الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَرْجِعَ إلى مَكَّةَ، فلا يُقِيمُ بها حتى يَنْصَرِفَ، فهذا يُصَلِّى بِعَرَفَةَ رَكْعَتَيْنِ؛ لأنَّه حين خَرَجَ من مَكَّةَ أنْشَأَ السَّفَرَ، [إلى بلدِه، ليس على أنَّ عَرَفَةَ سَفَرُه، كمَن كان أنْشأَ السَّفَرَ](21)، فهو في سَفَرٍ من حِينِ خَرَجَ من مَكَّةَ. ولو أنَّ رَجُلًا كان مُقِيمًا ببَغْدَادَ، فأرَادَ الخُرُوجَ إلى الكُوفَةِ، فعَرَضَتْ له حَاجَةٌ بالنَّهْرَوَانِ (22)، ثم رَجَعَ فمَرَّ ببَغْدَادَ ذَاهِبًا إلى الكُوفَةِ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ إذا كان يَمُرُّ ببَغْدَادَ مُجْتَازًا، لا يُرِيدُ الإِقامَةَ بها. وإن كان الذي خَرَجَ إلى عَرَفَةَ في نِيَّتِه الإِقَامَةُ بمَكَّةَ إذا رَجَعَ، فإنَّه لا يَقْصُرُ بِعَرَفَة، ولذلك أهْلُ مَكَّةَ لا يَقْصُرُونَ. وإن صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ (23) مَكِّىٍّ يَقْصُرُ الصلاةَ بعَرَفَة رَكْعَتَيْنِ، ثم قام (24) بعدَ صلاةِ الإِمَامِ، فأضافَ إليها رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، صَحَّتْ صلاتُه (25)؛ لأنَّ المَكِّىَّ يَقْصُرُ بِتَأْوِيلٍ، فَصَحَّتْ صلاةُ مَن يَأْتَمُّ به.
فصل:
وإذا خَرَجَ المُسَافِرُ، فذَكَرَ حَاجَةً، فرَجَعَ إليها، فله القَصْرُ في رُجُوعِه، إلَّا أنْ يكونَ نَوَى أن يُقِيمَ إذا رَجَعَ مُدَّةً تَقْطَعُ القَصْرَ، أو يكونَ أهْلُه أو مالُه في البَلَدِ الذي رَجَعَ إليه؛ لما ذَكَرْنَا. هكذا حُكِىَ عن أحمدَ. وقولُه، في الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: أتَمَّ، إلَّا أنْ يكونَ مَارًّا. يَقْتَضِى أنَّه إذا قَصَد أخْذَ حَاجَتِه، والرُّجُوعَ من غيرِ إقامَةٍ، أنَّه يَقْصُرُ. والشَّافِعِىُّ يرَى له القَصْرَ، ما لم يَنْوِ في رُجُوعِه الإِقَامَةَ في البَلَدِ أرْبَعًا، قال: ولو [أتَمَّ كان](26) أحَبَّ إلَىَّ. وقال مالِكٌ: يُتِمُّ حتى
(21) سقط من: م.
(22)
النهروان: كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقى، حدها الأعلى متصل ببغداد. معجم البلدان 4/ 846.
(23)
سقط من: ا، م.
(24)
في م: "أقام".
(25)
في م: "الصلاة".
(26)
في أ، م:"كان أتم".
يَخْرُجَ فاصِلًا الثانيةَ (27). ونحوه قولُ (28) الثَّوْرِىِّ. ولَنا، أنَّه قد ثَبَتَ له حُكْمُ السَّفَرِ بخُرُوجِه، ولم تُوجَدْ إقامَةٌ تَقْطَعُ حُكْمَه، فأشْبَهَ ما لو أتَى قَرْيَةً غيرَ مَخْرَجِه.
278 -
مسألة؛ قال: (وَإنْ قَالَ الْيَوْمَ أَخْرُجُ، وغَدًا (1) أخْرُجُ. قَصَرَ، وإن أقَامَ شَهْرًا)
وجُمْلَةُ ذلك أنَّ مَن لم يُجْمِعِ الإِقامةَ مُدَّةً تَزِيدُ على إحْدَى وعِشْرِينَ صلاةً، فله القَصْرُ، ولو أقامَ سِنِينَ، مثل أنْ يُقِيمَ لِقَضاءِ حاجَةٍ يَرْجُو نَجاحَها، أو لِجِهادِ عَدُوٍّ، أو حَبَسَه (2) سُلْطَانٌ أو مَرَضٌ، وسَوَاءٌ غَلَبَ على ظَنِّه انْقِضاءُ الحاجَةِ في مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ، أو كَثِيرَةٍ، بعدَ أن يَحْتَمِلَ انْقِضَاؤُها في المُدَّةِ التي لا تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ. قال ابنُ المُنْذِرِ: أجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ أنَّ لِلْمُسَافِرِ أن يَقْصُرَ ما لم يُجْمِعْ إقَامَةً، وإن أتَى عليه سِنُونَ. وقَد رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ، قال: أقامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في بعضِ أسْفَارِه تِسْعَ عَشرَةَ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ. رَوَاهُ البُخَارِىُّ (3). وقال جابِرٌ: أقَامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم في غزْوَةَ تَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. رَوَاهُ الإِمَامُ أحْمَدُ في "مُسْنَدِه"(4). وفي حَدِيثِ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أقَامَ بمَكَّةَ ثَمَانِىَ عَشْرَةَ لا يُصَلِّى إلَّا رَكْعَتَيْنِ. رَوَاه أبو دَاوُدَ (5). وَرُوِى عن عبدِ الرحمنِ بن المِسْوَرِ، عن أبيهِ، قال: أقَمْنَا مع سَعْدٍ بعَمَّانَ أو سَلْمانَ، فكان يُصَلِّى
(27) في م: "للثانية".
(28)
في الأصل: "قال".
(1)
سقطت واو العطف من: ا، م.
(2)
في م: "حبس".
(3)
تقدم في صفحة 149.
(4)
المسند 3/ 295. كما أخرجه أبو داود، في: باب إذا أقام بأرض العدو يقصر، من كتاب صلاة المسافر. سنن أبي داود 1/ 281. والبيهقي، في: باب من قال يقصر أبدا ما لم يجمع مكثا، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 152.
(5)
تقدم في صفحة 146.
رَكْعَتَيْنِ، ويُصَلِّى أَرْبَعًا، فذَكَرْنا ذلك له. فقال: نحنُ أعلمُ. رَوَاه الأَثْرَمُ (6). ورَوَى سَعِيدٌ، بإسْنَادِه عن المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، قال: أقَمْنا مع سَعْدٍ ببعضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً يَقْصُرُها سَعْدٌ، ونُتِمُّها (7). وقال نافِعٌ: أقامَ ابنُ عمرَ بأذْرَبِيجَانَ (8) سِتَّةَ أَشْهُرٍ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ، وقد حال الثَّلْجُ بينه وبين الدُّخُولِ (9). وعن حَفْصِ بن عبدِ اللهِ: أنَّ أنَسَ بنَ مَالِكٍ أقَامَ بالشَّامِ سنتَيْن (10) يُصَلِّى صَلَاةَ المُسَافِرِ. وقال أنَسٌ: أقَامَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِرَامَهُرْمُزَ (11) سَبْعَةَ أشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصلاةَ (12). وعن الحسنِ، عن عبدِ الرحمنِ بن سَمُرَةَ، قال: أقَمْتُ معه سَنَتَيْنِ (13) بِكَابُلَ (14) يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، ولا يُجَمِّعُ (15). وقال إبراهيمُ: كانوا يُقِيمُونَ بالرّىِّ (16) السَّنَةَ وأكْثَرَ من ذلك، وبِسِجِسْتَانَ (17) السَّنَتَيْنِ، لا يُجَمِّعُونَ ولا يَصُومُونَ، وقد ذَكَرْنَا عن عليٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه، أنَّه قال: ويَقْصُرُ إذا قال اليَوْمَ
(6) تقدم في صفحة 124.
(7)
تقدم في صفحة 124.
(8)
أذربيجان: إقليم واسع، حده من برذعة مشرقا إلى أرزنجان مغربا، ويتصل حدها من جهة الشمال ببلاد الديلم والجيل والطرم. معجم البلدان 1/ 172.
(9)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الرجل يخرج في وقت الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 533. والبيهقي، في: باب من قال يقصر أبدًا ما لم يجمع مكثا، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 152.
(10)
في أ، م:"سنين".
(11)
رامهرمز: مدينة مشهورة بنواحى خوزستان. معجم البلدان 2/ 738.
(12)
أخرجه البيهقي، في: باب من قال يقصر أبدا ما لم يجمع مكثا، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 152. بلفظ "تسعة أشهر".
(13)
سقط من: الأصل.
(14)
كابل: ولاية ذات مروج كبيرة بين هند وغزنة. معجم البلدان 4/ 220.
(15)
أخرجه عبد الرزاق، في: باب الرجل يخرج في وقت الصلاة، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 536. "ولا يُجَمِّع". أي ولا يصلى جمعة.
(16)
الرى: قصبة بلاد الجبال، مدينة مشهورة. معجم البلدان 2/ 892.
(17)
سجستان: ناحية كبيرة، وولاية واسعة، بينها وبين هراة ثمانون فرسخا. معجم البلدان 3/ 41.