فَعَلَهُ كان حَسَنًا. قال حَنْبَلٌ: قلتُ لأبي عبدِ اللهِ: فإن لم يكنْ لَبِنٌ؟ قال يُنْصَبُ عليه القَصَبُ والحَشِيشُ، وما أمْكَنَ مِن ذلك، ثم يُهَالُ عليه التُّرَابُ.
فصلِ: رُوِىَ عن أحمدَ أنَّه حَضَرَ جِنَازَةً، فلمَّا أُلْقِىَ عليها التُّرَابُ، قامَ إلى القَبْرِ، فحَثَى عليه ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثم رَجَعَ إلى مَكانِه. وقال: قد جاءَ عن عليٍّ وصَحَّ، أنَّه حَثَى على قَبْرِ ابنِ مُكَفّف. وَرُوِىَ عنه أنَّه قال: إن فَعَلَ فَحَسَنٌ، وإن لم يَفْعَلْ فلا بَأْسَ. ووَجْهُ اسْتِحْبَابِه ما رُوِىَ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى على جِنَازَةٍ، ثم أتَى قَبْرَ المَيِّتِ مِن قِبَلِ رَأْسِه، فَحَثَى عليه ثَلَاثًا. أخْرَجَهُ ابنُ مَاجَه (16). وعن عَامِرِ بن رَبِيعَةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم[صَلَّى على عُثمانَ بن مَظْعُونٍ، فَكَبَّرَ عَليه أرْبَعًا، ثم أَتَى القَبْرَ، فَحَثَى](17) عليه ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وهو قائِمٌ عند رَأْسِهِ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِىُّ (18). وعن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبِيهِ، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَثَى على المَيِّتِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا. أخْرَجَهُ الشَّافِعِىُّ، في "مُسْنَدِهِ"(19). وفَعَلَهُ
(14) الطن: حزمة القصب أو الحطب.
(15)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب ما قالوا في القصب يوضع عن اللحد، من كتاب الجنائز. المصنف 3/ 332، 333.
(16)
في: باب ما جاء في حثو التراب في القبر، من كتاب الجنائز. سنن ابن ماجه 1/ 499.
(17)
سقط من:
(18)
في: باب حثى التراب على الميت، من كتاب الجنائز. سنن الدارقطني 2/ 76.
(19)
في: كتاب الجنائز. ترتيب المسند 1/ 216.