الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائْتِمَامُ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ جائِزٌ، على ما مَضَى.
فصل:
وإنْ أمَّ المُسَافِرُ مُسافِرِينَ، فنَسِىَ فصلاهَا تَامَّةً، صَحَّتْ صلاتُه وصلاتُهم، ولا يَلْزَمُ لذلك سُجُودُ سَهْوٍ؛ لأنَّها زِيَادَةٌ لا يُبْطِلُ الصلاةَ عَمْدُها، فلا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِها، كزِيَاداتِ الأقْوَالِ، مثلِ القِرَاءَةِ في السُّجُودِ والقُعُودِ، وهل يُشْرَعُ السُّجُودُ لها؟ يُخَرَّجُ على الرِّوَايَتَيْنِ في الزِّياداتِ المَذْكُورَة. واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ أَنَّه لا يَحْتاجُ إلى سُجُودٍ؛ لأنَّه أتَى بالأصْلِ فلم يَحْتَجْ إلى جُبْرانٍ. ووَجْهُ مَشْرُوعِيَّتِه أنَّ هذه زِيادَةٌ نَقَصَتِ الفَضِيلَةَ، وأخَلَّتْ بالكَمَالِ، فأشْبَهَتِ القِراءةَ في غير مَحَلِّها، وقِرَاءَةَ السُّورَةِ في الأُخْرَيَيْنِ. وإذا ذَكَرَ الإِمامُ بعد قِيَامِه إلى الثَّالِثَة، لم يَلْزَمْهُ الإِتْمَامُ، وله أن يَجْلِسَ، فإنَّ المُوجبَ لِلْإِتْمامِ نِيَّتُه، أو الائْتِمامُ بمُقِيمٍ، ولم يُوجَدْ واحِدٌ منهما. وإنْ عَلِمَ المَأْمُومُ أنَّ قِيَامَه لِسَهْوٍ، وسَبَّحُوا به، لم يَلْزَمْهُ مُتَابَعَتُه؛ لأنَّه سَهْوٌ فلا يَجِبُ اتِّبَاعُه فيه، ولهم مُفارَقَتُه إن لم يَرْجِعْ، كما لو قامَ إلى ثَالِثَة في الفَجْرِ، وإنْ تَابَعُوهُ لم [تبْطُلْ صلاتُهم؛ لأنَّها زيادةٌ لا](5) تُبْطِلُ صلاة الإِمَامِ، فلا تَبْطُلُ صَلَاةُ المَأْمُومِ بمُتَابَعَتِه فيها، كزِيَاداتِ الأقْوَالِ، ولأنَّهم لو فارَقُوا الإِمامَ، وأَتَمُّوا، صَحَّتْ صلاتُهم، فمع مُوَافَقَتِه أوْلَى. وقال القاضي: تَفْسُدُ صلاتُهم؛ لأنَّهم زَادُوا رَكْعَتَيْنِ عَمْدًا. وإنْ لم يَعْلَمُوا هلْ قَامَ سَهْوًا أو عَمْدًا، لَزِمَهُم مُتَابَعَتُه، ولم يكنْ لهم مُفَارَقَتُه، لأنَّ حُكْمَ وُجُوبِ المُتَابَعَةِ ثَابِتٌ. فلا يزُولُ بالشَّكِّ.
277 - مسألة؛ قال: (وإذا نَوَى المُسَافِرُ الإِقَامَةَ في بَلَدٍ أَكْثَرَ مِنْ إحْدَى وعِشْرِينَ صَلَاةً، أَتَمَّ)
المَشْهُورُ عن أحمدَ، رحمه الله، أنَّ المُدَّةَ التي تُلْزِمُ المُسَافِرَ الإِتْمامَ بِنِيَّةِ
(5) سقط من: م.
الإِقامةِ فيها، هي ما كان أكْثَرَ من إحْدَى وعِشْرِينَ صَلَاةً. رَوَاه الأثْرَمُ، والمرُّوذِىُّ، وغيرُهما. وعنه أنَّه إذا نَوَى إقامةَ أرْبَعةِ أيَّامٍ أتَمَّ، وإن نَوَى دُونَها قَصَرَ. وهذا قولُ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأبي ثَوْرٍ؛ لأنَّ الثَّلاثَ حَدُّ القِلَّةِ، بدَلِيلِ قولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"يُقِيمُ المُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِه (1) ثَلَاثًا"(2). ولمَّا أخْلَى عمرُ رَضِىَ اللهُ عنه، أهْلَ الذِّمَّةِ، ضَرَبَ لمن قَدِمَ منهم (3) تَاجِرًا ثلاثًا (4)، فدَلَّ على أنَّ الثَّلَاثَ في حُكْمِ السَّفَرِ، وما زَادَ في حُكْمِ الإِقَامَةِ. ورُوِىَ (5) هذا القولُ عن عُثمانَ، رَضِىَ اللهُ عنه. وقال الثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: إن أقامَ خمسةَ عَشَرَ يَوْمًا مع اليَوْمِ الذي يَخْرُجُ فيه أتَمَّ، وإنْ نَوَى دُونَ ذلك قَصَرَ. وَرُوِى ذلك عن ابنِ عمرَ، وسَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، والليْثِ بن سَعْدٍ؛ لما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، وابنِ عَبَّاسٍ، أنَّهما قالا: إذا قَدِمْتَ وفى نَفْسِكَ أن تُقِيمَ بها خمسَ عَشَرَةَ لَيْلَة فأكْمِلِ الصلاةَ. ولا يُعْرَفُ لهما (6) مُخَالِفٌ. ورُوِىَ عن سَعِيد بن المُسَيَّبِ مثلُ هذا القَوْلِ. ورَوَى عنه قتادَةُ، قال: إذا أقَمْتَ أرْبَعًا فَصَلِّ أرْبَعًا، وَرُوِى عن عليٍّ، رَضِى اللهُ عنه، قال: يُتِمُّ الصلاةَ الذي يُقِيمُ عَشْرًا، ويَقْصُرُ الصلاةَ الذي يقولُ: أخْرُجُ اليومَ أخْرُجُ غدًا. شَهْرًا. وهذا قولُ محمدِ بن عليٍّ وابنِه، والحسنِ بن صَالِحٍ. وعن ابنِ عَبَّاسٍ قال: إذا قَدِمْتَ
(1) في أ، م:"منسكه".
(2)
أخرجه مسلم، في: باب جواز الإِقامة بمكة. . . إلخ، من كتاب الحج. صحيح مسلم 2/ 985. والترمذي، في: باب ما جاء أن يمكث المهاجر. . . . إلخ، من أبواب الحج. عارضة الأحوذى 4/ 174. والنسائي، في: باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، من كتاب التقصير. المجتبى 3/ 100. وابن ماجه، في: باب كم يقصر الصلاة إذا أقام ببلدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 341. والدارمى، في: باب في من أراد أن يقيم ببلدة كم يقيم حتى يقصر الصلاة، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 355. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 339، 5/ 52.
(3)
في الأصل: "منها".
(4)
أخرجه البيهقي، في: باب من أجمع إقامة أربع أتم، من كتاب الصلاة. السنن الكبرى 3/ 148.
(5)
في أ، م:"ويروى".
(6)
في أ، م:"لهم".
بَلْدَةً، فلم تَدْرِ متى تَخْرُجُ، فأتِمَّ الصلاةَ، وإن قلتَ: أخْرُجُ اليَوْم، أخْرُجُ غدًا. فَأقَمْتَ عَشْرًا، فأتِمَّ الصلاةَ. وعنه، أنَّه قال: إنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أقَامَ في بَعضِ أسْفَارِه تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ. قال ابنُ عَبَّاسٍ: فنحنُ إذا أقمْنا تِسْعَ عَشْرَةَ نُصَلِّى رَكْعَتَيْن، وإذا زِدْنَا على ذلك أتْمَمْنَا. رَوَاه البُخَارِىُّ (7). وقال الحسنُ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، إلى (8) أن تَقْدَمَ مِصْرًا، فأتِمَّ الصلاةَ وصُمْ. وقالتْ عائشةُ: إذا وَضعْتَ الزَّادَ والمزَادَ فأتِمَّ الصلاةَ (9). وكان طَاوُسٌ إذا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى أرْبَعًا. ولنَا، ما رَوَى أنَسٌ، قال: خَرَجْنَا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى مَكَّةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ حتى رَجَعَ، وأقامَ بمَكَّةَ عَشْرًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. مُتَّفَقٌ عليه (10). وذَكَرَ أحمدُ حديثَ جابِرٍ وابنِ عَبَّاسٍ (11) أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ، فأقامَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم اليَوْمَ الرَّابِعَ
(7) في: باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، من كتاب التقصير، وفى: باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 2/ 53، 5/ 191. كما أخرجه الترمذي، في: باب ما جاء في تقصير الصلاة، من أبواب السفر. عارضة الأحوذى 3/ 21، 22. وابن ماجه، في: باب كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 341. والإمام أحمد، في: المسند 1/ 223.
(8)
في الأصل: "إلا".
(9)
أخرجه ابن أبي شيبة، في: باب من قال إذا وضع رحله وبرك أتم، من كتاب الصلاة. المصنف 2/ 455.
(10)
أخرجه البخاري، في: باب ما جاء في التقصير وكم يقيم حتى يقصر، من كتاب التقصير، وفى: باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح، من كتاب المغازى. صحيح البخاري 2/ 53، 5/ 190، 191. ومسلم، في: باب صلاة المسافرين وقصرها، من كتاب صلاة المسافرين. صحيح مسلم 1/ 481. كما أخرجه أبو داود، في: باب متى يتم المسافر، من كتاب صلاة السفر. سنن أبي داود 1/ 280. والترمذي، في: باب ما جاء في تقصير الصلاة، من أبواب صلاة السفر. عارضة الأحوذى 3/ 18. والنسائي، في: باب تقصير الصلاة في السفر، وباب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة، من كتاب صلاة السفر. المجتبى 3/ 96، 97، 100. وابن ماجه، في: باب كم يقصر الصلاة المسافر إذا أقام ببلدة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 342. والدارمى، في: باب في من أراد أن يقيم ببلدة. . . . إلخ، من كتاب الصلاة. سنن الدارمي 1/ 355.
(11)
لم نجده في المسند.