الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كان يَخْطُبُ قَائِمًا، ثم يَجْلِسُ، ثم يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا، فَمن نَبَّأَكَ أنَّه كان (6) يَخْطُبُ جَالِسًا فقد كَذَبَ، فقد واللهِ صَلَّيْتُ معه أكْثَرَ من ألْفَىْ صَلَاةٍ. أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وأبو دَاوُدَ، والنَّسَائِيُّ (7). فأمَّا إن قَعَدَ لِعُذْرٍ، من مَرَضٍ، أو عَجْزٍ عن القِيامِ، فلا بَأْسَ، فإنَّ الصلاةَ تَصِحُّ من القاعِدِ العاجزِ عن القِيامِ، فالخُطْبَةُ أوْلَى. ويُسْتَحَبُّ أن يَشْرَعَ في الخُطْبَةِ عند فَراغِ المُؤَذِّنِ من أذَانِه؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَفْعَلُ ذلك.
فصل:
ويُسْتَحَبُّ أن يَسْتَقْبِلَ النّاسُ الخَطِيبَ إذا خَطَبَ. قال الأثْرَمُ: قلتُ لأبي عبدِ اللَّه: يكُونُ الإِمَامُ [عن يَمِينِى](8) مُتَبَاعِدًا، فإذا أرَدْتُ أن أنْحَرِفَ إليه حَوَّلْتُ وَجْهِى عن القِبْلَةِ، فقال: نعم، تَنْحَرِفُ إليه. وممَّن كان يَسْتَقْبِلُ الإِمامَ ابنُ عمرَ، وأنَسٌ. وهو قولُ شُرَيْحٍ، وعَطاء، ومَالِكٍ، والثَّوْرِيِّ، والأوْزَاعِيِّ، وسَعِيدِ بن عبدِ العزِيزِ، وابنِ جابِر (9)، ويَزِيدَ ابنِ أبي مَرْيَمَ، والشَّافِعِيِّ، وإسْحاقَ، وأصْحَابِ الرَّأْىِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: هذا كالإِجْمَاعِ. ورُوِىَ عن الحسنِ أنَّه اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، ولم يَنْحَرِفْ إلى الإِمامِ. وعن سَعِيدِ بن المُسَيَّبِ أنَّه كان
= كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 589. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في الجلوس بين الخطبتين، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 294. والنسائي، في: باب الفصل بين الخطبتين بالجلوس، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 90. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 351. والدارمى، في: باب القعود بين الخطبتين، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 366. والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 98.
(6)
سقط من: م.
(7)
أخرجه مسلم، في: باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 589. وأبو داود، في: باب الخطبة قائما، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 251. والنسائي، في: باب السكوت في القعدة بين الخطبتين، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 90. كما أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 351. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 87 - 95، 97، 100 - 102، 107، 108.
(8)
سقط من: ا، م.
(9)
أبو عتبة عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدى الشامى، في الطبقة الثانية من فقهاء أهل الشام بعد الصحابة. توفى بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة. تهذيب التهذيب 6/ 297، 298.
لا يَسْتَقْبِلُ هشامَ بن إسماعيلَ إذا خَطَبَ، فوَكَلَ به هِشَامٌ شُرَطِيًّا يَعْطِفُه إليه. والأوَّلُ أوْلَى؛ لما رَوَى عَدِيُّ بن ثَابِتٍ، عن أبِيه، عن جَدِّهِ، قال: كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ على المِنْبَرِ اسْتَقْبَلَهُ أصْحَابُه بِوُجُوهِهم، رَوَاه ابنُ مَاجَه (10). وعن مُطِيعِ بن يَحْيَى (11) المَدَنِي، عن أبِيه، عن جَدِّهِ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ على المِنْبَرِ أقْبَلْنَا بِوُجُوهِنا إليه. أخْرَجَه الأثْرَمُ. ولأنَّ ذلك أبْلَغُ في سَمَاعِهم، فاسْتُحِبَّ، كاسْتِقْبَالِ الإِمَامِ إيَّاهم.
283 -
مسألة؛ قال: (فَحَمِدَ اللهَ، وأَثْنَى عَلَيْهِ، وصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وجَلَسَ وقَامَ، فَأَتَى أَيْضًا [بِحَمْدِ اللهِ] (1) والثَّنَاءِ عَلَيْهِ، والصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وقَرَأَ وَوَعَظَ، وإنْ أرَادَ أن يَدْعُوَ لإِنْسَانٍ دَعَا)
وجُمْلَتُه أنَّه يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتانِ. وهذا مذهبُ الشَّافِعِيِّ. وقال مالِكٌ، والأوْزاعِيُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ، وابنُ المُنْذِرِ، وأصْحَابُ الرَّأْىِ: يُجْزئُهُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ. وقد رُوِىَ عن أحمدَ ما يَدُلُّ عليه، فإنَّه قال: لا تكونُ الخُطْبَةُ إلَّا كما خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، أو (2) خُطْبَةً تَامَّةً. وَوَجْهُ الأوَّلِ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ، كما رَوَيْنا في حَدِيثِ ابنِ عمرَ، وجَابِرِ بن سَمُرَةَ، وقد قال:"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمونِى أُصَلِّى". ولأنَّ الخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ، فكُلُّ خُطْبَةٍ مَكَانَ رَكْعَةٍ، فالإِخْلالُ بإحْدَاهما كالإِخْلالِ بإحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ. ويُشْتَرَطُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ منهما حَمْدُ اللهِ تعالى، والصَّلَاةُ على رسولِه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"كُلُّ أَمْرٍ ذِى بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ"(3). وإذا وَجَبَ ذِكْرُ اللَّه تعالى،
(10) في: باب ما جاء في استقبال الإِمام وهو يخطب، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 360.
(11)
في أ، م زيادة:"بن".
(1)
في أ، م:"بالحمد للَّه".
(2)
في م: "أي".
(3)
أخرجه أبو داود، في: باب الهَدْى في الكلام، من كتاب الأدب، سنن أبي داود 2/ 560 بلفظ =
وَجَبَ ذِكْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِمَا رُوِىَ في تَفْسيرِ قولِه تعالى:{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} (4). قال: لا أُذْكَرُ إلَّا ذُكِرْتَ مَعِى (5)، ولأنَّه مَوْضِعٌ وَجَبَ فيه ذِكْرُ اللهِ تعالى، والثَّنَاءُ عليه، فوَجَبَتْ (6) فيه الصلاةُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كالأذانِ والتَّشَهُّدِ. ويَحْتَمِلُ أن لا تَجِبَ الصلاةُ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَذْكُرْ في خُطْبَتِه (7) ذلك. فأمَّا القِرَاءَةُ، فقال القاضي: يَحْتَمِلُ أن يُشْتَرَطَ لكُلِّ واحِدَةٍ من الخُطْبَتَيْنِ. وهو ظَاهِرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ؛ لأنَّ الخُطْبَتَيْنِ أُقِيمَتَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ، فكانت القِرَاءَةُ شَرْطًا فيهما كالرَّكْعَتَيْنِ. ويَحْتَمِلُ أنْ تُشْتَرَطَ في إحْدَاهما؛ لما رَوَى الشَّعْبِيُّ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا صَعَدَ المِنْبَرَ يَوْمَ الجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ، فقال:"السَّلَامُ عَلَيْكُم". ويَحْمَدُ اللهَ، ويُثْنِى عليه، ويَقْرَأ سُورَةً، ثم يَجْلِسُ، ثم يَقُومُ فيَخْطُبُ، ثم يَنْزِلُ، وكان أبو بكرٍ وعُمَرُ يَفْعَلَانِه. رَوَاه الأثْرَمُ (8). وظاهِرُ هذا أنَّه إنَّما قَرَأَ في الخُطْبَةِ الأُولَى، وَوَعَظَ في الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ. وظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أنَّ المَوْعِظَةَ إنَّما تكونُ في الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ؛ لهذا الخَبَرِ. وقال القاضي: تَجِبُ في الخُطْبَتَيْنِ؛ لأنَّها (9) المَقْصُودُ من الخُطْبَةِ، فلم يَجُزِ الإِخْلَالُ بها. وقال أَبو حنيفةَ: لو أتَى بِتَسْبِيحَةٍ واحِدَةٍ أجْزَأَ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} . ولم يُعَيِّنْ ذِكْرًا، فأجْزَأَ ما يَقَعُ عليه اسْمُ
= "أجذم". وابن ماجه، في: باب خطبة النكاح، من كتاب النكاح. سنن ابن ماجه 1/ 160 بلفظ "أقطع". والإِمام أحمد، في: المسند 2/ 359.
(4)
سورة الشرح الآيتان الأولى، والرابعة.
(5)
أخرجه البيهقي، في: باب ما يستدل به على وجوب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة، من كتاب الجمعة. السنن الكبرى 3/ 209. وانظر: الدر المنثور، للسيوطي 6/ 363.
(6)
في أ، م:"فوجب".
(7)
في م: "خطبه".
(8)
تقدم في صفحة 162.
(9)
في م زيادة: "بيان".
الذِّكْرِ، ويَقَعُ اسْمُ الخُطْبَةِ على دون ما ذَكَرْتُمُوهُ، بدَلِيلِ أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: عَلِّمْنِى عَمَلًا أدْخُلُ به الجَنَّةَ. فقال: "لَئِنْ أَقْصَرْتَ فِي الْخُطْبَةِ لَقَدْ أَعْرَضْتَ في الْمَسْأَلَةِ"(10). وعن مالِكٍ رِوَايَتَانِ، كالمَذْهَبَيْنِ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَّرَ الذِّكْرَ بفِعْلِه، فيَجِبُ الرُّجُوعُ إلى تَفْسِيرِه، قال جابِرُ بنُ سَمُرَةَ: كانتْ صلاةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَصْدًا، وخُطْبَتُه قَصْدًا، يَقْرَأُ آياتٍ من القُرْآنِ، ويُذَكِّرُ النَّاسَ (11). وقال جابِرٌ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النّاسَ، يَحْمَدُ اللَّه، ويُثْنِى عليه بما هو أهْلُهُ، ثم يقولُ:"مَنْ يَهْدِه اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ"(12). وقال ابنُ عمرَ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ قائِمًا، ثم يَجْلِسُ، ثم يَقُومُ (13). كما يَفْعَلُونَ اليَوْمَ. فأمَّا التَّسْبِيحُ والتَّهْلِيلُ فلا يُسَمَّى خُطْبَةً. والمُرَادُ بالذِّكْرِ الْخُطْبَةُ، وما رَوَوْهُ مَجَازٌ؛ فإنَّ السُّؤالَ لا يُسَمَّى خُطْبَةً، ولذلك لو ألْقَى مَسْأَلَةً على الحاضِرِينَ لم يَكْفِ ذلك اتّفَاقًا. قال أصْحَابُنا: ولا يَكْفِى في القِرَاءَةِ أقَلُّ مِن آيةٍ، لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَقْتَصِرْ على أقَلَّ مِن ذلك، ولأنَّ الحُكْمَ لا يَتَعَلَّقُ بما دُونَها، بدَلِيلِ مَنْعِ الجُنُبِ من قِراءَتِها، دونَ ما هو أقَلُّ من ذلك. وظَاهِرُ كلامِ
(10) أخرجه الإِمام أحمد، في: المسند 4/ 299، 6/ 384.
(11)
أخرجه مسلم، في: باب تخفيف الصلاة والخطبة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 591. وأبو داود، في: باب الرجل يخطب على قوس، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 252. والترمذي، في: باب ما جاء في قصر الخطبة، من أبواب الجمعة. عارضة الأحوذى 2/ 295. والنسائي، في: باب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها، من كتاب الجمعة، وفى: باب القصد في الخطبة، وباب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها، من كتاب العيدين. المجتبى 3/ 90، 156. وابن ماجه، في: باب ما جاء في الخطبة يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 351. والدارمى، في: باب في قصر الخطبة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 365. والإِمام أحمد، في: المسند 5/ 91، 93 - 95، 98، 100، 102، 106، 107.
(12)
أخرجه مسلم، في: باب تخفيف الصلاة والخطبة، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 593. والنسائي، في: باب كيف الخطبة، من كتاب العيدين. المجتبى 3/ 153. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 371.
(13)
تقدم في صفحة 171.