الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرَ: إنَّ طَلَبَ حاجَةٍ في يَوْمٍ لَيَسِيرٌ (62). وقيل: أخْفَى اللهُ تعالى هذه السَّاعَةَ لِيَجْتَهِدَ عِبَادُه في دُعَائِه في جَمِيعِ اليَوْمِ طَلَبًا لها، كما أَخْفَى لَيْلَةَ القَدْرِ في لَيالِي رمضانَ، وأوْلِياءَهُ في الخَلْقِ، ليَحْسُنَ الظَّنُّ بالصَّالِحِينَ كُلِّهم.
296 - مسألة؛ قال: (وَإنْ صَلَّوا الجُمُعَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، أجْزأتْهُمْ)
وفي بَعْضِ النُّسَخِ، في السَّاعَةِ الخامِسَةِ. والصَّحِيحُ في السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. وظاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أنَّه لا يجوزُ صلاتُها فيما قبل السَّادِسَةِ. وَرُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، وجَابِرٍ، وسَعِيدٍ، ومُعَاوِيةَ، أنهم صَلَّوها قبلَ الزَّوَالِ. وقال القاضي، وأصْحَابُه: يجوزُ فِعْلُها في وَقْتِ صلاةِ العِيدِ. ورَوَى ذلك عبدُ اللهِ، عن أبِيهِ، قال: نذهبُ إلى أنَّها كصلاةِ العِيدِ. وقال مُجاهِدٌ: ما كان لِلنَّاسِ عِيدٌ إلَّا في أوَّلِ النَّهارِ. وقال عَطاءٌ: كُلُّ عِيدٍ حين يَمْتَدُّ الضُّحَى؛ الجُمُعَةُ، والأضْحَى، والفِطْرُ؛ لما رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه قال: ما كان عِيدٌ إلَّا في أَوَّلِ النَّهَارِ، ولقد كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بنا الجُمُعَةَ في ظِلِّ الْحَطِيمِ (1). رَوَاهُ ابن البَخْتَرِيِّ (2) في "أمَالِيهِ" بإسْنَادِه. وَرُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، ومُعاوِيَةَ، أنَّهما صَلَّيَا الجُمُعَةَ ضُحًى، وقالا: إنَّما عَجَّلْنَا خَشْيَةَ الحَرِّ عليكم. ورَوَى الأثْرَمُ حَدِيثَ ابنِ مسعودٍ. ولأنَّها عِيدٌ فجَازَتْ في وَقْتِ العِيدِ، كالفِطْرِ والأضْحَى، والدَّلِيلُ على أنَّها عِيدٌ قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"إنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّه عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ"(3). وقولُه:
(62) في الأصل: "يسير".
(1)
الحطيم بمكة: هو ما بين المقام إلى الباب، أو ما بين الركن والمقام وزمزم والحجر. معجم البلدان 2/ 290.
(2)
في النسخ: "البحترى"، وتقدمت ترجمة ابن البخترى في 2/ 533.
(3)
أخرجه ابن ماجه، في: باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 349. والإِمام مالك، في: باب ما جاء في السواك، من كتاب الطهارة. الموطأ 1/ 65 مرسلًا.
"قد اجْتَمَعَ لَكُمْ في يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ"(4). وقال أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ: وَقْتُها وَقْتُ الظُّهْرِ، إلَّا أنَّه يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُها في أوَّلِ وَقْتِها؛ لِقَوْلِ سَلَمةَ بن الأكْوَعِ:"كُنَّا نُجَمِّعُ مع النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذا زَالَتِ الشَّمْسُ، ثم نَرْجِعُ نَتَتبَّعُ الفَىْءَ". مُتَّفَقٌ عليه (5). وقال أَنَسٌ: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الجُمُعَةَ حين تَمِيلُ الشَّمْسُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ (6). ولأنَّهما صلاتَا وَقْتٍ، فكان وَقْتُهُما وَاحِدًا، كالمَقْصُورَةِ والتَّامَّةِ، ولأنَّ إحْدَاهما بَدَلٌ عن الأُخْرَى، وقَائِمَةٌ مَقامَها، فأشْبَهَا (7) الأصْلَ المَذْكُورَ، ولأنَّ آخِرَ وَقْتِهِما واحِدٌ، فكان أَوَّلُه واحِدًا، كصلاةِ الحَضَرِ والسَّفَرِ. ولنا، على جَوازِها في السَّادِسَةِ السُّنَّةُ والإِجْمَاعُ؛ أما السُّنَّةُ فما رَوَى جابِرُ بن عبدِ اللهِ، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي - يعني الجُمُعَةَ - ثم نَذْهَبُ إلى جِمَالِنَا فَنُرِيحُها حتى تَزُولَ الشَّمْسُ. أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (8). وعن سَهْلِ بن سَعْدٍ، قال: ما كُنَّا نَقِيلُ ولا نَتَغَدَّى إلَّا بعد الجُمُعَةِ في عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عليه (9). قال ابنُ قُتَيْبَةَ: لا يُسَمَّى غَدَاءً، ولا قَائِلَةً، بعد الزَّوَالِ. وعن سَلَمَةَ، قال: كنا نُصَلِّي مع رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم الجُمُعَةَ، ثم نَنْصَرِفُ وليس لِلْحِيطانِ فَيْءٌ. [نَسْتَظِلُّ به](10). رَوَاه أبو دَاوُدَ (11). وأما الإِجْمَاعُ، فرَوَى الإِمامُ أحمدُ، عن وَكِيعٍ، عن جَعفرِ
(4) أخرجه أبو داود، في: باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، من كتاب الصلاة. سنن أبي داود 1/ 247. وابن ماجه، في: باب ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم، من كتاب إقامة الصلاة. سنن ابن ماجه 1/ 416.
(5)
تقدم تخريجه في 2/ 37، وأخرجه أيضًا الإِمام أحمد، في: المسند 4/ 46، 54.
(6)
تقدم تخريجه في صفحة 160.
(7)
في أ، م:"فأشبه".
(8)
في: باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس، من كتاب الجمعة. صحيح مسلم 2/ 588. كما أخرجه النسائي، في: باب وقت الجمعة، من كتاب الجمعة. المجتبى 3/ 81. والإِمام أحمد، في: المسند 3/ 331.
(9)
تقدم تخريجه في 2/ 38.
(10)
سقط من: أ، م.
(11)
تقدم تخريجه قبل قليل.
ابن بُرْقَانَ، عن ثابِتِ بن الحَجَّاجِ، عن عبدِ اللهِ بن سِيدَانَ، قال: شَهِدْتُ الخُطْبَةَ مع أبي بكرٍ، فكانتْ صَلَاتُه وخُطْبَتُه قبلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وشَهِدْتُها مع عمرَ بن الخَطَّابِ، فكانتْ صَلَاتُه وخُطْبَتُه إلى أنْ أقولَ قد انْتَصَفَ (12) النَّهَارُ، ثم صَلَّيْتُها مع عثمانَ بن عَفَّانَ، فكانتْ صَلَاتُه وخُطْبَتُه إلى أن أقولَ قد زَالَ النَّهَارُ، فما رَأَيْتُ أحَدًا عابَ ذلك ولا أنْكَرَهُ. قال: وكذلك رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، وجابِرٍ، وسَعِيدٍ، ومُعاوِيةَ، أنَّهم صَلَّوا قبلَ الزَّوالِ، وأحادِيثُهم تَدُلُّ على أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَها بعد الزَّوالِ في كَثِيرٍ من أوْقاتِه، ولا خِلافَ في جَوازِه، وأنَّه الأفْضَلُ والأوْلَى، وأحَادِيثُنَا تَدُلُّ على جَوازِ فِعْلِها قبلَ الزَّوالِ، ولا تَنافِيَ بينهما. وأمَّا في أَوَّلِ النَّهارِ، فالصَّحِيحُ أنَّها لا تَجُوزُ؛ لما ذَكَرَهُ أكْثَرُ أهْلِ العِلْمِ، ولأنَّ التَّوْقِيتَ لا يَثْبُتُ إلَّا بِدَلِيلٍ، من نَصٍّ، أو ما يَقُومُ مَقامَه، وما ثَبَتَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا عن خُلَفائِه، أنَّهم صَلَّوها في أوَّلِ النَّهارِ، ولأنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ كونُ وَقْتِها وَقْتَ الظُّهْرِ، وإنَّما جازَ تَقْدِيمُها عليه بما ذَكَرْنا من الدَّلِيلِ، وهو مُخْتَصٌّ بالسَّاعَةِ السَّادِسَةِ، فلم يَجُزْ تَقْدِيمُها عليها، واللهُ أعلمُ. ولأنَّها لو صُلِّيَتْ في أوَّلِ النَّهارِ لَفاتَتْ أَكْثَرَ المُصَلِّينَ، لأنَّ (13) العَادَةَ اجْتِمَاعُهم لها عند الزَّوالِ، وإنما يَأْتِيها ضُحًى آحَادٌ من النّاسِ، وعَدَدٌ يَسِيرٌ، كما رُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه أَتَى الجُمُعَةَ، فَوَجَدَ أربَعَةً قد سَبَقُوهُ، فقال: رَابِعُ أرْبَعَةٍ، وما رَابِعُ أرْبَعَةٍ بِبَعِيدٍ. إذا ثَبَتَ هذا، فالأوْلَى أنْ لا تُصَلَّى إلَّا بعد الزَّوالِ؛ لِيَخْرُجَ من الخِلافِ، ويَفْعَلُها في الوَقْتِ الذي كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُها فيه في أكْثَرِ أوْقَاتِه، ويُعَجِّلُها في أوَّلِ وَقْتِهَا في الشِّتَاءِ والصَّيْفِ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُعَجِّلُها، بِدَلِيلِ الأخْبارِ التي رَوَيْناهَا، ولأنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ لها في أوَّلِ وَقْتِها، ويُبَكِّرُونَ إليها قبل وَقْتِها، فلو انْتَظَرَ الإِبْرادَ بها لَشَقَّ على الحاضِرِينَ،
(12) في أ، م:"ينتصف".
(13)
في أ، م:"فإن".